اقتصاديات أميركا الجنوبية في انتظار «تأثير الدومينو» بعد إشعاله بـ«ثقاب السياسة»

  • 5/15/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

وسط ظروف اقتصادية عالمية صعبة، سكب كثير من الكيروسين على اقتصاديات أغلب الدول، وأشعلت الظروف السياسية المتوترة منذ مطلع العام الحالي في أميركا الجنوبية كثيرا من «أعواد الثقاب»، لتهدد بتفجير الأوضاع في أبرز دول القارة. ومن فنزويلا التي تعاني أزمة اقتصادية متنامية بسبب تراجع أسعار النفط، الذي يعتمد عليه اقتصادها بصورة كبيرة، وهي البلد التي تمتلك الاحتياطي الأكبر على مستوى العالم، ما دفع رئيسها إلى إعلان حالة «طوارئ اقتصادية» تسببت في غضب شعبي تجاهه ومطالبات بإقصائه، إلى البرازيل أكبر اقتصادات القارة التي عزلت رئيستها قبل أيام، بسبب اتهامات بالتدليس على الشعب في عجز الموازنة، وتشهد حاليا اضطرابا واسعا، وصولا إلى الأرجنتين التي تشهد صراعا قويا بين رئيسها الحالي ورئيستها السابقة، المتهمة بالتعامي عن تلاعبات مالية كبرى.. يشهد اقتصاد القارة الأميركية الجنوبية أكبر تهديد من نوعه، خصوصا في ظل تراجع توقعات النمو لهذا العام. وبشكل عام، شهدت دول أميركا الجنوبية نموا كبيرا خلال أعوام التسعينات من القرن الماضي، والعقد الأول من الألفية الجديدة.. لكنها تشهد أيضا نسبا عالية من التضخم في غالبها، مع فجوات اقتصادية واسعة بين الأغنياء والفقراء، تعد هي الأكبر قاريا على مستوى العالم. * البرازيل في «حلقات مفرغة» تحل البرازيل في المرتبة السابعة على مستوى العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وهي الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية قاطبة، وتعد القاطرة الرئيسية لهذه القارة، التي يسهم نموها في نمو يرشح إلى جيرانها، والعكس صحيح، إذ يهدد الوضع المتأزم في البرازيل اقتصاد القارة بشكل كبير، حيث يتوقع كثير من المحللين أن تصاب القارة بما يعرف بـ«تأثير الدومينو» في حالة تفاقم الأوضاع البرازيلية. وبحسب أرقام حديثة أصدرها البنك الدولي في منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل نحو 2.42 تريليون دولار، لتأتي بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا سابع أقوى اقتصاد على مستوى العالم. لكن، واستمرارا للتأثر العالمي بأوضاع تراجع النمو، سادت التوقعات المتشائمة بالنمو في دول أميركا اللاتينية، حيث توقع صندوق النقد الشهر الماضي ركودا عميقا في البرازيل خاصة. وفي نهاية العام الماضي، كانت البرازيل تمني نفسها ببداية جديدة وعام سعيد مع انطلاق عام 2016، الذي ستحتضن فيه البرازيل دورة الألعاب الأولمبية بعد نحو شهر من الآن، آملة في أن تحدث تلك الدورة انتعاشة حقيقية في اقتصادها من شأنها أن تحقق فائضا ماليا. لكن توالي الضربات على الاقتصاد البرازيلي لم يجعل الحلم موجودا في الأفق القريب، وبعد انتشار فيروس زيكا الذي أدى إلى تراجع السياحة بشكل بالغ، بل تهديد العائد المتوقع من دورة الألعاب الأولمبية، أدت فضائح مالية مركبة، تتعلق بالفساد في شركة بتروبراس الوطنية النفطية، والتلاعب بالحسابات العامة فيما يتعلق بمعدلات عجز الموازنة الحقيقية للتدليس على المواطنين، إلى تجميد رئاسة ديلما روسيف والبدء في إجراءات إقالتها. واتهمت المعارضة روسيف، بارتكابها جريمة