ليس سراً تلك الحالة من التوجس التي تنتاب «بعض» السعوديين عند ذكر «هيئة الترفيه»، أتذكر حواراً ساخراً بين مجموعة من الشباب في صالة انتظار أحد المطارات، استرقت منه سؤال أحدهم عن حكم العمل فيها؟ وآخر عما إذا كان موظفوها يتقاضون «بدل سمعة» أم لا؟ كل ذلك انطلاقاً - بطبيعة الحال - من النظرة السطحية لعمل «الهيئة»، وكأنما هي متعهد حفلات رخيص أو أراجوز مهمته إضحاك الناس! من العدل ألا نتجاوز هنا قصور «الهيئة» في التواصل المجتمعي الذي يؤصل مفهوم الترفيه كصناعة، بعيداً كل البعد ممّا يمكن وصفها بأخطاء البدايات التي أسهمت في تعميق هوّة «وقفة النفس» بين الجانبين، من قبيل فتح الباب أمام من هب ودب «يترزقون» الله على حساب جودة الفعاليات ومستواها. إن تناول «هيئة الترفيه» بالحديث لا يستقيم من دون ذكر الرجل «القوي» الذي أمسك ملفها الثقيل أخيراً، ويتفق الجميع أنه الرجل المناسب في المكان المناسب، ولو قالها يتامى التحول الاجتماعي الحاصل في السعودية لمزاً في حق «الهيئة» و«الشاعر» تركي آل الشيخ «صديق الفنانين»، غاضين الطرف عن كونه المستشار ورجل الدولة المهم، الذي حاز في ملفات عدة ثقة الحاكم التاريخي المجرِّب سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده، وكان على قدر المسؤولية في القطاع الرياضي المنهك، الذي حصد فيه آل الشيخ العلامة كاملة في وقت قياسي، استطاع خلاله تقديم منتج متميز جداً، بالتزامن مع ضبط الشكل الإعلامي في شقه الرياضي بعدما عانى قبل إشرافه «المباشر» حالاً غير مقبولة من التعصب! بناء عليه، فإن الأمل الذي يحدو السعوديين كبير جداً في بلوغ مرامات الدولة من الترفيه برفقة رئيس الهيئة الشجاع، وغني عن القول إن المطبات التي كانت توضع عمداً على طريق هيئة الترفيه في السابق، سيفكر صانعوها كثيراً قبيل ارتكاب خطيئة محاولة سرقة بهجة السعوديين اليوم. بعد كل هذا، ما هو الترفيه المطلوب؟ الإجابة البسيطة: مناشط متنوعة تُطرّي جفاف المدن السعودية، وتقتل فراغ الخلود إلى «الاستراحات» مساءً كملاذ أخير بسبب ندرة خيارات المتعة! وفي إجابة أخرى، نضيف إلى ما سبق: عبر «صناعة» مستدامة تؤمن بأن الترفيه ليس نصّاً مكرراً يقوم باستنساخه مجموعة ممثلين على مسرح الإجازات والمواسم، إنما هو كنز ثمين تم دفنه مدة من الزمن لاعتبارات معينة، قبل أن يعيد الأمير الشاب محمد بن سلمان اكتشافه أخيراً. التحديات كبيرة تلك التي تواجه رئيس «هيئة الترفيه»، الذي وجّه نداءه إلى الجميع بالمشاركة في تطوير ما أشار لها بـ «هذه الصناعة»، ومن تلك التحديات أن تكون جميع الفعاليات التي تنظمها «الهيئة» ذات جودة مرتفعة تعبّر عن الهدف المنشود وتؤصل له، هذا إضافة إلى الموازنة بين الدعم السخي الذي يرسخ - في أقل وقت - قواعد الترفيه كصناعة، وبين اختيار التوقيت الأنسب لرفع اليد الحكومية في الشكل الذي لا يؤثر سلباً على السوق الواعدة. إن خلق الوظائف في هذا القطاع - تحديداً- هو صمام أمان استمراره، ولهذا فإن نقل تقنية الترفيه بعناصرها كافة عن طريق الشركات التي يتم التعاقد معها عبر الاتفاق وإياها على أن تدريب السعوديين -على غرار الحاصل في توطين الصناعة العسكرية - هو شرط قضمها من كعكة الترفيه السعودية الكبيرة، يمكن أن يشكل ركن الزاوية في عملية الاستثمار في الترفيه بوصفه منتجاً وطنياً، يسهم فيما يسهم في تصدير ثقافتنا وفعالياتنا المحلية بعد أن تتبلور وتصبح أكثر تأهيلاً، فالعالمية ليست دائماً «صعبة قوية».
مشاركة :