يضيف الكاتب المصري أحمد توفيق إلى جانب تحققه شاعرا ومسرحيا وباحثا ميدانيا متميزا في جمع وتحقيق التراث الشعبي المصري، دخولا فريدا إلى عالم الرواية؛ وذلك من خلال روايته "روح رحال (سيرة آدم العاشق راعي الجزيرة الأول)". في حواره مع "العرب" يكشف توفيق عن تجليات رؤاه وأفكاره في روايته، وعن تأثيرات التراث الشعبي على تجربته والتجارب الإبداعية الأخرى. اعتمد الكاتب أحمد توفيق في روايته “روح رحال (سيرة آدم العاشق راعي الجزيرة الأول)” على لغة شاعرة محملة بعبق الصوفية وبعض دلالات المفردات القرآنية التي تضفي على العمل هالة من جلال اللحظة وبهائها، خاصة عند صياغته لتلك الحالة الغائمة التي تلتقي فيها روح بطل الرواية آدم الرحال مع أرواح أهل الطريق، لتجسيد حالة العشق التي تعيشها روح العاشق تارة عندما تحضر في روح العراف وتغيب في روح الدرويش وتارة أخرى عندما تتسامى في روح المتصوف وتتماهى في روح الراعي الحكيم باحثا عن روح معشوقته حوراء. الرواية صدرت أخيرا عن إدارة الدراسات والنشر بدائرة الثقافة في الشارقة، لتضاف إلى أعمال توفيق التي يتجلى فيها الإبداع الفني، بين الشعر والمسرح والموسوعات. كتابة الرواية بداية يقول توفيق “طرأت على بالي فكرة كتابة رواية ‘روح رحال’ أثناء تحضيري لمادة كشافات موسوعة الألعاب الشعبية العربية؛ تلك الموسوعة التي جمعت جزءا كبيرا منها بنفسي (فيديو وصورة) واستعنت بعد ذلك ببعض الأصدقاء والباحثين العرب لتوثيق ما قمت بإعداده من الألعاب الأخرى التي حصرت عناوينها وشروحها من مختلف البلدان العربية خاصة عندما مررت بقلمي على لعبة ‘مريانحة شجرة الرولة’ وتوقفت في ساحة شجرة الرولة، وعندما ظهرت أمامي بقايا آثار قصر أثري قديم في جبل حفيت المقابل لساحة شجرة الرولة في تلك الجزيرة، جزيرة ‘أم النار’ التابعة لإمارة أبوظبي أثناء قيامي برصد مفردات البيئة وعناصر الطبيعة وتتبعي للسياق التاريخي والمجتمعي لتلك المنطقة.” يبيّن الكاتب أن “فكرة الرواية تدور حول ذلك الرحال العاشق آدم، الذي مضى يتنقل براحلته عبر الزمان والمكان وهو هائم بخياله في رحلة بحث مستمرة عن روح حوراء فتاة الغيب الحسناء، تلك الروح التي ظهرت أمامه مثل طيف عابر ومضت تزاوله وهو جالس في مكانه بين زملائه من التلاميذ في كتاب شيخ الجزيرة الكفيف، وبعد بضعة أيام اختفت فجأة في ظروف غامضة ولم يعثر -منذ ذلك اليوم- على دليل يرشده إلى مكانها.” ويوضح أنه من يومها “راح يتتبع خطاها في جو أسطوري متشابك العرى، تارة حينما كانت تتجلى -أمامه- ملامحها في رؤية من رؤاه العابرة، وتارة أخرى عندما كانت تفاجئه وهي تخرج من مرآة عراف جزيرة ‘أم النار’ وتباغته بظلها القريب ثم تلقي ما بين يديها من ألعاب على جموع الأطفال المحتشدين في ميدان شجرة الرولة المقابل للقصر المهجور وتغيب مرة أخرى في عالم الخيال.” ◙ الكاتب ظل يعمل أثناء تأليفه لمشاهد تلك الرواية وسرد أحداثها المتشابكة على فك شفرات شخصياتها المركبة ويتابع توفيق “قمت بتقسيم روايتي إلى ثلاث وريقات، هذه الوريقات الثلاث يقال إنها فقدت ذات يوم من دفتر رحلات رحال جزيرة ‘أم النار’ الأول الذي كان محفوظا في جراب قماشي قديم في رواق سري من أروقة القصر المهجور، وعثر عليها بعد قرون من الزمان حفيده آدم الصغير. كل ورقة من الوريقات الثلاث تتكون من حاشية ومجموعة من الظلال.” وقد عنون كل ظل منها على هذا النحو: ظلال الورقة الأولى “ظلال الأرواح”: روح العاشق، روح جنية الليل، روح حارس اللعبة، روح