ترشيح «سواكن» السودانية لقائمة التراث الإنساني العالمي

  • 7/19/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الخرطوم: محمد سعيد محمد الحسن في السودان مدن كثيرة اشتهرت منذ القدم بمكانها المميز وتاريخها الحافل، وهي مدن شهدت الفتوحات الإسلامية والممالك المتعاقبة والاستقلال المجيد ومرت بسنين يتوارثها جيل بعد جيل وهي شامخة بمجدها وعريقة بتاريخها وعامرة بسكانها وقبائلها، رغم مرور السنين وتقدم وتطور هذه المدن نجد بعضها لا يجد إلا القليل من التطور الذي لا يتوافق مع مكانتها وتاريخها. «سواكن» تلك المدينة العريقة والميناء العامر، والتي تقع في شمال شرقي السودان، على الساحل الغربي للبحر الأحمر على ارتفاع 66 مترا (216.6 قدم) فوق سطح البحر، وتبعد عن العاصمة الخرطوم نحو 642 كيلومترا (398.9 ميل) غربا، وعن مدينة بورسودان 54 كيلومترا (33.5 ميل)، وتضم منطقة أثرية تاريخية، وكانت سابقا ميناء السودان الرئيس. وظلت مدينة «سواكن» تحتفظ بتاريخها وقبائلها ومكانتها وشهرتها، وكانت جزيرة ثم توسعت وأصبحت مدينة، ويقال إن اسمها يرجع إلى عهد النبي سليمان، عليه السلام، حيث يذكر أن النبي سليمان كان يسجن فيها الجن وحرفوا الاسم إلى «سواكن». ولا يعرف تاريخ محدد لتأسيسها، ولكن الشواهد تدل على أن الجزيرة كانت مأهولة منذ قدم التاريخ. واشتهرت «سواكن» بعد ظهور الإسلام، حيث كانت ميناء أفريقيا الأول للحج، وكانت مستقلة عن السودان ولها نظامها الإداري الخاص، وقد تم ضمها إلى ولاية الحجاز العثمانية في عهد السلطان سليم العثماني، وكان حاكمها وقضاؤها يعين من قبل والي الحجاز، وبعد وفاة محمد علي باشا سنة 1849 عادت «سواكن» إلى الدولة العثمانية، وفي عهد الخديو إسماعيل ضمت «سواكن» للسودان (الحكم الإنجليزي المصري) في عام 1869 بعد أن تنازل السلطان العثماني مقابل مبلغ معين دفعه الخديو. اشتهرت «سواكن» قديما بالمباني العالية الثابتة، وكانت قصورها لا مثيل لها في المنطقة، وكانت مدينة التجارة والمال على البحر الأحمر والشرق العربي، وكانت تمون بلاد الحجاز بالحبوب واللحوم والسمن، وقد زارها الكثيرون من الرحالة. وخلال القرن الثامن الميلادي ورد اسم «سواكن» لأول مرة في مؤلفات الرحالة وعلماء الجغرافيا والتاريخ العرب كمدينة مر عبرها بعض أفراد أسرة بني أمية من قبيلة قريش المتجهين إلى مصر هربا من العباسيين بعد مقتل الخليفة الأموي مروان بن محمد سنة 750 ميلادية. فقد ذكر المقريزي في كتاب «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»، أن ثمة «طريقا من النيل إلى (سواكن) وباضع ودهلك وغيرها من جزائر البحر الأحمر نجا منه بنو أمية الهاربون عندما جد أتباع العباسيين في ملاحقتهم». وهذا يعني أن «سواكن» عاصرت كلا من مدينتي باضع وعيذاب خلال فترة امتدت إلى خمسة قرون: من القرن الثامن الميلادي وحتى القرن التاسع عشر الميلادي. وتؤكد مراجع أخرى عربية قديمة أن «سواكن» استقبلت أفواجا من الأسر العربية خلال القرنين التاسع والعاشر والحادي عشر بغرض الاستقرار فيها. ويبدو