مسؤولية، بعدما حملت المصارف الحكومية أعباء النفقات العامة لإخفاء العجز الكبير في الميزانية في 2014. بعد إعادة انتخابها. وفي عام 2015، وافقت على مراسيم بنفقات إضافية دون الحصول على الموافقة المسبقة من البرلمان. وواجهت حكومة روسيف احتجاجات واسعة في يونيو (حزيران) عام 2013. كان رفع أسعار تذاكر النقل العام شرارتها... وبلغت ذروتها آنذاك بوصول عدد المتظاهرين إلى نحو 800 ألف شخص. وتراجعت معدلات النمو في البرازيل كثيرا منذ انتخاب روسيف في دورتها الرئاسية الثانية، إضافة إلى تراجع قيمة العملة المحلية بنحو 60 في المائة... وذلك تزامنا مع عجز كبير في الموازنة فاق نحو 10 في المائة من قيمة الناتج المحلي ومعدل بطالة قياسي. ومساء الجمعة، قالت الحكومة البرازيلية المؤقتة إنها تخطط لخفض جذري في الإنفاق العام، في محاولة لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية، ولكنها سوف تتفادى أن يمس ذلك التقشف البرامج الاجتماعية للمحتاجين. ووضع الرئيس المؤقت ميشال تامر الخطط في أول اجتماع له مع الحكومة، وذلك بعد يوم تصويت مجلس الشيوخ المثير للجدل لتعليق ممارسة الرئيسة روسيف مهامها، في انتظار محاكمتها، وتكليف تامر، نائبها سابقا، بمهامها. ولم تسلم الحكومة المؤقتة بدورها من الانتقادات والاتهامات بالفساد، فيما يشير إلى أن البرازيل تسير في «حلقات مفرغة» من الاتهامات المتبادلة بالفساد. وقال وزير الاقتصاد البرازيلي المعين حديثا، هنريك ميريليس، لوسائل الإعلام، إن الحكومة ستتخذ «إجراءات صارمة» لمواجهة الأزمة الاقتصادية. وقال إنها تعتزم تقليل الإنفاق، واستهداف الثغرات الضريبية، ومراجعة العقود العامة «بدقة بالغة». وذكر ميريليس أن الحكومة تنظر في فرض ضرائب جديدة في محاولة لتحقيق التوازن بين الميزانيات والحد من النمو «غير المستدام» للديون، التي حملها مسؤولية الأزمة الاقتصادية في البلاد. ولكنه وعد بأن الحكومة الجديدة ستواصل البرامج الاجتماعية للمحتاجين ذات الشعبية التي تبنتها حكومة روسيف اليسارية. وقال ميريليس لمحطة «غلوبو» التلفزيونية إن «البرامج الاجتماعية التي لا تمثل إلا نسبة صغيرة في الموازنة، لكنها أساسية لهؤلاء الذين يحتاجون إليها، ستظل قائمة». وتعهد الفريق الحكومي الجديد بانتهاج سياسة مختلفة تماما. وبعد أول اجتماع لمجلس الوزراء الجمعة، قال رئيس ديوان الحكومة (مثل رئيس حكومة) أليسو بادجيا: «انتهينا من الفساد ونرحب بالفعالية». ولكن، وفقا لموقع «كونغريسو إم فوكو» المتخصص، فإن عددا من أعضاء الحكومة الجديدة ليسوا بعيدين عن شبهات الفساد، إضافة إلى أن الحكومة تعطي انطباعا بالعودة إلى الوراء، لكون تشكيلها لا يشمل أي نساء أو سود أو شخصيات قريبة من الطبقات الفقيرة. وبينما تستمر المناوشات والاشتباكات السياسية، فإن الشعلة الأولمبية التي وصلت البرازيل بالفعل، وتطوف بمدنها حاليا، لا تجد العدد الكافي من التشجيع الذي كان متوقعا مع مطلع العام، إذ يبدو أن الجماهير منشغلة أكثر بتنظيم المظاهرات المساندة للخصوم السياسيين. * الأرجنتين «منحوسة» برؤسائها الأرجنتين ثاني أقوى اقتصادات أميركا الجنوبية، والثالث «لاتينيا» بعد البرازيل والمسكيك، وتحل في المرتبة الـ24 على مستوى العالم بناتج إجمالي يقدر بنحو 537.66 مليار دولار، بحسب أحدث أرقام البنك الدولي. وتشير