الدرويش، روح فتاة الغيب. الورقة الثانية “ظلال العابرين”: الفلاح الفصيح، صاحب المقام، سندريلا، اللاعب الواقف. الورقة الثالثة “ظلال العائدين”: سلامة وبناتها الثلاث، قريقعان أبو طبيلة، أمير القصر آدم الشجاع، شيخ قبيلة الشرقيين آدم الكبير. وتدور معظم الأحداث الرئيسية في الرواية بين آدم بن صانع الجراجير الفقير وحوراء أميرة القصر الحسناء في مراحل عمرية مختلفة تمثل دورة حياة الإنسان. ويؤكد “ظللت أعمل أثناء كتابتي لمشاهد تلك الرواية وسرد أحداثها المتشابكة على فك شفرات شخصياتها المركبة التي كانت تخرج من أمكنتها وتشتبك بأرواحها الساكنة مع روح الرحال السائرة على طول طريق الترحال، وكذلك ظللت أعمل على إيجاد وسيلة للتنقل براحلة بطلها ‘آدم’ الرحال عبر المكان والزمان من خلال تلك الوريقات الثلاث التي ذكرتها ومرآة عراف الجزيرة وأحلام ورؤى النوم واليقظة وغيرها من الوسائل.” ويشير توفيق إلى أن رواية “روح رحال” هي الرواية الأولى له، وأنه وجد نفسه ينساق وراء كتابتها دون أن يقصد كتابة رواية، وهذا ما كان يحدث معه في معظم مقدمات كتبه البحثية وعندما كان يطلع عليها بعض الأصدقاء الذين يصنفونها روايات قصيرة. التأثر بالتراث حول استلهامه للموروث الشعبي واستلهام غيره من المبدعين هذا الموروث في إبداعاتهم، ومدى نجاحهم في ذلك، يقول توفيق “استفدت كثيرا من خبرتي كباحث في الموروث الشعبي واهتمامي بالتاريخ الشفهي للجماعات الشعبية وكذلك المدون، وما قمت بجمعه من نصوص ومادة شعبية في موسوعة كتاب الحواديت التي جمعت فيها الحكايات الشعبية من مختلف المدن والقرى المصرية، في عدد 4 مجلدات، في طبعة أولى بهيئة الكتاب، وأعمل الآن على طباعتها طبعة ثانية بعد أن ضممت إليها حكايات شعبية أخرى من كافة البلدان العربية.” ويذكر أيضا موسوعة “كتاب الألعاب.. ألف لعبة ولعبة شعبية للأطفال” التي تضم 1001 لعبة من مصر وكافة البلدان العربية، وكذلك التجمعات النوعية العربية والتي لها أصول عربية، مثل: الأمازيغ وقبائل الحسانية والقبائل التي لها أصول عربية في إقليم بلوشستان (صور وفيديوهات)، في عدة أجزاء لم تطبع، وكذلك من المادة الشعبية الملحقة بكتب: فنون الوداع، سلال العابرين، حكايات الجنوب، الحكايات الشعبية في أسيوط، ألعابنا الشعبية المصرية، وأيضا من الخبرات والمعايشات الميدانية التي جمع ووثق معظمها بنفسه في كتابة هذه الرواية “روح رحال” وغيرها من كتاباته السردية والشعرية. ويتابع “من أهم أعمالي الإبداعية التي تأثرت فيها بالموروث الشعبي وما رأيته وعايشته وقرأته من كتب في التراث والتاريخ وأيضا ما اكتسبته من خبرة ميدانية مرتبطة بطبيعة تلك المجتمعات وثقافتها وما اكتشفته أثناء بحثي عن أصولها وتتبعي لامتداداتها التاريخية، والتي تشتمل على نصوص مسرحية وشعرية وكتب أطفال: مسرحيات: فضاء أبيدوس 1999، مسمار في قدم الحمار 2007، مملكة الدجاج.. ومسرحيات أخرى 2024، عن هيئة الكتاب المصرية، إحنا العفاريت 2010 بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وغيرها من النصوص المسرحية التي نشرت في سلسلة سنابل وجريدة ‘مسرحنا’، مثل: الغولة والحداد، فرفور وزجاجة الماء المسحور، ثورة الثعالب، علاوة على دواوين شعرية مطبوعة في هيئة الكتاب: خجل التوت 1999، مكتبة الأسرة 2003، برواز 2002، إسكندرية.. برواز تاني 2003، صور بتهرب من براويزها القديمة، ومن دار وعد ديوان أحوال البحر 2009.” ◙ فكرة الرواية تدور حول ذلك الرحال العاشق آدم، الذي مضى