شكَّل مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر "كوب 16" الذي استضافته العاصمة السعودية الرياض، لحظة محورية في الجهود العالمية لمعالجة تدهور الأراضي والتصحر والجفاف. وباعتباره النسخة الأكبر لمؤتمر أطراف هذه الاتفاقية حتى الآن، نجح الحدث في حشد أصحاب المصلحة العالميين، حيث جمع الحكومات وقادة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني تحت أجندة موحدة للعمل. وشارك أكثر من 90,000 شخص، إلى جانب تنظيم 900 فعالية، ما أظهر التزامًا واسع النطاق بتحويل نهج إدارة الأراضي إلى الممارسات المستدامة وتعزيز المرونة المناخية. وشهد المؤتمر إنجازات رائدة، بما في ذلك تقديم تعهدات تمويلية تجاوزت قيمتها 12 مليار دولار، وإطلاق عدد من المبادرات الرئيسية، ومن أبرزها شراكة الرياض العالمية لمكافحة الجفاف. وتهدف هذه المبادرة إلى نقل الاستجابة العالمية للجفاف من إدارة الأزمات وتقديم الإغاثة الطارئة، إلى تعزيز القدرة لمواجهة التحديات بشكل استباقي، وتوفير الدعم لما يقرب من 80 دولة تعتبر الأكثر عرضة للجفاف. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق المبادرة الدولية لرصد العواصف الرملية والترابية، ومبادرة قطاع الأعمال من أجل الأرض، للتاكيد على ريادة المملكة العربية السعودية في تقديم الحلول العملية والقابلة للتنفيذ لمواجهة هذه التحديات على المستوى الدولي. ومع ذلك، وكما ظهر خلال مؤتمر الأطراف "كوب 16" الرياض، لا تزال هناك فجوة مالية كبيرة، خاصة في استثمارات القطاع الخاص، إذ تُقدّر التقارير الصادرة عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر أن التمويل العالمي لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة الجفاف، لا يزال أقل بكثير مما هو مطلوب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ورغم النجاح الكبير الذي حققه المؤتمر في إبراز الحاجة الملحة التي تفرضها هذه القضية، فقد أوضح في الوقت ذاته ضرورة التوصل إلى مواءمة أكبر بين السياسات العامة والتمويل الدولي واستثمارات القطاع الخاص، من أجل تسريع وتيرة العمل قبل انطلاق النسخة السابعة عشرة من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر التي ستسضيفها منغوليا في العام 2026. وخلال رئاسة المملكة العربية السعودية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر طوال العامين القادمين، ستكون هناك فرصة للبناء على الزخم الذي تحقق في الرياض. ويجب أن تتضمن الأولويات تعزيز الآليات التي تحشد جهود الجهات الحكومية وغير الحكومية، وتشجيع الابتكار في إدارة الأراضي، وضمان توجيه الأموال نحو مشاريع مؤثرة وقابلة للتوسُّع. وسينصب التركيز بشكل خاص على إشراك القطاع الخاص كعامل أساسي لسد الفجوة المالية التي تم تحديدها في "كوب 16" الرياض. علاوة على ذلك، يتطلب التصدي للتحديات النظامية، مثل تدهور الأراضي والجفاف، نهجًا عالميًا يُركِّز على الشراكات. ومن خلال تشجيع التعاون بين الحكومات والصناعات والمجتمعات، يمكن لأجندة عمل الرياض أن تضع أساسًا لحلول مستدامة تمتد إلى ما بعد فترة رئاسة المملكة. وسيُمهِّد ذلك الطريق لجعل مؤتمر الأطراف "كوب 16" ليس مجرد محطة، بل منصة للتغيير التحويلي طويل الأجل. لقد حان الوقت الآن للمجتمع الدولي لاستثمار التقدم المحرز في "كوب 16" الرياض، وتحويل الالتزامات إلى عمل فعلي. ومن خلال الاستثمارات المركَّزة، والشراكات القوية، والقيادة المستدامة، يمكننا تسريع الجهود لمواجهة الأزمات المترابطة لتدهور الأراضي وتغير المناخ، ما يحقق إرثًا دائمًا للأجيال القادمة.
مشاركة :