الإخفاق في ترميم العالم نحو انتهاء العصر الأمريكي الذهبي

  • 5/16/2016
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

بعد الإخفاق في العراق وفي سوريا وأفغانستان، ومع ملف إيران النووي، وبعد فشلها الذريع في حملة محاربة الإرهاب يتساءل العالم مندهشا: هل انتهى العصر الأمريكي الذهبي، لتبدأ مرحلة ضياع الرؤية وفقدان القدرة عن القيادة؟ والدخول مرحلة بلادة السياسة وبلادة الحرب والسلام، إذ لم يبق أمام الولايات المتحدة الأمريكية الا التودد الى إيران الغارقة في الديكتاتورية وتكريس فاشية الدولة الدينية، والتقرب من روسيا الاتحادية (القوة العائدة الى الساحة العالمية بقوة)، من خلال الرحلات المكوكية شبه الأسبوعية للسيد جون كيري إلى موسكو للقاء لافروف للتعاطي مع الملفات الدولية من خلال المعادلات التي توافق عليها الخارجية الروسية. اما ورطتها العراقية - الفضيحة والجريمة فهي لا تدري اليوم كيف تديرها او تفكك طلاسمها، ولم يبقَ امامها سوى التلويح بورقة التقسيم المكرس فعليا على الأرض، والذي كان منذ البداية هدفًا أمريكيًا بالرغم من الإعلان عن غير ذلك في أكثر من مناسبة. فوحدة العراق دمرها الاحتلال بتفكيك مؤسسة الجيش العراقي وأجهزة الدولة العراقية، وتحويلها إلى ملك مشاع للميليشيات والأحزاب الطائفية والعصابات المسلحة، وتلك إحدى أهم النتائج الكارثية لهذا الاحتلال... وإذا أردنا تلخيص النتائج المرة لهذه السياسية وانعكاساتها العراقية والإقليمية والدولية كما على صورة أمريكا، فإنه يمكن رصد الجوانب الكارثية التالية: - فشل أمني ذريع بازدياد معدلات القتل اليومي وتوسع أنشطة مافيات السلب والنهب والاختطاف، وانقسام المجتمع على نفسه واستحضار الذاكرة والممارسة الطائفية البدائية والقتل على الهوية. - فشل سياسي ذريع بانكشاف الكذبة الامريكية بشأن (الديمقراطية العراقية) ديمقراطية الطوائف والمليشيات، التي لا قيمة لها، فإذا كانت هذه الانتخابات يؤتى بها لتكرس الطائفية والتقسيم، وإذا كان يؤتى بها لينتخب الشيعيُ الشيعيَ والسنيُ السنيَ والكرديُ الكرديَ والمسيحيُ المسيحيَ والتركمانيُ التركمانيَ فإنه لا أهمية لها. فما قيمة ديمقراطية يضطر معها السياسيون كل يوم لزيارة إيران فرادى وجماعات للحصول على موافقتها على تشكيل هذه الحكومة أو تلك؟ وما قيمة ديمقراطية لا يستطيع فيها العراقيون تشكيل حكومة لا ترضى عنها إيران، أو لا ترضى عنها الولايات المتحدة الأمريكية؟؟!! - فشل (خطط الإعمار) بسبب عمليات السرقة والنهب لأموال الشعب العراقي، وبسبب الوضع الأمني المتردي، حيث اضطر الكثير من الشركات العالمية لإنهاء أنشطتها في العراق. - وضع إنساني مزر، مع فقدان شبه تام لأبسط الخدمات الأساسية، وازدياد معدلات الهجرة الداخلية والخارجية، حيث يغادر العراق الآلاف من المواطنين يوميًا ليلتحقوا بملايين المهجرين واللاجئين العراقيين في الشتات. - فشل عسكري ذريع في مواجهة داعش التي تحتل ثلث الأراضي العراقية، التي توسعت وازداد نشاطها لتشمل اغلب مناطق العراق، ولتوقع أكبر قدر من التدمير والإرهاب، نتيجة لتدمير بنية الجيش العراقي وتخريب العقيدة العسكرية العراقية