فيما تزداد العلاقات السعودية – الإيرانية تأزما بعد تدخلات طهران الأخيرة في الشأن المحلي للمملكة وحرق المقار الدبلوماسية لها في إيران، يخرج مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية للوجود في مرحلة زمنية حساسة من الرياض بكوادر سعودية متخصصة في دراسة كل ما يتعلق بالدولة الجارة ــــ كما يصفها الدكتور محمد السلمي رئيس المركز. وأكد الدكتور محمد السلمي، رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية في حوار مع "الاقتصادية"، أن أهمية المركز تأتي من انفراده في هذا المجال "فهو المركز الأول في المنطقة العربية الذي يهتم بالدراسات الإيرانية، الأهمية تأتي أيضا من كون أن هناك حاجة ماسة إلى فهم هذه الدولة الجارة إيران من مكوناتها كافة الاجتماعية، الاقتصادية، السياسة، الأمنية العسكرية، الثقافة اللغوية، فهناك حاجة إلى فهم شامل"، معتبرا أن لا علاقة لإطلاق الموقع أو المركز بالتطورات السياسية التي تشهدها المنطقة. وأوضح أن المواطن الإيراني في عام 2009، هتف: “لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران”، وأحرق صور خامنئي فيما يسمى حركة الخضر، إذ إن المواطن يرى أن أمواله تذهب للخارج وسواء تم رفع العقوبات أو لم ترفع، وسواء ارتفع سعر النفط أو هبط، الحال سواء بالنسبة له، لأنه لا يستطيع أن يرى الفرق بين هذه الحالة وتلك، بسبب أن النظام السياسي يوجه الأموال للخارج، ومن يرصد تعليقات بعض الإيرانيين في مواقع الصحف يجد حالة من التذمر، لكن لا يستطيع الشعب أن يتحرك خشية البطش، لافتا إلى أن تجربة 2009 علمته الكثير، فإذا لم يكن قادرا في حركته على إسقاط النظام فلن يتحرك. وأشار إلى وجود اختراق إيراني لبعض المؤسسات البحثية في الغرب ما ينعكس على نظرة الغرب لها، مبينا أن إيران تخسر أكثر من 20 مليار دولار سنويا بسبب هجرة العقول لكنها استطاعت التقارب معهم وتحقيق مصالحها. ما أهمية مركز الدراسات في ظل المرحلة الزمنية الحالية التي تعيشها العلاقات السعودية ــــ الإيرانية؟ أهمية المركز تأتي من انفراده في هذا المجال، فهو المركز الأول في المنطقة العربية الذي يهتم بالدراسات الإيرانية، الأهمية تأتي أيضا من كون أن هناك حاجة ماسة إلى فهم هذه الدولة الجارة إيران من مكوناتها كافة الاجتماعية، الاقتصادية، السياسة، الأمنية العسكرية، الثقافة اللغوية، فهناك حاجة إلى فهم شامل لهذه الجارة حتى نستطيع تقديم صورة أوضح لصانع القرار ولكل من يريد أن يفهم هذه الدولة على المستوى المحلي أو الإقليمي أو حتى على المستوى الدولي للسياسة الإيرانية، من هنا يأتي أهمية إطلاق هذا المشروع الذي نرى فيه أهمية كبيرة حتى تعطى كل هذه المساحة لكل المهتمين. ولا علاقة لإطلاق الموقع أو المركز بالتطورات السياسية التي تشهدها المنطقة إذ إن إيران دولة جارة وستبقى دولة جارة، كما أن العلاقات السياسية تتبدل وتتغير، حيث إنه قبل عشر سنوات كانت علاقتنا أفضل مما هي عليه الآن، وفي المستقبل ربما تكون العلاقة أفضل، ولكن بغض النظر عن طبيعة العلاقة تحتاج إلى فهم هذه الدولة فلا نستطيع أن نغير جارنا أو نختاره. متى انطلق العمل في المركز؟ المركز انطلق فعليا من قرابة شهر هناك طاقم موجود، الموقع الإلكتروني موجود بثلاث لغات، وفيه مواد كثيرة بحثية ودراسات وتقارير ومقالات ورصد إعلامي، 90 في المائة منها من إنتاج المركز وأعضائه، وبالتالي نحن ولله الحمد انطلقنا ورحلتنا المقبلة بعد أن أطلقنا الموقع هو إطلاق المجلة، وهي مجلة شهرية تهتم بالشأن الإيراني، وسيجد القارئ كل ما يتعلق باهتماماته بالشأن الإيراني وما يرضي طموحه في ذلك الجانب. هل يوجد موعد زمني محدد لانطلاق المجلة؟ ليس هناك تاريخ محدد بسبب إجراءات إدارية، وقضية استقطاب الكوادر والجانب الفني يحتاج إلى وقت، إضافة إلى تجهيز مواد المجلة التي من 50 إلى 60 صفحة، والتي بحاجة إلى وقت. هل هناك تعاون مع مفكرين أو مثقفين إيرانيين للمشاركة أو المساهمة معكم؟ نحن منفتحون على الكل سواء من داخل إيران أو خارجها إيراني أو غير إيراني فلا ننظر إلى الجنسية، ننظر فقط إلى المادة التي تقدم وتتناسب مع قراءتنا وتوجهات المركز وتخدم المصلحة العامة، فنحن منفتحون على الجميع وهناك لجنة لدراسة كل الأوراق التي تقدم والتقارير، لجنة تحكيمية، تقرر إذا ما كانت المادة صالحة للنشر أو التطوير أو غير صالحة للنشر. جانب من الاعتدءات على السفارة السعودية في إيران."الاقتصادية" إلى ماذا تعزو غياب مراكز دراسات في المؤسسات الثقافية والصحافية في ظل وجود كوادر ونخب مؤهلة لإدارة هذه المراكز؟ أعتقد أن عندنا مشكلة في عدد مراكز الدراسات، فعددها في المملكة قليل جدا مقارنة حتى بدول المنطقة، لكن ربما كانت هناك قراءة مختلفة سياسية بأن مراكز الفكر العالمية تستطيع أن تقدم لنا كل ما نحتاج إليه، وبالتالي الإجراءات الإدارية والتراخيص المزعجة والبيروقراطية الإدارية عرقلت إيجاد هذه المراكز، لكن الآن التوجه مختلف تماما، الآن هناك مراكز جديدة، فقد قابلت أخيرا أحد الشباب الذي يعمل على تأسيس مركز يعمل على الدراسات الصينية، وهناك دراسات أخرى، حيث يوجد عديد من الشباب الذين يهتمون بفتح مراكز. وكما ذكرت النخب المثقفة والكوادر كلها موجودة، ولكن أعتقد أن هناك جانبا إداريا حكوميا، بيروقراطية إدارية لم تساعدها. هل تعتقد وجود توجس حكومي من دور هذه المراكز في السابق؟ ربما هناك مراكز دراسات عديدة في المنطقة لكن الاستفادة منها تكون معدومة، فما الذي يميّز المركز عن البقية؟ المركز مختلف نوعا ما لأنه متخصص ويتفرع في الداخل وهذه ميزته ليس مركزا شاملا يهتم بأوروبا وبأمريكا وبالدول العربية، لا، فالمشروع مركز جدا، يفتتح في الداخل فكل ما يخص الشأن الإيراني نحن نقدمه، وبالتالي هناك ضعف كبير في تقديم المعلومة حتى على مستوى اللغة، نحن نقدم رصدا للقارئ البسيط، فنحن يوميا نرصد أهم ما صدر في الصحف الإيرانية نضعها على الموقع مجانا لكل المهتمين، طموحنا أن نقدم قراءات جيدة متزنة دقيقة حيادية، لصانع القرار إذا احتاج إلى استشارات، إلى دراسات، إلى تقارير خاصة أن المركز يضم نخبة من المتخصصين في الشأن الإيراني، 80 إلى 85 في المائة منهم يجيدون اللغة الفارسية إجادة تامة إلى جانب اللغة الإنجليزية. وهناك شخص متخصص في العلوم السياسية، والاجتماعية، ولديه القدرة على تحليل الداخل الإيراني وفهم الشخصية الإيرانية، والمهم: هو مفتاح اللغة، حيث لا نحتاج إلى طرف ثالث فندخل مباشرة إلى المعلومة ونستقصيها كما هي ونقدمها لصانع القرار أو للمهتم في القطاعين الخاص أو العام. لو تحدثنا عن مراكز الدراسات في السعودية، يلحظ أنه لا يستفاد منها رسميا ما انعكس على موت مشاريعها، لماذا تكونت تلك العلاقة المعقدة بين مراكز الأبحاث والسياسي؟ أعتقد أن هناك توجها مختلفا في السعودية، وهو الاهتمام بمراكز الدراسات، وبعض الجهات الحكومية تهتم بالأبحاث والدراسات، والمملكة أدركت هذا، أن الوقت الراهن هو وقت العمل المؤسسي، خاصة لدينا في المملكة، وهي قائمة على مشروع ضخم متكامل عمل مؤسسي فبالتالي مراكز الأبحاث تستطيع أن تسهم في إنجاح هذه الرؤية على الجانبين السياسي والاقتصادي. فيما يخص الشأن الإيراني وعلاقتها مع دول الجوار، أعتقد أن هناك حاجة إلى عمل أكبر مع الجهات الحكومية وصانعي القرار ولكن نحن نقدم المادة يبقى الطرف الآخر كيف يمكنه الاستفادة من هذه المواد البحثية والدراسات والتقارير الموثقة في الشأن الإيراني، في المجمل هناك اهتمام كبير في المملكة بمراكز الأبحاث والدراسات والمتخصصة، وهناك فرصة لتقديم أنفسنا بالشكل الذي يليق. متى كانت أقرب نقطة هدوء سياسي صالحة لبناء علاقة جيدة بين السعودية وإيران؟ ولماذا لم تستثمر وفق تحليلكم كمركز متخصص في الشؤون الإيرانية؟ أعتقد أنه كانت هناك فرصة كبيرة بعد الثورة الإيرانية مباشرة بأن تحول القيادة السياسية الجديدة في إيران تصريحاتها وأقوالها إلى أفعال، فقد كانت هناك تصريحات جميلة وجدت ترحيبا من الدول العربية ومن الملك خالد ـــ رحمه الله ـــ الذي رحّب بهذا التوجه الذي أطلقه الخميني، لكن سرعان ما تحولت الأمور إلى منحى لم يرغبه الجميع، وما زالت لدى إيران فرصة لإيجاد علاقة أفضل خاصة مع السعودية. ماذا عن مرحلة الرئيس الإيراني محمد خاتمي؟ مرحلة خاتمي كانت جيدة، فقد عشت هذه المرحلة بكامل تفاصيلها، فعام 2000 درست في إيران، وأكملت خلال عامي 2004 /2005 مرحلة الماجستير التي تزامنت مع نهاية فترة خاتمي. العلاقة كانت جيدة على المستوى العام، والزيارات المتبادلة. كما أن رافسنجاني كان يسمى مهندس العلاقات السعودية ـــ الإيرانية عندما كان الملك عبد الله ولي العهد، لكن كل هذا تغير سريعا، لأن التوجهات الإيرانية وليس "التوجهات السعودية"، فالخط السياسي السعودي كان واضحا، الرغبات حصلت عند إيران وبالتالي تحولت طبيعة علاقتها وفقا لسياستها التوسعية في المنطقة. لا شك في أن لإيران مشروعا سياسيا، يستهدف الدول العربية، ويستهدف المنطقة، والسعودية ودول الخليج على درجة التحديد، ومن هنا تغير الوجه المبتسم الذي كان يقدمه خاتمي ورافسنجاني، وجاء وجه أسود نوعا ما في عهد محمود أحمدي نجاد، واستمر هذا الوجه القبيح ــــ إن صحت التسمية، في ظل حكومة روحاني الذي استمر بل زاد من هذا التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية في سورية، اليمن، البحرين، السعودية، في الشأن الداخلي السعودي وإحراق السفارة والقنصلية في مشهد، كل هذا غير الشكل الذي كان يقدمه روحاني كرئيس معتدل، وربما انخدع بذلك بعض الدول العربية، لكن ظهرت الصورة واضحة، بأن السياسة الخارجية ليست في يد الرئيس الإيراني بقدر ما هي في يد المرشد الأعلى علي خامنئي. يوجد غياب ملحوظ للأمم المتحدة في لعب دور الإطفائي بين معظم دول الخليج وإيران، لماذا غاب حضور الممثل الأممي برأيكم؟ هناك مشكلة في قراءة الحالة الإيرانية سواء على المستوى الأممي أو العربي. أولا، لا نستطيع التحكم في وسائل الإعلام الغربية لكن لديهم توجهات وسياستهم وقراءتهم الخاصة، فالإعلام ليس كله حياديا، هناك إعلام مسيس، هناك إعلام قد يقود حملة مركزة ضد المملكة خاصة في المرحة الأخيرة خاصة في بعض الدول الغربية، فينا يتعلق بالعلاقة مع إيران ربما الدول الغربية تقرأ أن روحاني الذي يقدم على أنه معتدل وإصلاحي من وجهة نظرهم، يستطيع أن يغير إيران من الداخل، وأن الإصلاحيين يستطيعون أن يغيروا النظام السياسي والتوجهات السياسية في الداخل الإيراني. هذه المراهنة ركزت عليها أكثر حكومة أوباما، راهن عليه أوباما شخصيا ووزير خارجيته جون كيري، ونرى أن هذه المراهنة غير دقيقة لأننا على تماس مع إيران أكبر من تماسها مع الغرب، خاصة مع الإدارة الأمريكية التي ترى أنها تستطيع أن تغير إيران من الداخل، وهذا يأتي على حساب علاقتها مع دول الخليج، لكن في نهاية المطاف الثقل والثبات في سياسات الخليج والمملكة، ووضوحها، وعدم الظهور بمظهرين بعكس إيران التي فيها مشكلة وجود دولة داخل دولة وهي الحرس الثوري، بعكس الخليج وبالتالي موقفه أكثر وضوحا. نعود إلى النقطة الأساسية لا شك أن هناك مصالح بعض الدول التي ترغب في استثمار هذا التقارب في قضية التسليح الأمني والعسكري من خلال الصفقات. وترى أنه من الفائدة أن يبقى هذا الصراع بين العرب وإيران قائما، وحتى المنطقة لا تهدأ، نتمنى أن تكون العلاقة مع إيران أفضل، وإيران تقول إنه يجب ألا تتدخل الدول الغربية في علاقات دول الجوار، وكلنا نتفق على هذا الجانب، لكن كيف أستطيع أن أضمن تطبيق إيران ما تقوله وهي تصرح في بعض الأحيان بشيء مختلف، وأفعالها في البحرين واليمن وسورية ولبنان تقول عكس ما تصرح به الحكومة الإيرانية التي ينطبق عليها المثل الشعبي "أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب" ـــ وقد قال ذلك الأمير تركي الفيصل بالعبارة نفسها. اعتاد المتابع للتصريحات الإيرانية أن يسمع مسؤولا من الصف الثاني لا علاقة له بالسياسة الخارجية، يصرح ضد المملكة أو بعض دول الخليج ثم يخرج مسؤول آخر يقلل من قيمة تلك التصريحات .. هل يعني ذلك أنها سياسة تقوم على مفاهيم لعبة الشطرنج أم ماذا؟ هناك تبادل أدوار، وهناك دولة داخل دولة في إيران، فهل السلطة مع روحاني أم مع الحرس الثوري، أنا من وجهة نظري أعتقد أنه عندما يتحدث خطيب الجمعة في مشهد أو طهران، فأنا أقرأ أن من يملك التوجه السياسي، ومن بيديه ملف السياسة الخارجية هو خامنئي، أما روحاني وظريف فلديهم منطقة بسيطة جدا يتحركون فيها ولا يتحكمون في السياسة الخارجية والأمن القومي، فهذان ملفان في يد خامنئي لا يستطيع إطلاقا وزير الخارجية أو الرئيس أن يتخذ فيها أي قرار كان قبل أخذ الضوء الأخضر من خامئني، وبالتالي إمام الجمعة يمثل توجه خامئني، فهو يراجعه مثل رئيس الجمهورية تماما يعني تخيل إمام الجمعة في طهران من يعينه خامنئي ويأخذ التوجهات السياسية منه مباشرة ثانيا هو مرتبط بالنظام الأصولي وبالتالي هو داعم دائما لتوجهات خامنئي، الحكومة سكرتارية في أغلبها تقدم وجه إيراني المؤسسي فقط. ذكرتم أن هناك انحيازا إعلاميا غربيا لإيران .. فما أسباب ذلك الانحياز؟ أولا: هناك نقص في المعلومة فيما يتعلق بالمملكة لدى كتاب الرأي الغربيين وقد يكون هذا خللا من ناحيتنا. ثانيا هناك اختراق إيراني لبعض المؤسسات البحثية في الغرب، إيران لديها ما يسمى المهجر، إيران تخسر سنويا أكثر من 20 مليار دولار بسبب هجرة العقول والأدمغة، بعضهم يذهب إلى المؤسسات الغربية، بعضهم عمل الآن في المراكز البحثية، هناك ما يسمى الكونجرس الوطني الأمريكي الإيراني، ويترأسه تريتا بارسي وشخصيات أخرى في واشنطن، وهم قريبون من صانعي القرار في البيت الأبيض، وفي مراكز الأبحاث أيضا، هؤلاء استطاعت الحكومة الإيرانية الوصول إليهم والعمل معهم على جانبين جانب تلميع النظام الإيراني، والآخر شيطنة المملكة لأنهما أكبر دولتين في المنطقة وذلك لأن أكبر دولتين إسلاميتين في المنطقة ذواتي تأثير السعودية وإيران، وذلك كون مصر وتركيا لديهما مشاكل وبالتالي إيران تضغط ليكون لها الاسم الأكبر لدى الغرب حتى إن اختلفوا في بعض الملفات. ثالثا: هناك إعلاميون ناصبوا السعودية العداء مهما تقدم لهم من معلومة لا يقتنعون، إما لعامل شخصي وإما لعمل مؤسسي بسبب توجه الصحيفة أو المؤسسة التي يعملون فيها. إذا نحن لدينا جانب نحن نتحمله وهو عدم التواصل بشكل جيد مع بعض المؤسسات الغربية ومراكز الأبحاث ولا نقدم المعلومة الكافية لهم لكتاب الرأي والصحافيين، لا نريدهم أن يصفقوا لنا نريد أن يقدموا المملكة كما هي دون تجميل أو تقبيح، وبالتالي أعتقد أننا يجب أن نعمل على هذا الجانب، على جانب ما يسمى القوة الناعمة ولدينا قوة ناعمة جدا لكنها غير مستخدمة، لدينا 160 ألف طالب سعودي في أمريكا فقط، وبالتالي يفترض أن نستثمر القوة الناعمة هذه لدى الرأي العام والصحافة. لكن يوجد رأي يقول إن الولايات المتحدة تنظر إلى المملكة كحليف تكتيكي، وإيران حليف استراتيجي على المدى البعيد؟ الغرب إذا فتح ملفات إيران سيدرك أنه لا ينفع أن تكون حليفا استراتيجيا في ظل الوضع الحالي في إيران، شخصيا رصدت أكثر من 58 عملية قامت بها إيران في المنطقة والعالم، هناك أكثر من 30 عملية إرهابية استهدفت الدبلوماسيين داخل إيران وخارجها. وللتعرف على الحالة الإيرانية أكثر، اليوم أعلن (الأربعاء 11 مايو) فقط عن مقتل خمسة جنود إيرانيين في سورية، وخلال أسبوع قتل وأصيب أكثر من 50 إيرانيا من الجيش النظامي الإيراني ممن يسمون النخبة، وممن يسمون أصحاب القبعات الخضراء في خان طومار في سورية .. هذا ماذا يقدم؟ .. يقدم أن إيران تدعم الإرهاب شئنا أم أبينا، فهي واضحة كل الوضوح، وهناك ترابط كبير بين الإرهاب والنظام السياسي في إيران، فالقاعدة عاشت في إيران واستضافت قيادات القاعدة وهذه موثقة بشواهد وأدلة من الأشخاص الذين استضافتهم، وبالتالي فإذا الغرب اعتقد أن التحالف مع دولة تدعم الإرهاب هو تحالف استراتيجي فعلى العالم السلام. الأمن الإيراني يعتدي على إحدى المتظاهرات في حركة الخضر عام 2009."الاقتصادية" ألا تعتقد أن نظرتنا فيها شيء من الوردية، فالعالم والولايات المتحدة يعلمون دور إيران في دعم الإرهاب، والدليل الوثائق التي تحدثت في الآونة الأخيرة عن أحد الاجتماعات الأمنية الأمريكية ــــ الإيرانية للتنسيق حول مطلوبين من القاعدة، بمعنى أنهم يعرفون دور إيران في دعم الإرهاب وإيواء إرهابيين؟ نعم ولكن التحالف الاستراتيجي لن يقوم على الجانب الأمني فقط، أنت تتحدث عن أن 25 في المائة من الطاقة تخرج من المنطقة من دول الخليج العربي، وحجم استثمارات السعودية والخليجية في أمريكا والغرب. العمالة الوافدة إلى المملكة من بينهم مختصون وموظفون من أمريكا .. ففي السعودية أكثر من 100 جنسية. والثبات السياسي في دول الخليج مقارنة بالمشاكل في إيران، فبعض المناطق فيها الخطر الأمني عال مثل الأهواز وكوردستان، هذه مناطق ملتهبة والإعلام لا يغطيها بشكل جيد. وأنت تبحث عن ماذا؟ كيف تقيم تحالفا استراتيجيا مع دولة تحجب كل وسائل التواصل "تويتر، فيسبوك، جوجل، يوتيوب"؟ تمنع الستلايت عن المواطنين، والحريات مقموعة في إيران، فهل الغرب يبحث عن حليف قوي لا يستخدم الفوتوشوب .. أعتقد هذه رسالة واضحة، حتى عند الغربيين أنفسهم عندما تحدثوا عن الفوتوشوب الذي يستخدم في المناورات، إيران هالة إعلامية كبيرة من النهاية استطاعت أن تسوق لنفسها بشكل كبير إعلاميا وتوجد لدينا نحن أيضا حربا نفسية داخل إعلامنا العربي والخليجي ليس من خلال اختراقات ولكن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، هناك رسائل ونشرات تم بثها في وسائل التواصل الاجتماعي لإيجاد مسافة بين صانع القرار والشعب، فدائما يركزون على المشاكل، فيحاولون إيجاد مشكلة وحالة تذمر داخل المجتمعات، وهذه مرصودة وواضحة. وأنا شخصيا رصدت رسائلهم من بعض الأشخاص الذين يبثون رسائل باللغة العربية لكن ضعف لغتهم، كونهم يتحدثون الفارسية، يخذلهم ويكشفهم، وقد لاحظت أنهم لا يغردون إلا في أوقات معينة. وفق تحليلاتكم، إلى أي درجة تتناغم السياسة الخارجية الإيرانية تجاه السعودية مع واقع الحال لدى المواطن الإيراني العادي؟ بمعنى هل هناك تأييد واضح وملموس للسياسة الإيرانية ضد السعودية في الشارع الإيراني أم أن وسائل الإعلام هناك تحاول رسم صورة تضليلية للواقع هناك؟ المواطن الإيراني في عام 2009، هتف: "لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران" وأحرق صور خامنئي فيما يسمى حركة الخضر، لأن المواطن الإيراني يرى أن أمواله تذهب للخارج وسواء تم رفع العقوبات أو لم ترفع سواء ارتفع سعر النفط أو هبط الحال سيان بالنسبة للمجتمع الإيراني لأنه لا يستطيع أن يرى الفرق بين هذه الحالة وتلك بسبب أن النظام السياسي يوجه الأموال للخارج، ومن يرصد تعليقات بعض الإيرانيين في مواقع الصحف يجد حالة من التذمر، لكن لا يستطيع الشعب أن يتحرك خشية البطش، تجربة 2009، علمته كثيرا فإذا لم يكن قادرا في حركته على إسقاط النظام فلن يتحرك. إذا هل الشعب الإيراني يتوافق بشكل كامل مع التوجهات السياسية الإيرانية؟ 80 في المائة لا، ربما توجد نزعة قومية، والنظام السياسي يلعب على هذه بشكل جيد خاصة تجاه المملكة، والشعب الإيراني شعب واع، وسيدرك في النهاية أن هذه لعبة يلعبها النظام لن تقوده إلى فائدة، يعني مصير الشعب الإيراني أن يتعايش مع دول المنطقة والجوار خاصة أن وجود الحرمين الشريفين في السعودية، والمملكة كانت واضحة في هذا الأمر فمن أول يوم قطعت فيه العلاقات، قالت سنسمح للحجاج الإيرانيين بالحج في الوقت الذي أعلن النظام داخليا غير ذلك، لتشويه صورة المملكة، لذلك نحن في حاجة ماسة من وزارتي الخارجية والإعلام إلى إبراز توضيح للحاج والمواطن الإيراني أن ما يقوله النظام الإيراني حول الحج والعمرة غير صحيح، وأنكم مرحب بكم لكن وفق الترتيبات التي وضعناها، خاصة أنه لا توجد علاقات وخطوط طيران مباشرة بين السعودية وإيران، أعتقد أننا في حاجة إلى إبراز هذه الرسالة إلى المواطن الإيراني لمحو الصورة السلبية التي يوجدها النظام ضد المملكة قيادة وشعبا. باختصار يا دكتور محمد، هل المواطن الإيراني ينظر إلى المواطن السعودي كعدو؟ دوما الشعوب لا تنظر بهذه الصورة، فأنا لا أنظر إلى المواطن الإيراني على أنه عدو لي. لكن ما يلحظ خلال مواسم الحج نظرة العداء تجاه كل ما هو سعودي، وفي المقابل نشأت لدى البعض في مجتمعنا النظرة نفسها؟ لا شك أن الشرائح الاجتماعية متعددة لذا لا يمكن التعميم، والمواطن السعودي ليس لديه اتجاه عدائي مع الإيراني، لأن المواطن الإيراني يعاني النظام الإيراني ـــ كما أعاني أنا فيما يتعلق بالصورة النمطية. هناك صورة نمطية للمواطن السعودي تجاه المواطن الإيراني والعكس، لكن لا تستطيع أن تعممها بأنها حالة عداء شاملة. لكن هناك توجه دولة لدى إيران، حتى الحاج الإيراني تعقد له دورة قبل أن يأتي يشحن ويغذى بصور نمطية سلبية عن المملكة العربية السعودية، وعن المجتمع السعودي حتى لا يقارن بين الإيجابيات والسلبيات هنا وهناك، فيعود بمردود سلبي عن النظام الإيراني، كما يغذون لديهم أن هؤلاء أجهزة استخبارات لا تتحدثون إليهم لا تتحدثون إلى أي سعودي، لكن من يعايش الإيرانيين حتى في الغرب لا يجد هناك إشكالية إطلاقا في العلاقة الإنسانية بيني وبين المواطن الإيراني. أين وصلت إيران اليوم، وماذا استفاد الخليجيون من الاتفاق النووي الإيراني ـــ الغربي؟ الغرب له قراءات معينة في الاتفاق وتوجهات، وإيران لها قراءات معينة، فالنظام مستمر في سياسة الهروب إلى الأمام، ما زال يشغل الداخل بقضايا خارجية، أشغله بالاتفاق النووي لمدة 12 عاما (2004 ــــ 2016) حتى حصلت إيران على بعض أموالها المتجمدة، فقد صرح كيري (الحوار أجرى في 11 مايو) بأن إيران حصلت على ثلاثة مليارات دولار من الأموال المجمدة، بمعنى أن قضية الـ 100 مليار دولار التي يدعيها النظام الإيراني لإشغال الداخل غير دقيقة وفقا لتصريح جون كيري. إيران تحتاج إلى أن تتنفس، ولديها مشكلة سياسية في الداخل، وتحتاج إلى أن تتنفس عبر تلك الاتفاقيات، الآن موضوع الاتفاق النووي أوشك أن ينتهي، ثم تنتقل إلى مشروع تجارب الصواريخ الباليستية، التي أصبحت العناوين الرئيسية للصحف ووسائل الإعلام. دائما سياسة إيران، تعتمد الهروب من مشاكل الداخل، وكذلك محاولات لإطالة عمر النظام الإيراني الحالي، خاصة بسبب التذمر في الداخل .. بخصوص الشق الثاني من السؤال، هل دول الخليج مستفيدة من الاتفاق النووي؟ .. السعودية ودول الخليج أعلنت إذا كان الاتفاق النووي المعلن هو ذاته الذي كان تحت الطاولة بمعنى أنه يضمن عدم ووصول إيران إلى السلاح النووي فهذا لا شك إيجابي بالنسبة لها لحماية أمنها القومي والوطني، وكذلك لعدم انطلاق شرارة التسلح في المنطقة تستطيع إيران أن تستفيد من اتفاق النووي مع دول الخليج إذا حسّنت علاقتها معهم، وعادت المياه إلى مجاريها، خاصة أنها ستكون منطقة مفتوحة على الجانب الاقتصادي، فإيران ليست لها حدود مع أمريكا ولا بريطانيا ولا مع دول الاتحاد الأوروبي، حدودها مع هذه الدول التي علاقتها متوترة معها، فالأفضل لإيران أن تحسّن علاقتها معها. هي كانت تعتقد أنها عندما تحسّن علاقتها مع الغرب، فإن دول المنطقة ستأتي تباعا، وهذه قراءات خاطئة وإيران تدرك أنها قراءات خاطئة، فالمنطقة المجاورة والمحيطة جغرافيا بها هي الأهم وليس البعيد، فلا تستطيع أن تتحرك بشكل سلس أو تنفتح على العالم وعلاقاتك متوترة مع كل من حولك من الجيران. إحدى الدراسات المنشورة في موقعكم الإيراني تحدثت عن أن إيران من ضمن أقوى الدول إلكترونيا، هل تسهم مثل هذه الدراسات في تضخيمهم؟ يجب ألا نقول إن إيران قوة عظمى، أو نقلل منها، لا بد أن نقيس الوضع كما هي عليه، حتى نقدم صورة حقيقية ودراسة حقيقية، مثل هذه الدراسية التي تحدثت أنت عنها، ليست عبثا، نحن نبني معلوماتنا على مصادر موثقة، كل معلومة بمصدرها في الهامش، وبالتالي نفترض أننا نقدم الصورة الحقيقية دون إفراط أو تفريط. قبل فترة أعلنت جامعة الملك سعود إيقاف التخصص الذي درسته اللغة الفارسية، هل من المنطق إيقاف تدريس هذا النوع من التخصصات؟ لقد تواصلت مع الزملاء في الكلية وأوضحوا أنه ليس إيقافا وإنما تعليق لفترة بسيطة ربما فصل دراسي (ترم واحد)، ومن هذا العام أو العام المقبل سيبدأ مجددا، هم كان لديهم توجس، الموضوع مالي بحت، فعدد الكوادر الموجودة لا يتناسب مع عدد الطلاب الملتحقين بالقسم، وأعتقد أنه ليس منطقيا لحد كبير لأن هذا التخصص مهم إلى جانب بعض اللغات الأخرى المهمة جدا يجب أن ننظر إلى الكيف وليس الكم، فعندما يتقدم مجموعة ولو عشرة أو 20 في القسم الفارسي أو الصيني أو الألماني أو العبري أمر مهم، ويجب أن نهتم بهم، لكن أيضا الجامعة دورها تأهيلي فقط يفترض أن يكون هناك اهتمام بهؤلاء الطلاب من الجهات الحكومية والأهلية الخاصة التي تريد أن تستقطب هؤلاء حتى يستطيع الشاب أن يستمر في التخصص ولا يتسرب من القسم ويدرك أن هناك حاجة إليه في سوق العمل، وربما يفترض أن بعض الجهات الحكومية وهذه وجهة نظري الخاصة قلتها أكثر من مرة، إنه يفترض أن تقوم الجهات المهتمة بمَن يتخرج من هذه اللغات بزيارة القسم أو كلية اللغات والترجمة ويتعاقد من منتصف المرحلة مثلا الرابع والخامس مع هؤلاء الطلاب حتى يكون الطالب مرتاحا من قضية البحث عن عمل ويجد لأن أمامه تحديا وظيفيا عندما يتخرج، أعتقد أنه استثمار غير خاسر إطلاقا ومربح للجهة التي تتعاقد معه وللشاب الذي لا يترك تخصصه، وبالتالي يعود النفع بشكل عام بفائدة كبرى على الوطن بوجود مثل هذه الكوادر. سؤال أخيرا، لماذا درست اللغة الفارسية؟ وما ذكرياتك من أيام الدراسة في إيران؟ كثير ما يطرح هذا السؤال، والإجابة دائما هي بسبب أحد معلميّ في المرحلة الثانوية عندما ندرس في مادة الأدب الملاحم الأدبية العالمية وكان من بينها ملحمة الشاهنامه لأبي القاسم الفردوسي سرد فيها تاريخ إيران الأسطوري وشبه الأسطوري والحقيقي منذ القدم إلى الفتح الإسلامي. قال المعلم إن إيران دولة جارة ولكن لا يوجد لدينا متخصصون في لغتهم وتاريخهم وثقافتهم ... إلخ. عندما تقدمت لجامعة الملك سعود في عام 1417هـ، كان من بين الخيارات قسم اللغة الفارسية في كلية اللغات والترجمة التي أسست حديثا آنذاك وانفصلت عن كلية الآداب. تذكرت ما قاله المعلم وقلت سأجرب لمدة «ترم». استمررت في التخصص وتخرجت بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، ولله الحمد. ثم أكملت الطريق للدراسات العليا في إيران ثم هولندا حتى حصلت، بفضل الله، على درجة الدكتوراه في تخصص الدراسات الإيرانية.
مشاركة :