أنها ظلت ومنذ بداية الهجرات العربية وحتى سنة 1255م قرية صغيرة تقطنها جماعات من الهمج تقوم بنشاط بحري محدود يتمثل في خدمة مرور تجارة لشمال ووسط السودان إلى الأسواق الخارجية. ووفقا للمقريزي وابن سليم الأسواني فإن «سواكن» كانت مرتبطة بمراكز تجميع التجارة على النيل، وكانت تشكل منفذ بحريا للدويلات المسيحية في السودان تمر من خلالها تجارتهم مع العالم الخارجي، وكان يمر عبرها الحجاج المسيحيون في طريقهم إلى الأراضي المقدسة في أورشليم (بيت المقدس) حتى أوائل القرن السادس عشر الميلادي. وطلبت أخيرا الهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية من منظمة اليونيسكو العالمية ضم مدينة «سواكن» الأثرية إلى قائمة المواقع الأثرية الحضارية العالمية باعتبارها من المواقع التاريخية المهمة، حيث نالت شهرتها كميناء منذ فترات الفراعنة وكانت البوابة إلى الهند ومنطقة المحيط الهادي. وقال مدير عام هيئة الآثار السودانية الدكتور عبد الرحمن محمد أحمد لـ«الشرق الأوسط» إنها ظلت على مدى حقب طويلة لها مكانتها المتقدمة منذ عهد البطالة وإلى مملكة الفونج الإسلامية وفترة الحكم البريطاني للسودان ثم فترة المهدية ثم فترة الحكم البريطاني المصري، وقد ورد ذكرها في كتابات الكثير من الرحالة العرب والأجانب عند مرورهم بها فبهرتهم بمعمارها وحيويتها ونشاطها ومنهم القلقشندي الياقوتي في عام 1213 والرحالة ابن بطوطة في عام 1324، حيث وصفها بأنها جزيرة كبيرة وبها صهاريج كبيرة لحفظ مياه الأمطار، وكذلك زارها الرحالة السويسري بورفاردت عام 1813، ويزيد من أهميتها بأنها كانت تمثل طريق الحج الرئيس القادم من غرب أفريقيا، وكانت ميناء رئيسا ومركزا تجاريا، خدم الكثير من بلاد النوبة والقرن الأفريقي ومصر وبلاد غرب أفريقيا. وقالت مصادر تاريخية إن الأساطيل والمراكب في الأزمنة القديمة استخدمت مراسيها. وتزخر مدينة «سواكن» بطراز معماري فريد على النمط الإسلامي، من حيث الشكل العام والقصور والمباني ذات المشربيات والأعمدة والنوافذ والأبواب المقدسة والزجاج الملون والزخارف الإسلامية، حيث تحمل مساجدها طراز المدينة المنورة، ومن مواقعها البارزة مبنى المحافظة، وقصر الشناوي والذي شيد بتصميم هندسي فريد ضم غرفا بعدد أيام السنة، وكذلك المساجد ذات المعمار الإسلامي وبوابة الجنرال غردون وبوابة الجنرال كتشنر ومدرسة «سواكن» الأميرية. وقال مدير عام هيئة الآثار السودانية الدكتور عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن الطلب السوداني بضم مدينة «سواكن» الأثرية لقائمة التراث الإنساني التاريخي استند إلى معايير المنظمة العالمية لليونيسكو، حيث إن المدينة تقع داخل جزيرة مما يجعلها تمثل إحدى عبقريات التصميم المعماري، كما أن «سواكن» تعتبر امتدادا لفترات تاريخية متعاقبة، كما يشكل الطراز المعماري المستخدم النموذج للمدينة الإسلامية، وقد اهتمت دول ومنظمات كثيرة منها اليونيسكو نفسها وبريطانيا وتركيا بإجراء عمليات الترميم لعدد من معالمها، وكذلك بوابتها الرئيسة.

مشاركة :