النجوم.. صناعة «صينية»

  • 5/20/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

استمع تبالغ بانتقاد الظواهر الإعلامية، كأنك إنسان منزّه، خالٍ من العيوب، ينادي بالفضائل والقيم طوال الوقت ولا يعجبه العجب. هكذا تحاسب نفسك بين الحين والآخر، وتأمرها بتبرئة الإعلام مما ينسب إليه، فالمجتمع هو المذنب، والجمهور اللي عايز كده هو من جرف الإعلام إلى مناطق الانحدار، فانزلق رغماً عنه، وصار يعرض ما يناسب الذوق العام. لكن الهدنة هذه لا تدوم، ورغماً عنك تعود إلى ما كنت عليه لأن الأشياء التي تستفزك كثيرة، تقفز أمامك على الشاشة كأنها تعيدك إلى نقطة البداية. لقطة تعيد الشريط إلى الوراء، حين يستضيف أحد المذيعين على إحدى القنوات المصرية شعبان عبدالرحيم، فيتحدث بعفويته المعهودة قائلاً إن كل أولاده يتعاطون المخدرات، وإنه توقف عن تعاطيها منذ نحو ست سنوات بسبب تدهور صحته. هنا تصاب بالذهول وتسأل، وبأعلى صوت: من صنع من شعبان نجماً؟ ومن المسؤول عن كلام هذا النجم؟ بالفطرة يتحدث، وبقلة وعي وإحساس بالمسؤولية وخطورة ما يقوله وتأثيره في المشاهدين، يبرر توقفه عن التعاطي بسوء أحواله الصحية لا بالندم، أو بدافع الوعي بمخاطر ومساوئ المخدرات. لا نلوم شعبان، بل من صنع منه نجماً، وزاد الطين بلّة بجعله ممثلاً أيضاً. وتكرّ سبحة التساؤلات: من السبب الحقيقي في انهيار الإعلام المرئي وحالة الفوضى وخلط المسميات والشخصيات والأوراق؟ من صنع من هؤلاء المذيعين نجوماً، ومن صنع من النجوم مذيعين، ومن صنع من الناس العاديين جداً نجوماً؟ لا ذنب لشعبان عبد الرحيم في المستوى الثقافي والوعي الاجتماعي المحدود لديه، بل هو ذنب من صنع منه شخصية عامة مشهورة، وجعل من كثيرين غيره مشاهير تلقي الشاشة عليهم الأضواء، وتفرد لهم المساحات ليتحدثوا عن إنجازاتهم، ويدلوا بآرائهم في شؤون سياسية واجتماعية وتربوية.. والأمر لم يقتصر على البرامج، بل جاءت الدراما لتصب الزيت على النار، وتقدم لنا البلطجية، وتجار المخدرات، والقتلة، وأبناء الشوارع على إنهم أبطال، يرافقوننا 30 ليلة أو أكثر، ويجبرون المشاهدين على التعاطف مع البطل المسكين، الذي اضطرته ظروفه أن يكون بلطجياً ويشتم أكثر مما يتحدث بكلام عادي أو مقبول، تخلو كل تصرفاته من كل القيود والأعراف الاجتماعية، يأكل بنهم، يستخدم الألفاظ والعبارات السوقية نفسها في حالتي الشتم والغضب، وعندما يمازح أصدقاءه ويتغزل بحبيبته! هل أحمد آدم هو الشخص المناسب لتقديم برنامج سياسي ساخر؟ من أين له أن يدخل في صميم علاقات الدول، ويستفز شعباً بالسخرية من جراحه؟ من يحاسب اليوم طوني خليفة بعد اعترافه بأنه كان يتعمد نبش الفضائح للفنانين، واستفزازهم من أجل الحصول على جماهيرية، بينما اليوم صار نجماً ولم يعد يحتاج إلى مثل هذه الألاعيب لجذب الجمهور، لذلك فهو نادم؟ ماذا نفعل بندمه وهو من أوائل من روجوا لهذه النوعية من البرامج، وصارت موضة لم ينته زمنها بعد؟ من تاجر ببعض الأسماء، وجعل من حسناوات الشكل ممثلات ومقدمات برامج، وهن لا يجدن ألف باء التمثيل أو التقديم، وهدفه كان إغراء المشاهد وكسب أرقام من المشاهدة بغض النظر عن المستوى الرديء الذي يقدمه، سواء في الدراما أو في البرامج؟ إذا أردنا تصحيح مسار الإعلام العربي، علينا أن نعترف ونسمي الحقائق بأسمائها. علينا أن نرى أن الإعلام المرئي، أو بالأحرى الفضائيات العربية هي المسؤولة عن فبركة النجوم تماماً، كما تُفبرك البضاعة الصينية المقلدة، تغرق السوق بكميات ضخمة من البضاعة المصنوعة بعناية لتبهرك فتشتريها، ثم ما تلبث أن تتعطل وتتفكك ولا تعود صالحة إلا للمهملات. شاشات فبركت مذيعين، وفبركت مغنين وممثلين، ولم تعط لكل ذي حق حقه، وسحبت البساط من تحت أقدام أهل الاختصاص، لتجعل أي عابر سبيل مشهوراً. مارلين سلوم marlynsalloum@gmail.com

مشاركة :