أغلب المؤشرات الحديثة إلى توقعات «إيجابية» لانتعاش الاقتصاد الأرجنتيني خلال النصف الأخير من العام الحالي، وربما بشكل أكبر خلال السنة المقبلة، خصوصا بعد حل أزمة الصناديق السيادية في البلاد. وتعد الأرجنتين نموذجا جيدا لنهوض الاقتصاد، الذي شهد انهيارا كبيرا مع مطلع الألفية الجديدة، بعد الوصول إلى نقطة «العجز التام» عن الوفاء بالديون الخارجية، ووجود أكثر من 40 في المائة «تحت خط الفقر»، إلى الحد الذي فجر ثورة شعبية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2001. وتسبب في الإطاحة بنحو 4 رؤساء خلال فترة قصيرة. لكن الرئيس الأسبق نستور كريشنر نجح في تحقيق أمر شبه إعجازي، حين تمكن من تحسين الأوضاع الاقتصادية لبلاده خلال 4 سنوات فقط، معتمدا على خطة للإصلاح الاقتصادي الشامل، وتحسين مستوى المعيشة، وإعادة جدولة الديون الخارجية، مع خطة تقشفية محسوبة نجحت في إنعاش الاقتصاد. ورغم نجاح كريشنر، فإن مشكلة الأرجنتين الرئيسية يبدو أنها تنبع دائما من رؤسائها، والذين كان من بينهم أيضا، كريسيتنا فرنانديز كيرشنر، زوجة «الرئيس البطل» نستور، وخليفته في الحكم. وقبل يومين، وجه قاضي الاتهام الرسمي إلى الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، اتهاما بالإضرار بالمال العام بسبب عملية مضاربة في أسعار صرف العملات أجراها المصرف المركزي في الأشهر الأخيرة من ولايتها التي استمرت من عام 2007 إلى 2015، وذلك قبيل انتخاب الرئيس الجديد ماوريسيو ماكري. ويشتبه في أن كيرشنر والمتهمين الآخرين «ينتمون إلى مجموعة من الموظفين الذي ارتكبوا بشكل منهجي ومتفق عليه ومنظم، عدة أعمال في انتهاك مباشر لصلاحياتهم ووظائفهم»، حسب القضاء، الذي أكد أن هذه الأعمال كان هدفها أن «ينفذ البنك المركزي عمليات في سوق الدولارات المقبلة في ظروف أدت إلى الإضرار بالمال العام». و«الدولار المقبل» خيار يتخذ بشأن قيمة سعر الصرف في موعد مقبل، ويشكل مراهنة على ما سيكون عليه سعر الصرف بين عمليتين بعد أشهر. وباقتراحها في سبتمبر (أيلول) 2015 سعر صرف يبلغ 10.50 بيزوس لـ«دولار مقبل»، بدلا من 9.60 بيزوس (قيمة السوق)، تسبب البنك المركزي في خسارة البلاد ملايين الدولارات. وتؤكد كيرشنر ردا على الاتهامات، أن إجراءات المصرف المركزي مطابقة لمهمته «حماية الاستقرار النقدي والمالي والوظيفة والتنمية الاقتصادية مع عدالة اجتماعية». وتنفي الرئيسة الأرجنتينية السابقة أي تورط لها بالفساد، وتعدها ضحية «اضطهاد سياسي» يقوم به خصومها المحافظون. وإلى جانب هذه القضية، ورد اسم كيرشنر في قضية تحويل أموال إلى سويسرا عبر ملاذات ضريبية يشتبه في تورط عدد من أعمدة حكمها فيها. كما تخضع كيرشنر وابنها النائب ماسيمو لإجراءات للاشتباه بارتكابهما مخالفات في إدارة نشاطات عقارية عائلية. أما الرئيس الحالي، موريسيو ماكري، فيواجه مظاهرات احتجاجية تقدر بالآلاف، اعتراضا على سياسة التقشف وخفض الإنفاق التي يتبناها، وذلك بعد أن فقد أكثر من مائة ألف عامل وظائفهم في القطاعين العام والخاص منذ تولي مقاليد الحكم. ويؤكد ماكري دائما أنه يواجه الفساد، وأن الإجراءات الصعبة ضرورية للنهوض مجددا بالاقتصاد الأرجنتيني المتضرر، لكن أسماء عدد من المقربين منه وردت في «أوراق بنما»، بما يشي بأن الأمور لن تستقر قريبا. * فنزويلا تنتظر