نمنا يوم الخميس الماضي على فاجعة اختفاء الطائرة المصرية من على أجهزة الرادار، وهي في طريقها من باريس إلى القاهرة، وعلى متنها 66 شخصاً، ولم يُعرَف حتى ساعة كتابة هذا المقال سبب تحطمها، وصحونا يوم الجمعة على خبر إخلاء السلطات الفرنسية، جانباً من مطار شارل ديغول، الذي أقلعت منه الطائرة المصرية المنكوبة في باريس، إثر العثور على طرد مشبوه، بعد أن شوهدت شرطة المطار، وهي تخلي منطقة المطاعم في المطار، وتستعين بالكلاب البوليسية المدربة على رصد المتفجرات، ليتواصل مسلسل الخوف، الذي أصبح ينتشر في مطارات العالم، ويلقي بالفزع في قلوب المسافرين والعاملين في المطارات. إنه الرعب إذن، ذلك الذي يسيطر على المسؤولين عن أمن المطارات، ويضع المسافرين بين خيار الامتناع عن السفر بالطائرات، وخيار تسليم أمرهم لله تعالى وأقدارهم، ثم وضع حياتهم ومصائرهم بين أيدي المسؤولين عن أمن المطارات، وشركات الطيران التي ما زالت تصر على أن الطائرات أكثر وسائل السفر أماناً، وتقدم من الإحصاءات والأرقام ما يؤيد وجهة نظرها هذه، وهي إحصاءات وأرقام ربما تقنع البعض، لكنها تصبح غير مقنعة، عندما يتعلق الأمر بالإرهاب، فيكون هو السبب في سقوط الطائرات أو إسقاطها. ونتساءل: لماذا يختار الإرهابيون المطارات والطائرات هدفاً لعملياتهم؟ هل لأن المطارات عادة ما يتردد عليها أناس من جنسيات مختلفة، فتشمل الفاجعة بذلك أكبر عدد من الدول؟، وهل لأن الطائرات تحمل عادة عدداً كبيراً من الركاب، فيضمن الإرهابيون بذلك قتل عدد أكبر من البشر؟، أم لأن استهداف الطائرات ينال من هيبة الدول المالكة لها، ومن هيبة الدول التي تقلع الطائرات المستهدفة من مطاراتها، ويسبب لأجهزتها الأمنية الحرج، ويضعها في موقف لا تحسد عليه، كلما وقعت حادثة خطف أو تفجير في أحد مطاراتها؟. أيًّا كان السبب، فقد بدأ مسلسل خطف الطائرات عام 1948، بدوافع مختلفة، كانت المطالب السياسية إحداها، وإن لم تكن الدافع الوحيد، لكن السنوات الأخيرة، جعلت من الإرهاب، الدافع الأول لخطف الطائرات وإسقاطها، وبرز هذا الهدف في هجمات الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، فإلى أي مدى نجح الإرهابيون في تحقيق أهدافهم من خطف الطائرات أو إسقاطها. وإلى أي مدى أخفقوا؟، وما هو نصيبنا نحن العرب والمسلمين من عمليات خطف وإسقاط الطائرات في السنوات الأخيرة؟، وهل أصبحنا فعلاً ظاهرة إرهابية، وهدفاً تتجه إليه أصابع الاتهام، كلما سمع العالم عن خطف طائرة أو سقوطها، حتى لو كان سبب السقوط خللاً فنياً، إلى أن تتضح الحقيقة، وهي غالباً ما تتضح بعد وقت طويل من سقوط الطائرة. فقد حفظنا سيناريوهات حوادث سقوط الطائرات، وأصبحت مشاهد مكررة لفيلم واحد، تختلف فيه وجوه الأبطال وأماكن التصوير، لكن نهايته واحدة، ووجه مرتكب الجناية فيه يحمل شيئاً من ملامحنا، والدين الذي ينتمي إليه، يشبه اسم ديننا، لكنه يختلف كثيراً عن مفهوم الدين الذي ندين به ونعرفه؟. أسئلة تلتقي إجاباتها، لتضع المسؤولية عن هذه الحوادث على عاتق التطرف الذي يؤدي إلى الإرهاب، ولكن من أين يأتي التطرف؟، وكيف يجد له أرضاً خصبة يغرس فيها بذوره؟، وكيف تمتد جذوره لتضرب عميقاً في الأرض؟، وكيف يتحول إلى ظاهرة مقلقة، يمكن أن يقدم أصحابها على فعل أي شيء، بدءاً من خنق عصفور صغير لمجرد أنه يطير عكس اتجاههم. وانتهاءً بإسقاط طائرة تحمل على متنها مئات الأبرياء، لمجرد أنهم لا يحملون فكرهم، ولا ينتمون إلى القاعدة الفكرية التي تنطلق منها عقائدهم التي لا تتفق مع قوانين الحياة، ولا تنتمي إلى الدين الذي يقول، إن كل البشر متساوون في الإنسانية، أحرار في معتقداتهم، لا يمكن إجبارهم على اعتناق دين معين، أو الإيمان بمعتقد محدد. وفي القرآن الكريم والشريعة السمحة من الآيات والنصوص، ما يرسخ حرية الدين والمعتقد، ما يضيق المجال عن ذكره، لكن الذين ينظرون من ثقب الإبرة، لا يرون سوى المساحة الضيقة التي يسمح برؤيتها هذا الثقب الصغير، وبمرور الوقت، تعمى أبصارهم، مثلما هي بصيرتهم عمياء، فيحيط بهم الظلام من كل ناحية، ومن كانت بصيرته عمياء وبصره أعمى، فلا فائدة منه ترجى، ولا خير منه يُنتظَر. من أين يبدأ التطرف، وكيف يكبر ويتسع، حتى يصبح ظاهرة تولِّد إرهاباً يدمر كل ما حوله ومن حوله؟ يبدأ التطرف، عندما يبدأ البعض تحميل الأمور الصغيرة فوق ما تحتمل، ويحولها إلى بدعة وضلالة، تماماً كما تعامل البعض مع عادة اجتماعية جميلة، تربينا عليها منذ الصغر، هي عادة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، فمنذ أن وعينا على الدنيا. ونحن نحتفل بها، مثلما كان يفعل آباؤنا وأجدادنا، حتى أصبحت طقساً اجتماعياً، أكثر منها احتفالاً دينياً، الغرض منها إدخال الفرح والسرور على قلوب الأطفال، وتهيئتهم نفسياً لاقتراب شهر رمضان المبارك، حتى جاء من حولها إلى بدعة وضلالة، يجب الابتعاد عنها، وحرّم هذا الاحتفال الطفولي، بحجة أنه يخالف الشرع والدين!، من هنا يبدأ التطرف، ولا ينتهي عند تفجير سوق أو مقهى، أو إسقاط طائرة تحمل أناساً أبرياء. أيّاً كان سبب سقوط الطائرة المصرية، فإن نبرة الشماتة والتشفي التي ظهرت في تعليقات البعض على هذا الحادث المأساوي، تدل على أن ثقب الإبرة الذي ينظرون منه، أضيق مما نتصور، وهذا يكشف سوآتهم أكثر، ويجعلهم صنفاً آخر لا علاقة له بالبشر.
مشاركة :