وتعويضها بعقائد طائفية ميليشياوية. وكان من النتائج المباشرة لهذا الفشل على الصعيد الدولي لجوء الإدارة الأمريكية تكتيكيا إلى تحريك الملف السوري لمجرد تغطية الفشل العراقي لتسجيل أي نقاط على هذا الصعيد، كما اضطرت هذه الإدارة في لحظة فشلها المدوي إلى ابتلاع تهديداتها للسودان واضطرت إلى قبول التفاهم والمفاوضات مع الحكومة السودانية حول موضوع دارفور، وفي الوقت نفسه لم تفلح في ثني إيران عن برنامجها النووي، بل بالعكس من ذلك، فإن إيران أمعنت في التحدي، ومازالت تلعب أوراقها لصالح توجهها كقوة إقليمية وقوة نووية أكيدة على المدى المنظور لتكريس هيمنتها على المنطقة وتأمين نظامها السياسي على المدى البعيد. لقد طغت الإخفاقات السياسية والعسكرية الأمريكية على المشهد الأمريكي، وأمست الإدارة محاصرة، أكثر من أي وقت مضى بجملة من الأسئلة المحرجة حول انعدام الرؤية ومحاربة الإرهاب، والعجز السياسي والعسكري، فأمريكا الدولة الأقوى في العالم تبدو اليوم عاجزة عن قيادة العالم او ترميمه، إلا في مجال القدرة على بناء الكراهية ضدها في الخارج وتعزيز الشكوك بين اصدقائها وحلفائها حول مصداقيتها، وانطلاقًا من المعادلة الخارجية يفضي تحليل أبعاد هذا التعثر الامريكي في اعادة ترتيب شؤون العالم من خلال رؤية يقبل بها العالم الذي بدأ ينفض من حولها، فالأوروبيون ينكمشون على أنفسهم، ويستكملون بناء وحدتهم وتوسيع مظلتها والاهتمام ببناء فضاء الرفاهية والاستقرار، وآسيا تعيد ترتيب البيت وفق معادلات مختلفة، قد تأخذ وقتا لإظهار النتائج المحتملة، وروسيا تستعيد قوتها بجرأة وتعود بقوة الى الساحة الدولية، والعرب الذين كانوا يسيرون وراء امريكًا إما خوفًا وإما طمعًا، أصبحوا اليوم على ثقة بأن الحليف الأمريكي لم يعد حليفًا، وأن عليهم ان يعولوا على أنفسهم للخروج من دائرة العبث بهم وبمقدراتهم. إن الإفراط الأمريكي في استخدام القوة العسكرية في المرحلة السابقة واعتبارها للمناهضين لهيمنتها على العالم خارجين عن القانون، أو مجرد (أشرار)، وفشلها في بناء رؤية لقيادة العالم في المرحلة الحالية، قد جعل العالم في واد وأمريكا في واد آخر. كما أن محاولة فرض العملقة القائمة على منطق القوة وجر العالم إلى منازعات ساخنة لإخفاء المشكلات الحقيقية التي خلقها نظام الجشع الرأسمالي العسكري الذي تمت ترجمته كنظام عالمي جديد لم يقدر على ضمان عملقة أمريكا، كما ان عجزها الحالي في ظل إدارة أوباما عن امتلاك رؤية لقيادة العالم والمساعدة على حل مشكلاته قد افضى الى انهيار الثقة بأمريكا في العالم. إن وراء العواصف المعلنة والغبار الكثيف والتخبط اليومي عوارض الضعف، ويتزايد اليوم عدد الأمريكان الذين يعون ذلك ويعلنون انتهاء العصر الأمريكي الذهبي الذي كانت فيه أمريكا تدعم حق الشعوب في تقرير المصير وأنواع الحريات، انطلاقا من رؤية واضحة للعالم وتقف فيه إلى جانب الحق والقانون الدولي. همس لحنٌ في منتهى الخفوت، يعبُر النهار الرمادي، يخفُق بأجنحته العصافيرُ الحائرة، أيتها الذكرى للسنين العِتاق كالريح تمرِّين، وكرعشة فضية على المحيط تختلجين وتنمحين، ألم تكن ظلاً زائلاً تلك خربشات المساء؟

مشاركة :