الانفجار وإلى الشمال، حيث تعوم فنزويلا على بحر داخلي من النفط، مدد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الجمعة، حالة «الطوارئ الاقتصادية» لثلاثة أشهر، وهي الحالة السارية منذ منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تعصف بالبلاد. وتشهد فنزويلا مظاهرات كبرى من المعارضة، التي تطالب بإقالة مادورو، متهمة السلطات الانتخابية بأنها تفعل ما بوسعها لتأخير العملية. وذلك مقابل مظاهرات موالية، في وقت يتوقع فيه أن يعلن مادورو سلسلة من الإجراءات الاقتصادية. وتجيز حالة «الطوارئ الاقتصادية» للحكومة أن تضع يدها على ممتلكات للقطاع الخاص لضمان توفير المواد الأساسية للمواطنين، وهو ما ترى فيه المعارضة تمهيدا للطريق أمام «عمليات تأميم جديدة». فنزويلا التي تملك أكبر احتياطي من النفط في العالم، تعاني من أزمة اقتصادية حادة، ناجمة عن تراجع أسعار «الذهب الأسود»، المصدر الرئيسي للبلاد من العملات الصعبة. وباتت البلاد تعاني من نقص المواد الأساسية، والتضخم الذي يعد الأعلى في العالم بنسبة 180.9 في المائة سنويا في عام 2015. في حين تراجع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 5.7 في المائة، للسنة الثانية على التوالي. وانخفض إنتاج النفط الخام في البلاد بشكل ملحوظ منذ عام 1999. حيث تنتج فنزويلا حاليا نحو 2.6 مليون برميل يوميا، مقارنة بـ2.69 مليون برميل يوميا في عام 2014.. وهو أيضا رقم أقل كثيرا من إجمالي إنتاج بلغ 3.2 مليون برميل يوميا عام 2002. ورغم ذلك، فمازلت تحتل مكانة بين الأوائل، وتمتلك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي مؤكد العام الماضي، يبلغ 299.95 مليار برميل، وتقع معظم احتياطيات النفط المؤكدة في فنزويلا في حزام أورينوكو للنفط الثقيل التي تمتلك 220.5 مليار برميل من احتياطات النفط المؤكدة. وقد أدى إعادة استثمار الحكومة لعائدات النفط في البرامج الاجتماعية بدلا من الاستثمار في التنقيب والإنتاج والتكرير إلى انخفاض الإنتاج. وقامت الحكومة الفنزويلية بتأميم صناعة النفط في 1970. وأسست شركة النفط والغاز الطبيعي الوطنية PDVSA تحت إدارتها، وهي أكبر شركة من حيث عدد الوظائف في الدولة. وقد أخذت الشركة حصة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات الحكومية وعائدات التصدير. * توتر إقليمي ولم تسلم أغلب دول الجوار في أميركا الجنوبية من التوتر. حيث تظاهر آلاف المواطنين في بيرو نهاية الأسبوع الماضي، لمطالبة اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية باستبعاد كيكو فوجيموري، وهي متصدرة السباق، بعد أن استبعدت اللجنة اثنين من منافسيها. وقال المحتجون إن هناك مؤامرة تحاك ضد الشعب باستبعاد المرشحين من أمام فوجيموري، بهدف وصولها عمدا إلى كرسي الحكم، رغم أنها ابنة الرئيس السابق ألبرتو فوجيموري، المحبوس حاليا باتهامات شراء الأصوات وأخرى تتعلق بالفساد. وفي تشيلي، وقعت مصادمات عنيفة مع نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة سانتياغو، بعد مظاهرات حاشدة احتجاجا على خطط إصلاح القطاع التعليمي. بينما شهدت لاباز عاصمة بوليفيا بدورها مظاهرات أخرى على مدار نحو شهر لذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يطالبون الحكومة بزيادة مخصصاتهم الحكومية.

مشاركة :