سوريا على مفترق طرق: استراتيجية جديدة لإعادة رسم الحدود

  • 12/8/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

توالى سقوط المدن السورية بسرعة لافتة ودون أي مقاومة تُذكر، سواء من قبل النظام السوري أو حلفائه، وأبرزهم روسيا، التي لم تتخذ خطوات لمنع هذا التقدم السريع للمقاتلين على الأرض. هناك عوامل عديدة يجب أخذها في الاعتبار عند تقييم المشهد الحالي في سوريا. أولها: أن التحرك الحالي لا يمكن رؤيته فقط ضمن سياق الأزمة السورية في نسختها الأولى، بل من منظور الانعكاسات الإقليمية في مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر. فالاستراتيجية الإسرائيلية التي بُنيت على تفكيك الساحات كنهج لمواجهة وحدتها جعلت الانتقال إلى الجغرافية السورية مسألة وقت ليس إلا. صحيح أن سوريا كانت هدفاً دائماً للغارات الجوية والعمليات الصاروخية وعمليات الاغتيال، إلا أن تفجر الأزمة السورية الآن يأتي في سياق توقف الحرب في لبنان مؤقتاً. الجغرافية السورية تمثل الرئة الحقيقية لمفهوم وحدة الساحات، والأرض العملياتية لخطوط الدعم اللوجستي لحزب الله وفصائل أخرى تابعة لإيران. لذا فإن اشتعال الجبهة السورية يعد تحركاً طبيعياً ضمن استراتيجية تأمين إسرائيل من محيطها الجغرافي والسعي الإسرائيلي لقطع هذا الشريان بين طهران ولبنان. هذا التحول الأخير على الأرض في سوريا قد يزداد تعقيداً، حيث تتحرك أطراف متعددة للدفاع عن مصالحها أو تعزيز نفوذها في ظل معطيات تُنبئ بإعادة رسم الخريطة السورية. ومع ذلك، كان اللافت ظهور قائد هيئة تحرير الشام السابق، أبو محمد الجولاني، باسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع والتركيز علي إظهار أصله وانتمائه وهوية والده كخبير اقتصادي في مجال النفط والتنمية. في مقابلتين منفصلتين مع شبكة «CNN» وصحيفة نيويورك تايمز، أشار الجولاني إلى حل هيئة تحرير الشام وأرسل رسائل بدت أشبه بتقديم أوراق اعتماد دولية كمسؤول سياسي معتدل ومتفهم لواقع سوريا الاجتماعي وليس كزعيم لتنظيم محظور دولياً. على الأرض، تشير التحركات العسكرية السريعة للمقاتلين من حلب إلى حماة الى حتمية المواجهة في حمص، المدينة المحورية الأهم في معادلة الصراع السوري. موقع حمص الجغرافي يجعلها حلقة وصل بين الساحل السوري والطريق إلى دمشق، بالإضافة إلى قربها من الحدود اللبنانية، التي تُعد آخر متنفس لحزب الله. هذا الأخير وجد نفسه مضطراً لإعادة ترتيب صفوفه بعد توقف الحرب في لبنان، في مواجهة قد تكون وجودية. خسارة حزب الله لهذه المعركة قد تعني نهايته كقوة إقليمية وتحوله إلى حركة مسلحة ومستهدفة في الداخل اللبناني. لكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن سرعة سقوط المدن السورية لا تعكس فقط ضعف وانهاك الجيش السوري، بل أيضاً تحييد حلفائه. إيران، التي كان يُفترض أن تكون الداعم الأساسي لحزب الله والنظام السوري، حُيدت تماماً مع مواجهة لبنان وسوريا حصاراً بحرياً وجوياً وبرياً محكماً بقيادة أمريكية إسرائيلية، مما حد أيضاً من قدرتها على المناورة. أما روسيا، فقد أظهرت موقفاً محايداً إلى حد كبير، مما يعكس تراجع قدرتها أو رغبتها في التدخل لاحتواء التقدم السريع للمعارضة. ومع ذلك، فإن الورقة الوحيدة المتبقية لإيران هي زج الفصائل العراقية في المواجهات على الأرض السورية، لكنها تواجه هي الأخرى استهدافاً أمريكياً وإسرائيلياً عنيفاً. مما يعني ان القدرة الإيرانية على احداث تغيير باتت شبه معدومة. في المقابل، تعمل إسرائيل على إعادة رسم الجغرافية الأمنية في محيطها، بدءاً من غزة، ومروراً بلبنان، والآن سوريا. مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، يبدو أن تل أبيب تستعد لفرض مناطق عازلة جديدة داخل العمق السوري، مستغلةً كل ما يجري كذريعة لتعزيز هذا التصور الاستراتيجي مع الإبقاء علي تأهبها للقيام بعمليات لضرب الأهداف التي تعتبرها تهديداً. في خضم هذا المشهد المتداخل والمعقد، يواجه الأردن استحقاقات جديدة على طول حدوده مع سوريا والعراق. خطر الفوضى الممتدة وظهور لاعبين جدد في الجغرافيا السورية يتطلب من الأردن البقاء في حالة تأهب قصوى. السبيل الوحيد أمام الأردن هو تعزيز تحالفاته العسكرية مع شركائه وتطبيق استراتيجيات استباقية لحماية حدوده. يجب أن تأخذ هذه الاستراتيجيات في الحسبان عنصر المفاجأة الذي يميز هذه المرحلة، وتعدد أشكال التهديدات والأخطار المحيطة بالجغرافيا الأردنية. الرأي

مشاركة :