يتنقل براحلته عبر الزمان والمكان وهو هائم بخياله في رحلة بحث مستمرة عن روح حوراء ويضيف قائلا “الكثير من المؤلفين وكتاب الدراما التلفزيونية والإذاعية استطاعوا -إلى حد كبير-أن يوظفوا الموروث الثقافي الحي الذي مازالت الجماعة الشعبية تمارسه حتى الآن بوعي المعايش لذلك السياق المجتمعي الذي أفرز من خلاله هذا الموروث، وأنا استمتع بمعظم أعمالهم، من أهمهم: يحيى الطاهر عبدالله وفاروق خورشيد، وخيري عبدالجواد، ومحمد جبريل، وإبراهيم عبدالمجيد، وعبدالرحيم منصور، وعبدالرحيم كمال، ويسري الجندي وغيرهم من المؤلفين الذين يستلهمون ذلك الموروث الثقافي في أعمالهم الأدبية المكتوبة أو التي تحولت إلى دراما.” ويطالب بضرورة الاهتمام بالموروث الشعبي للحفاظ على هوية كل جماعة شعبية ومن ثم الحفاظ على الهوية الجامعة التي تتمثل في القرية ثم المدينة ثم الدولة ثم الأمة التي تجمعها صلات النسب وثقافة اللغة والدين. وكذلك العمل على صون وإحياء العناصر الإيجابية التي تحتشد بها كافة فنونها القولية والحركية والتشكيلية وتحملها من مكان إلى مكان، وتنتقل بها عبر الأزمان من جيل إلى جيل، ويجب أيضا التخلص من العناصر السلبية التي تعيق حركة تطور تلك الجماعة التي تفرضها كافة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. على أن تكون حركة الفرز هذه التي تنتقي العنصر الإيجابي وتتخلص من العنصر السلبي عملية تلقائية تنتجها الجماعة الشعبية دون تدخل سلطوي أو ثقافي مفروض عليها من الخارج. وحول أهمية ذلك الموروث وفنونه، يلفت توفيق إلى أن كل فن من تلك الفنون المجتمعية القولية منها أو الحركية أو التشكيلية (مثل: الحكايات والأغاني والحكم والأمثال… أو الرقص والألعاب الشعبية… أو الفنون التشكيلية بكافة أنواعها) يمثل الوعاء أو السلة التي تحافظ على خبرات ومعارف وعادات وتقاليد ومعتقدات الجماعة الشعبية وتتناقلها من جماعة إلى جماعة ومن جيل إلى جيل. إن الثقافة الناتجة عن حس ووجدان جمعي لجماعة شعبية تشير إلى وعي حقيقي لأفراد تلك الجماعة؛ لأنها تتشكل بشكل عفوي وتلقائي دون تأثير أو تسلط خارجي يؤثر على مسار انتشار عناصرها، ما يجعل أفرادها يتمتعون بأيديولوجيا حقيقية، وأيضا تكون المعارف والمعلومات موثوقة، فأنت عندما تريد التأكد من واقعة تاريخية مختلف عليها أو مشكوك فيها ارجعْ إلى ما دون أو ما تناقلته الأجيال عن تلك الحقبة التاريخية وابحث في ما تحمله فنونها أو سلالها من معارف ودلائل وإشارات، من هنا سوف تتأكد من صحة تلك المعلومة التاريخية الرسمية أو عدم صحتها. يقول توفيق “إن المشهد الروائي الحالي في مصر محتشد بمجموعة متميزة من أبناء جيلي وجيل الشباب ممن يتناولون في رواياتهم وأعمالهم قضايا قومية ومجتمعية، كما في أعمال: حكايات آل الغنيمي، أسد القفقاس، مرج الكحل لمنير عتيبة، وأيضا أساطير رجل الثلاثاء، الموريسكي الأخير، نقطة نظام لصبحي موسى، وطقوس الاحتضار، الشطرنجي لخالد السروجي، ودوامات الصمت والتراب، نفيسة البيضا، بيت العدة والكرباج لمصطفى البلكي، والعابرون، البجعة البيضا، سقوط النوار لمحمد إبراهيم طه، وغيرهم من الكتاب المتميزين أذكر منهم: هاني قطب الرفاعي، محمد صالح البحر، محمد عاشور هاشم.” ويختم توفيق مؤكدا أنه على الرغم من أن الحراك النقدي متأخر كثيرا عن اللحاق بالحراك الإبداعي من حيث الكم والكيف إلا انه يوجد لدينا نقاد كبار مبدعون، منهم الدكاترة أيمن تعيلب وسامي سليمان وحسين حمودة، وغيرهم من النقاد الكبار.
مشاركة :