يستذكر رجال زمن اللؤلؤ مع بداية كل صيف تاريخاً تمجده دولة الإمارات، ولايزال تاريخ هؤلاء الرجال يفوح من جنبات مجالسهم، فيروون في مثل هذا الوقت من كل عام ذكرى تجهيز المحمل سفينة الغوص، لرحلة لا تخلو من المصاعب والأخطار، ثم يستحضرون الدشة وبطولات الغوص ومواجهة دوار البحر وتقلباته، والرياح التي يتعرضون لها، وروايات سهر الليل أثناء فلق المحار، وقصص العثور على اللآلئ وطرق بيع الدانات بأغلى الأسعار. المواطن علي بن مطر الشامسي، من رجال الغوص، يتذكر زمن الرجال السمر الأشداء الذين لا تمنعهم صولة البحر والحرمان فيه شهوراً طويلة إبحاراً وغوصاً عن تذكر أهلهم والنهام يتغنى بأشواقهم وحنينهم. دبي وفقاً لأحدث إحصاءات جمارك دبي، فإن تجارة اللؤلؤ والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة والحلي والمصوغات المعدنية تصدرت تجارة دبي الخارجية المباشرة خلال النصف الأول من 2015، مسجلة 138.9 مليار درهم، بما يعادل 34.1% من الإجمالي البالغ 407 مليارات درهم. وبلغت واردات دبي من اللؤلؤ والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة 77.3 مليار درهم، ووصلت قيمة صادراتها إلى 28.8 مليار درهم، فيما بلغت إعادة تصديرها نحو 32.78 مليار درهم. وأطلقت دبي مشروع لآلئ دبي، الذي بات بمثابة مجمع متكامل يضم مزرعة وأكاديمية تعليمية وسوقاً لبيع اللؤلؤ، إضافة الى متحف حول الأساطير والحكايات التي تتعلق باللؤلؤ، والرحلات البحرية في المنطقة التي توضح إرث الإمارات التاريخي. ويقول الشامسي: في مثل هذا الوقت من كل عام نستذكر أياماً مضت قبل نحو 70 عاماً أو أكثر، أيام الغوص على اللؤلؤ، أيام التعب والشقاء والعوز والمعاناة، لكن الآن عندما نتحدث عنها نشعر بأنها ذكرى جميلة في حياتنا، لأن الله سبحانه وتعالى امتن علينا بالقائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وبحكمته وكرمه الأصيل حول تعبنا وعوزنا إلى راحة وسعادة أنستنا أيام الغوص والتعب والكد، ومن شدة راحتنا وسعادتنا نرى الآن تلك الأيام ذكرى جميلة. ويضيف: جل أهل الإمارات كانوا يعملون في مهنة الغوص أو تجارة اللؤلؤ حتى الحرب العالمية الثانية، وهي مهنة أخذها ذلك الجيل مصدراً للرزق خلال القرون الماضية، إلا أنها انتهت تقريباً في منتصف القرن الـ20 مع ظهور النفط في المنطقة، وبدء تجارة اللؤلؤ الصناعي الياباني. واعتادت دولة الإمارات بفضل القيادة الرشيدة تحقيق الأحلام والآمال، وجعلها واقعاً يؤازرها شعب الإمارات، وأصبح الطموح بلا حدود، وطال التطور والحداثة كل شيء، فلم تكن مياه البحر الزرقاء استثناء من ذلك، فبدأ المواطن عبدالله راشد السويدي (مطور وباحث في ثقافة اللؤلؤ) عام 2004 في إنتاج اللؤلؤ المستزرع للمرة الأولى على مستوى المنطقة، وبدأ بريق اللؤلؤ يضيء مياه الإمارات بعد توقف دام أكثر من 80 عاماً لأقدم مهنة اشتهرت بها منطقة الخليج. ويقول السويدي بعد أن أصبح الغوص على اللؤلؤ أثراً بعد عين في الإمارات، وخوفاً من تلاشي القيمة التاريخية للؤلؤ وذكرياته الجميلة، ولأن مواصفات مياه الخليج تحسن الإنتاج.. كل ذلك كان كافياً لتحريك الفكرة في ذهني وتطويرها، ومن ثم إنشاء أول وأكبر مزرعة لإنتاج اللؤلؤ في مياه الخليج العربي. وحول الفرق بين اللؤلؤ الطبيعي والمستزرع والصناعي من خلال تجربته، يضيف قديماً كان الغاصة عندما يفلقون 100 محارة يحصلون تقريباً على لؤلؤة واحدة، ومن الـ1000 يحصلون على 10 لآلئ، لكن من تجربتنا إذا استزرعنا 1000 محارة فإن نسبة النجاح لا تقل عن 60% ولا تتجاوز 85%، وبناء عليه فإن كل 1000 محارة يتم زراعتها نحصل منها على 600 - 850 محارة منتجة. ومن أجل تطوير مهاراته ورفع جودة اللؤلؤ المستزرع، يؤكد السويدي أنه يتعاون مع مختبر بلدية دبي للأحجار الكريمة، ومختبر اللؤلؤ في البحرين، والمعهد السويسري للأحجار الكريمة، مثمناً أداء بورصة دبي للؤلؤ، مؤكداً أنها نظمت عدداً كبيراً من مزادات اللؤلؤ العالمية، وشهد نشاطها زيادة مطردة في تداول اللؤلؤ خلال السنوات العشر الماضية. ولأن الإمارات تختصر الوقت وتسابق الزمن، نجحت دبي في إحياء تجارة اللؤلؤ عندما أطلق مركز دبي للسلع المتعددة بداية عام 2007 بورصة دبي للؤلؤ، كمنصة حصرية لتداول اللؤلؤ في إطار جهوده الرامية إلى توسيع قطاع السلع الثمينة لديه وإحياء المكانة التاريخية للإمارات كوجهة رائدة في مجال تجارة وغوص اللؤلؤ. وتحاول دبي معتمدة على دورها مركزاً عالمياً للمال والأعمال إحياء تجارة اللؤلؤ الذي اندثر صيده في منطقة الخليج منذ خمسينات القرن الماضي نتيجة تغير مسار الاتجار به وظهور مزارع اصطناعية في اليابان، وانتشارها في أنحاء العالم. وتسعى دبي إلى تنشيط هذه التجارة التي يبلغ حجمها حول العالم 146 بليون دولار يعتمد معظمها على اللؤلؤ الاصطناعي، ويتداول ما تبقى من اللؤلؤ الطبيعي من خلال مزادات عالمية وبأسعار مرتفعة. وبعد مرور عام على إنشاء بورصة دبي للؤلؤ أعلنت نمو تجارة اللؤلؤ في دبي بمعدل أربعة أضعاف خلال عام 2008، لتبلغ أكثر من 95 مليون درهم ارتفاعاً من 22 مليون درهم في عام 2007.
مشاركة :