في إنجاز يعكس طموحات دولة الإمارات العربية المتحدة نحو الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، حققت الدولة المرتبة الخامسة عالميّاً في مؤشر الذكاء الاصطناعي. ويؤكد هذا الإنجاز نجاح استراتيجيات دولة الإمارات في مواكبة التطور المتسارع للحلول الذكية، ويبرهن في الوقت نفسه على فاعلية النهج الشامل الذي تتبناه الدولة في تطوير منظومة الذكاء الاصطناعي.
وفي الواقع، فإن هذا النجاح مؤسس في الأصل على استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي التي أطلقتها الحكومة عام 2017، لتحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031، والارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة، وأن تكون حكومة الإمارات الأولى في العالم، في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية، خلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية.
وقد اعتمد مجلس الوزراء تشكيل «مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي» عام 2018، بهدف تطبيق هذه التكنولوجيا في مختلف القطاعات وتسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة الأهداف الحكومية وتحسين جودة حياة المواطنين والمقيمين وصولاً لجعل دولة الإمارات ضمن أفضل دول العالم بحلول عام 2071.
وتبذل دولة الإمارات جهوداً متواصلة لترجمة الطموحات الكبيرة التي تضمنتها استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، ومن ذلك الالتزام بتأسيس قاعدة معرفية متينة في مجال الذكاء الاصطناعي، وفي هذا السياق، فقد كشف معالي عمر سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد، خلال جلسة المجلس الوطني الاتحادي في 4 يناير 2024، عن توفير الدولة نحو 160 تخصصاً دراسيّاً متعلقاً بالذكاء الاصطناعي ضمن مختلف المستويات الدراسية.
ويندرج ضمن هذه الجهود كذلك حزمة من المبادرات النوعية التي أطلقتها الحكومة، والتي أسهمت بصورة كبيرة في ترسيخ ثقافة الذكاء الاصطناعي لدى الكوادر الوطنية من مواطنين ومقيمين في مجتمع دولة الإمارات، ومنها «البرنامج الوطني للمبرمجين»، حيث نجح في رفع عدد المبرمجين في الدولة إلى 358.187 مبرمجاً، ما يشكل قاعدة صلبة للتطور التقني المستقبلي. ولا تقتصر جهود دولة الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي على الواقع المحلي، حيث تسهم بشكل فاعل كشريك استراتيجي معرفي في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي، وفي هذا الإطار، أشار معالي عمر بن سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي إلى إنجاز 4 آلاف ورقة بحثية في هذا المجال، وتأسيس الدولة 6 مختبرات بحثية متخصصة، مع خطط طموحة لتعزيز المخرجات البحثية العلمية الداعمة للتوظيف الأمثل للتقنيات الحديثة، الأمر الذي يؤكد التزام الإمارات بالمساهمة في تطوير المعرفة العالمية حول الذكاء الاصطناعي.
ومن المهم التأكيد على أن دولة الإمارات تولي اهتماماً خاصاً بالجوانب الأخلاقية والقانونية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، حيث تعمل على تطوير أطر تنظيمية صارمة تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنيات، ما يعكس حرصها على حماية المجتمع من أي تداعيات سلبية محتملة.، ويأتي هذا التركيز على الجوانب الأخلاقية والقانونية في إطار رؤية شاملة تهدف إلى ضمان أن يكون التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي متوازناً ومستداماً، كما تعمل الإمارات على تطوير أدوات ذكية تضع سلامة العنصر البشري في صميم أولوياتها، الأمر الذي يعزز ثقة المجتمع في هذه التقنيات ويشجع على تبنيها بشكل أوسع.
إن مسيرة الإمارات نحو الريادة العالمية في الذكاء الاصطناعي تستند إلى استراتيجية متكاملة تجمع بين تطوير الكفاءات الوطنية، وتعزيز البحث العلمي، وبناء الشراكات الدولية، ولا يقتصر طموح الدولة على تحقيق مراكز متقدمة في المؤشرات العالمية فحسب، بل يمتد إلى بناء إرث عالمي يضع ازدهار الإنسانية في صميم التطور التكنولوجي.
هذه الإنجازات والمبادرات المتنوعة لدولة الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، تؤكد قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، ما يدفعها نحو مراكز أكثر تقدماً في مؤشرات الذكاء الاصطناعي العالمية، ومع استمرار هذا النهج الطموح، تتطلع الإمارات إلى المساهمة بصورة أكبر في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، مع الحفاظ على التزامها بضمان أن تخدم هذه التكنولوجيا مصلحة البشرية جمعاء.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية