تداول الناس في الآونة الأخيرة إحدى نشرات (الوتساب ) التي تتحدث عن دراسة باللغة الإنجليزية ، تهتم بمدى تحقق قيم الدين الإسلامي في الدول الإسلامية ، لتأتي النتيجة الصادمة بتَذيّل الدول العربية آخر القائمة ، فيما احتلت نيوزلندا رأس القائمة ! ولست هنا في مقام التحقق من الدراسة أو مساءلة محتواها وحيثياتها ، وعلى ماذا اتكأت . فلا أعتقد أننا بحاجة لدراسة كهذه ، لنعي مدى بُعدنا عن قيم الإسلام في سلوكنا وتعاملاتنا في علاقتنا الإنسانية ، وفي الحياة العملية فيما يتعلق بالصدق والنزاهة واحترام العمل وأوقاته والحرص على إتقانه ، ناهيك عن تفشي الفساد المالي والإداري، ونهب المال العام ومقدرات الأوطان مما ينتشر في عالمنا العربي « الإسلامي « السعيد. وقد سبق أن وضع لنا أحمد الشقيري ،ومن قبله بفترة طويلة جداً الشيخ محمد عبده -وغيرهما-، المرآة العاكسة لنشاهد كيف فُرغ إسلامنا من محتواه ، وتحول إلى شكلانيات وطقوس مفرغة من معانيها ، عندما هُمش الجوهر والمتن لحساب الفروع والحواشي ، لنقبع في ذيل الأمم وآخر ركب الحضارة بعد أن هجرتنا قيم الإسلام الجوهرية لتستوطن أمماً أخرى ! ونظرة واحدة على مواقع التواصل ترينا كيف يستخدم بعضنا التقنية الحديثة في التفنن بإطلاق أقذع أنواع الشتائم ، بينما يرفع في ذات الوقت لواء الدفاع عن الدين والذود عن حياضه ! وحدِّث ولا حرج عن استسهال إطلاق الأحكام على الناس ، وتفشي أدواء الكراهية والعصبية والعنصرية .. وهلم جرا مما نستطيع ملاحظته من سلوكيات طبقية وممارسات تعاملية سيئة !.لن أسترسل أكثر في السرد حتى لانقع في فخ الندب على اللبن المسكوب والأخلاق الضائعة والقيم التي انحسرت وراحت ، فالمراد هنا مقاربة الخلل ومحاولة تشخيصه . تولد أخلاق الناس من رحم الثقافة السائدة في مجتمعاتهم ، وماهي إلا انعكاس للقيم والمفاهيم الراسخة فيها ، ولعلّنا نستطيع القول إنهم ضحايا لتلك الثقافة ، ولمختلف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي وجدوا أنفسهم محبوسين في إكراهاتها . فالثقافة التي تختزل الفساد في أجساد النساء والعلاقات بين الجنسين فقط ، ولا تلقي له بالاً إذا مارأته متمثلاً في سرقة المال العام والفساد الإداري ، سينتشر فيها تضييع الأمانة والسرقة والغش وخلافه . وهنا ستشاهد من يمارس احتساباً تطوعياً إذا ما تعلق الأمر بتحديثات تتعلق بالنساء ، ولكنه سيبتلع احتسابه إذا ما تعلق الأمر بالفساد المالي والإداري !.والثقافة التي تقاس فيها التقوى بمظاهر شكلانية ويحكم على فضيلة الناس بالتزامهم بها ،لابد أن ينتشر فيها النفاق والازدواجية وتصنع الورع . والثقافة التي لا تعلي من شأن قيم العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات وتساوي الفرص وثنائية الحقوق والواجبات ، ستضيع فيها حقوق الإنسان الضعيف والمهمش لحساب القوي المتنفذ ، وهنا لا غرابة عندما يتم اللجوء للتحايل والطرق الملتوية . والثقافة التي تتقدم فيها الجهوية والعصبية والولاء على الكفاءة والاقتدار، ستنتشر فيها المحسوبية والرشوة وغيرها من أمراض الفساد. والمجتمعات التي لا تحترم فيها كثيراً حقوق الإنسان، ولا تُلبى فيها حاجاته الأساسية من تعليم وصحة وسكن وفرص وظيفية متكافئة وغيرها، سيتعامل فيها -ذلك الإنسان- مع الممتلكات العامة والحقوق بمنتهى التهاون والاستهتار ! إن الأخلاق- كما يراها عالم الاجتماع العراقي المعروف علي الوردي- صورة من تكيف الناس مع محيطهم ، ولذلك لا يمكن أن تتغير الأخلاق السيئة بالمواعظ الإنشائية ، ولكنها تتغير طبقاً للمثل الذي يورده في دراسة بعنوان (الأخلاق ؛ الضائع من الموارد الخلقِيّة ) : غيّر معيشة المرء تتغير أخلاقه . amal_zahid@hotmail.com
مشاركة :