عن المجاهدين العرب و»المجاهدين» الأوربيين! | شريف قنديل

  • 1/18/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لست أدري على وجه الدقة هل كان من يجري خلف السيارة التي أقلتني بالأمر المباشر من الرئيس الأفغاني السابق برهان الدين رباني من بيشاور في باكستان إلى جلال آباد في أفغانستان هو السوداني العائد من جوانتانامو محمد نور عثمان أم لا؟ لقد راح نور يركض خلف السيارة طالباً الركوب معنا لمسألة صغيرة ينتظره فيها أحد "المجاهدين". ورغم أن السائق الذي هو الحارس المدجج بالرشاش هو سوداني أيضاً فقد رفض الانصياع لنور والاستجابة لرجائه المتكرر بوجه ضاحك وصدر منشرح بالأمل!! تذكرت ذلك وأنا أحملق في صورة محمد نور عثمان الذي عاد من معتقل جوانتانامو قبل أيام بصحبة زميله أو رفيق دربه ابراهيم عثمان إدريس! أيامها كان نور لا يتجاوز الخامسة والعشرين وهو الآن في الخمسين التي قضى نحو ربعها في جوانتانامو والربع الآخر بين بيشاور وجلال آباد قبل أن يعود إلى الخرطوم؟! لماذا سافر نور وابراهيم وغيرهما من مئات بل آلاف المجاهدين العرب.. ولماذا وكيف عادوا ومن الذي يستقبلهم الآن؟! أسئلة كثيرة تعود من جديد لتطرح نفسها، ونحن نطالع كل يوم أخبار القاعدة في كل مكان وأخبار"داعش" في العراق وسوريا ولبنان! على أن قصتي مع المجاهدين العرب بدأت بالسوداني نور، وانتهت بسوداني آخر اسمه بالفعل ابراهيم.. هل هو ابراهيم الذي عاد أم أن الآخر قضي في غارة من الغارات أو فوق لغم من الألغام، التي كم عبر بي فوقها وصولاً إلى كابول! كانت الأوامر قد صدرت لإبراهيم بنقلي من جلال آباد إلى كابول ضمن موكب الرئيس رباني! والحق أنني أتعبتهم كثيراً بحيادي الواضح في هذه الأثناء.. والذي حدث أنني سافرت من جدة بتنسيق مع مجموعة حكمتيار، فلما وصلتُ بيشاور تعرفت على مجموعة عبدرب الرسول سياف، وتم الاتفاق على إجراء حوار معه في جبال جلال آباد، وهو ما حدث بالفعل.. لكن الشيخ مع إلحاحي على دخول كابول يوم فتحها وافق على انضمامي لموكب رباني الأسهل والأكثر أفقاً وعلماً ودراية بخريطة الألغام المتعددة في الطريق من جلال آباد إلى كابول، وهو ما حدث بالفعل.. التقينا مع الموكب في المسافة بين المدينتين، وعانقت الشيخ رباني مهللاً ومكبراً، وأجريت حواراً شهيراً معه داخل سيارته، قبل أن ينطلق بي ابراهيم السائق الحارس الذي أصبح أكثر من صديق بحكم الطريق الواحد والحلم الواحد حينها!! أسرع ابراهيم متجاوزاً الموكب فيما يلحق به سائقون آخرون يعرفون درايته بخريطة الألغام.. لكن ابراهيم كان يسرع لشيء آخر، فعلى الطريق وفي الجبال القريبة منه تسكن زوجته التي تنتظره وتنتظر مولوداً جديداً، وحين وصلنا كانت الجارة الأفغانية تطلب من إبراهيم الإسراع بإحضار ماء ساخن!! وهو الأمر الذي دفع إبراهيم لإنزالي للجلوس على "مصطبة" خارج المنزل ريثما يعود بالماء الساخن.. وقبل أن يعود كانت السيدة الأفغانية تُبسمل وتُكبِّر وهي تعلن وصول "محمد"! عدنا سريعاً للموكب وكان ما كان ووصلنا إلى مداخل كابول وبدأت وقائع عرس الدم!! وأعود فاسأل بعد كل هذا المشوار الطويل: ما الذي يقوله نور وإبراهيم ومئات آخرون عادوا من جوانتانامو وآلاف آخرون عادوا من أفغانستان؟! هل يشعرون بضياع زهرة شبابهم وهم يعودون وقد انحنت ظهورهم من هول الصدمة؟! على أن مأساة العائدين من جوانتانامو تظل هي الأكبر بكل المقاييس فقد تعرّض هؤلاء لأبشع ما يمكن أن يتعرض له إنسان من تعذيب جسدي ونفسي باتت أمريكا نفسها تخجل منه كلما جاء ذكره! ولأن ذلك كذلك تسعى أمريكا حالياً ليس لإغلاق المعتقل الواقع في شرق كوبا والتي طفحت سيرته الكريهة لتعم الدنيا، وإنما لإغلاق الملف كله! بالأمس فقط، قرأت تصريحاً لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري ينفي فيه أي اتصال بين الأجهزة الأمنية الأوروبية وبين بشار الأسد بشأن تزويدهم بأسماء "الجهاديين" الأوروبيين الذين انضموا إلى الجماعات المسلحة في سوريا وعددهم "1200 جهادي"! وصنفت الاستخبارات الأوروبية هؤلاء ما بين 200- 400 شخص من فرنسا، و200 من ألمانيا ومن 200- إلى 300 من بريطانيا، ومن 100 إلى 300 من بلجيكا، و95 من إسبانيا، و80 من الدنمارك، و60 من البوسنة، و57 من النمسا، و50 إلى 100 من هولندا، و45 -50 من إيطاليا، ومن 30 -40 من النرويج، ومن 30- 40 من السويد، و20 من فنلندا! ولأن نفي كيري لم يكن عن الأعداد والجنسيات، وإنما عن التعاون مع بشار في هذا المجال، فإن الثابت المؤكد أن تلاميذ المجاهدين العرب يملأون أوروبا نفسها، فما بالنا بتلاميذهم في بلاد العرب؟! من الذي تركهم يفرخون وينمون كل هذا النمو ولمصلحة من؟! وحدها السعودية التي تعاملت مع الموقف بحرفية وإنسانية في الوقت ذاته، وجاءت عملية المناصحة سبقاً أمنياً غير مسبوق في العالم، حيث يتم استقبال العائدين بكل أدب واحترام حقيقيين "لا إعلاميين"، ويتم معاملة أسرهم بل وقبائلهم التي ينتمون إليها بكل احترام واهتمام باعتبار أن المشكلة مشكلة الطرفين ولا بد من حلها.. في المقابل وفي دول أخرى، يرتع العائدون وتلاميذهم انتقاماً من كل قِيَم الغدر التي تعرّضوا لها، والتي حوّلتهم من مجاهدين مُرحَّب بهم ومحتفى ببطولاتهم أيام الغزو السوفيتي لأفغانستان إلى إرهابيين ومجرمي حرب وتجار سلاح! ويبقى السؤال: من الذي حولهم؟ ولصالح من؟ ولماذا يتم استخدامهم بهذه الطريقة البشعة لتفجير وتلغيم الأوطان؟! والأهم من ذلك لماذا اقتصر دورهم الآن على قلب كل المعادلات السياسية في الدول العربية؟! وقبل هذا وبعده.. هل كنا بحاجة لمجاهدين أوروبيين، ونحن نُفرِّخ عن جهل أحياناً، وعن عمد أحياناً أخرى، مجاهدين لا علاقة لهم بالجهاد ضد إسرائيل؟! sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :