< صدرت الأوامر الملكية الأخيرة مشتملة على إنشاء هيئتين مستقلتين الأولى للثقافة والثانية للترفيه، وعلى رغم تشابه هاتين الهيئتين في أنشطتهما وتقاربهما إلا أن الأولى كانت طموحاً طالما داعب عقول المثقفين بمسميات عدة، تارةً رابطة للثقافة والآداب، وأخرى جمعية للأدباء والمثقفين، أو اتحاد للكتاب والأدباء، كلها كانت محملة بطموحات جمة، فهي لا غير من سيقف إلى جانب الفنان والأديب والمثقف ويؤازره، بعد معاناة طويلة من التهميش والإقصاء في المنشط والإهمال في المكره، ينتظر أن تعيد لهم ولكل من قضى منهم نحبه كل الاعتبارات اللائقة، كما ينتظر منها أن تعيد صياغة الفن والثقافة والأدب بما يواكب روح هذا العصر وتخلق لها هوية سعودية. أما هيئة الترفيه فلم يكن المواطن يتوقعها، كانت مفاجئة، جاءت متزامنة مع رؤية التحول الوطني التي استنهضت داخل السعوديين كل أحلامهم المؤجلة، على رغم أنهم لا يعرفون تحديداً تفاصيل هذا التحول إلا أن ثقتهم التي دائماً ما يعلقها برقاب المسؤولين تعفيهم من الأسئلة، أنا هنا أتحدث عن الأغلبية الصامتة التي لا يسعها سوى الانتظار، لذلك لا تحشر أنفها بتفاصيل الأشياء، فما يهمها سوى المحصلة النهائية، أما الأقلية المشاغبة ولنقل المشاكسة من كتاب وإعلاميين فقد برزت أمامهم مجموعة من الأسئلة تجاه الرؤية وتجاه قراري استحداث هيئتين للترفيه والثقافة. هذه الأسئلة دخلت في حيز الاستشـراف ومحاولـة الفهــــم، خصوصاً أنه لم يعلن عن أنظمة ولوائح لهما، ما أنتج حزمة من الأسئلة وهي محاولة مبكرة للفهم، منها على سبيل المثال علاقة هيئة الترفيه بهيئة السياحة؟ لسبب بسيط جداً هو أن هيئة السياحة ظلت ولا تزال مسؤولة بشكل مباشر عن كل مرافق الترفيه في شتى مناطق المملكة، لن نسأل عن مدى نجاحها في تحقيق متطلبات الترفيه، فهذا له مقام آخر، لذلك فإن أول سؤال سيتبادر للأذهان هو: هل ستوفر هيئة الترفيه ما لم تقم به هيئة السياحة من خلال إيجاد مرافق للترفيه وكسر احتكار تجار الترفيه المغالين في الأسعار كالملاهي والاستراحات والمطاعم وغيرها؟ هل ستعمل على تأسيس منظومة ثقافية جديدة ووعي مختلف لمعنى الترفيه بحيث تنتزعهم من الأسواق والمولات، وتوجههم إلى أماكن أخرى أكثر سعة ورحابة لمعنى الترفيه الحقيقي؟ هل ستقوم بوضع برامج وخطط واقعية وعملية تجعل للترفيه قيمة أكثر من كون المواطن يخرج من بيته إلى مطعم أو سوق تجاري فقط، لمجرد أنه يغير مكانه؟ بمعنى أكثر وضوحاً هل ستسمح الهيئة بدخول السينما إلى الصالات المغلقة لدينا؟ هل سيسمح بالحفلات الموسيقية التي كانت إلى وقت قصير تقام في أبها وجدة وتحرم منها المنطقة الوسطى، حتى أن جمعية الثقافة والفنون بالرياض منعت أكثر من مرة من إقامة أمسياتها الموسيقية بلا أدنى مبرر، ونحن نعلم يقيناً أن السينما والموسيقى تخضعان للممانعة الشديدة فقط لأنهما رهينتان لتجاذبات فريقين متناحرين من دون النظر إلى حاجات المجتمع الحقيقية. هذا المجتمع الفطري البسيط الذي يهوى الفن بكل أشكاله، ولديه الاستعداد للتغني والرقص في أي وقت، فقط عندما يزاح عنه غطاء المحرمات المبالغ فيها، تلك التي أثقلت وجوده وكدرت عليه حياته ردحاً من الزمن، مع أنها مما يتسع لها الشرع ويمنح المجتهد حق الاختلاف ويترك الخيار للناس، السؤال الآخر، هل ستسمح هيئة الترفيه بإقامة المهرجانات المشتملة على كل الفنون بلا استثناء لكل المواطنين والمقيمين في بلدنا، كالمهرجانات العالمية المشتملة على العروض الفنية، والمهن والأشغال الحرفية المتنوعة والعروض الشعبية، مما سيعد استثماراً لهذا التنوع الموجود بين ظهرانينا، وهي فرصة سانحة قد لا تتوافر لغيرنا لتنوع الثقافات واختلاف العادات والتقاليد، مما يستبطن ثروة هائلة قد لا نراها إلا من خلال البرامج الوثائقية التي تسجل لحياة الشعوب وثقافاتهم، كما أنها فرصة كي نتعارف على بعضنا البعض لا من خلال تكاليف الحياة الصعبة، بل من جانبها الأجمل الذي ستوفره هذه المهرجانات. هذه أسئلة صعبة تحتاج من هيئة الترفيه للإجابات الجريئة والحازمة التي ستترجمها القرارات المنتظرة، ولعل من أهم نتائجها الرفع من سقف حرية المواطن في ممارسة حقه بالترفيه، كي لا يضطر إلى السفر إلى الخارج ويحرق مبالغ كبيرة لمجرد أنه سيحصل على شيء من البهجة الموقتة. أمام هيئة الترفيه اختبارات كبيرة صعبة مرهونة بمعادلتي النجاح والفشل، والفيصل الأول والأخير فيها هو ما ستسفر عنه برامجها وأنشطتها، واللوائح والأنظمة المصاحبة لها. العملية أتصور أنها ليست بالأمر الهين، فثمة فريق سيقف مستريباً بها، متمعناً في كل ما ستقدمه للناس، فالمعركة الحقيقة تكمن في تحييدهم أو إقصائهم عن التدخل بها أو معها، لأنه متى ما تمكن من اختراقها فسيعيدنا إلى المربع الأول، لتحتل الشيلات والأناشيد التحريضية ودروس الوعظ التي لم تزدنا خلال كل تلك السنوات الماضية إلا بعداً عن مصادر الثقافة والوعي الحقيقيين، فمتى ما تمكن هذا الفريق أحادي النظرة وضيق الرؤية والتوجه من الاستبداد والتحكم بعد كل هذا الجهد، فستطفو لغة التحريم وتحريض المجتمع ضد بعضه البعض، وبهذا تمسي «وكأنك يا بو زيد ما غزيت». * كاتب وروائي سعودي. almoziani@
مشاركة :