هناك وجع لا تصفه الكلمات، وجع يختبئ بين أنفاسك، يتسلل إلى نظراتك، ويستوطن صمتك.. هو وجع الغياب! حين يرحل أقرب الناس تاركين وراءهم فراغًا لا يملأه الزمن؛ الوفاء، في مثل هذه اللحظات، يصبح كالسيف ذي الحدين؛ يمنحك قوة الذكرى، لكنه يثقل كاهلك بحنين لا ينتهي. في حضرة الغياب، تتحول كل التفاصيل الصغيرة إلى حكايات عظيمة، وكل اللحظات العابرة إلى أبدية تسكن في أعماقك؛ وبين الحنين والانكسار، يصبح الوفاء مرآة لروحك، يعكس ما فقدته وما لا تزال متمسكًا به! إنه وعد صامت، لا ينطق بالكلمات، لكنه يصرخ في داخلك بكل ما لم يُقال. مؤمن الجندي يكتب: رهبة الضوء الأخير مؤمن الجندي يكتب: نشر الغسيل بالمقلوب الوفاء.. كلمة تبتسم بها الشفاه، لكنها تخفي خلفها بحرًا من الانكسارات.. كيف للإنسان أن يستمر حاملًا حبًا لم يعد صاحبه حاضرًا؟ كأنك تسير في مدينة مليئة بالذكريات، ترى فيها كل ضحكة، كل همسة، وكل ظل لمن أحببت، فتبتسم أحيانًا وتنكسر أحيانًا أخرى! شاهدت مقتطفات من حلقة النجم الكبير مصطفى عبده مع الإعلامي إبراهيم فايق، ورأيت بعيناي تجسيدًا لهذه المعاني بصدق نادر.. تحدث عن زوجته الراحلة، بروح تفيض بالوفاء والعرفان! كل كلمة قالها كانت كصفحة تُطوى من كتاب الحب الخالد، كتاب يعيد تعريف الوفاء. لوحة افتقدناها وسط وهج زائف شعرت من حديثه أن هذه الكلمات لم تكن مجرد سرد، بل كانت لوحة ترسم مشهدًا مليئًا بالقيم التي فقدناها، قيم الأصالة والاحترام التي ذكرنا بها مصطفى عبده لم تكن فقط عن علاقته بزوجته، بل عن زمن كان فيه العرف والتقاليد والأخلاق لغة حية، تتحدث بها القلوب قبل الألسنة، أعادنا لزمن كانت فيه القيم هي الحاكم، والأصالة هي اللغة المشتركة بين القلوب.. زمن كان فيه المصريون -بشكل عام- يحملون نورًا حقيقيًا، لا مجرد وهج زائف. حديث مصطفى عبده كان أشبه بمرآة صافية عكست جوهر الإنسان الحقيقي، جوهر لم تلوثه صراعات الحاضر أو أضواء الشهرة! رأينا في عينيه دموعًا لم تسقط، وفي نبرات صوته شوقًا لم يخفت، وكأن الزمن توقف عند لحظة الفقد ليبقى هو، وحده، يحمل عبء الذكريات. حلقة واحدة، لكنها كانت كافية لتعيد لنا شعور الزمن الجميل، زمن كانت فيه الرياضة ساحة للمبادئ قبل المهارات، وكانت العلاقات الإنسانية رمزًا للثبات والولاء.. جعلنا مصطفى عبده نتوقف لنتأمل، لنسأل أنفسنا: هل لا زال بإمكاننا أن نحب بهذه القوة؟ وهل لا زال بإمكاننا أن نكون أوفياء رغم انكساراتنا؟ في النهاية، أرى أن الوفاء هو المرآة التي تعكس عمق إنسانيتنا، وهو الصرح الذي لا تهدمه الأيام مهما اشتد عصفها؛ وفي كلمات مصطفى عبده، رأينا صورة رجل لم يهزم الفقد وفاءه، بل جعله شاهدًا على عظمة حب لا يزول، وذكرى لا تموت. للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
مشاركة :