الشاشة تضحك، أغلب الأفلام أو تستطيع أن تقول: قسطًا وافرًا منها، حتى كتابة هذه السطور، بها قدر من البهجة ولا أقول فقط الكوميديا إلا أنها في حدها الأدنى إذا لم تستطع أن تُضحكك فإنها تدعوك للابتسام، بينما على جنبات المهرجان وفي الشوارع المؤدية إليه حتى الحدائق المجاورة وشاطئ «الريفييرا» الساحر الذي يعد الأجمل والأروع في الجنوب الفرنسي لم يسلم من زيادة كثافة المتابعة الأمنية التي تتحرك في دوريات متلاحقة، حتى أنني لاحظت أن جندية ومعها الكلب يتشمم على مدى دقائق دائرة قطرها لا يتجاوز مترين، تواجهك عيون رجال الشرطة وعدد منهم مدججون بالسلاح، وتتعجب لماذا كل هذه الاحتياطات الأمنية التي أراها مبالغًا فيها، ولكنى بالطبع لست خبيرًا أمنيًا ولا استراتيجيًا، كما تعودت الفضائيات في مصر أن تُطلق على عدد من المتحدثين، خاصة بعد ثورتي «25 و30» لقب الاستراتيجي، والكلمة كما ترى تعني العمق في الرؤية، ولا أتصورها في الحقيقة كذلك، ولكن دعونا نعود مرة أخرى إلى المهرجان حيث يبدو أن هناك تخوفًا ما، والدليل أنهم قاموا ببروفة في المبنى قبل افتتاح المهرجان للتأكد من أنه لو حدث شيء لا قدر الله يستطيعون مواجهته، لاحظت مثلا أن التفتيش يتم لأول مرة قبل الدخول لقاعة «لوميير» الكبرى، التي تتسع لعدة آلاف، على مدى ربع قرن هي سنواتي في «كان» يجري تفتيش الحقائب داخل القاعة، هل لديهم تخوف ما من أن هناك مفجرًا انتحاريًا بين النقاد والصحافيين، وهكذا يُصبح التفتيش خارج القاعة في هذه الحالة أكثر أمانًا، كنت قبل ثلاثة أشهر فقط في مهرجان «برلين»، وهو يوازي في الأهمية «كان» ومعهما أيضًا «فينسيا»، ولم أجد أي مبالغة أمنية على الإطلاق في التفتيش أو في الشوارع، ربما التفجير الذي حدث العام الماضي في مجلة «شارلي»، هو الذي أخافهم، ولكن أليست أوروبا كلها تعيش في نفس الدرجة من التهديد، هل الملامح الأمنية الزائدة عن الحد صبغت روح المهرجان وانعكست سلبًا علينا كمشاهدين، في الحقيقة بمجرد أن ينطفئ النور ويبدأ العرض ننسى كل ما سبق ويصبح الأمر هو رهان على الشاشة وما تُقدمه. مهرجان «كان» بطبعه يضم كثيرًا من الدول العربية تحت مظلته، حيث إن أغلب المهرجانات التي تُقام في عالمنا العربي تضع دائمًا أفلام «كان» في المقدمة بين كثير من الاختيارات الأخرى، يسأل البعض طالما نمنح المهرجان كل هذه الحفاوة فلماذا الوجود العربي هذه المرة شحيحًا؟ لدينا فيلم مصري «اشتباك» في قسم «نظرة ما»، وفيلم لبناني «الربيع» في «أسبوع النقاد»، وفيلم تونسي «صوف على الظهر» في مسابقة الفيلم القصير، ناهيك بمبادرات لعدد من المخرجين الشباب للعرض في سوق «كان»، من بين قرابة ألفي فيلم تقدموا فقط في «المسابقة الرسمية» و«نظرة ما» يقع الاختيار على عدد محدود جدًا من كل دول العالم، عدد الأفلام العربية المشاركة، صحيح أنه لا يشفي غليلنا، ولكن علينا ألا ننسى أن دولة مثل إيطاليا، التي كان لها العام الماضي فقط ثلاثة أفلام، بينما هذا العام ليست لها أفلام تتسابق. ويبقى أن نقول إن تلك الإجراءات الأمنية المكثفة لا تمنع أن تتحول المدينة الصغيرة «كان» إلى حفل عُرس يمتد قرابة أسبوعين وعلى مدى 24 ساعة يوميًا، وننسى نظرات عيون رجال الأمن والبنادق المفوهة في أيديهم ويتبقى فقط الابتسامات التي تطرحها الشاشة.. أكرر حتى كتابة هذه السطور!
مشاركة :