لم تكن الساعات الأولى، في الساحات والصفوف والممرات، كغيرها من الأيام السابقة، في مدرسة عبيدة الجيل الجديد، حيث الحزن هو عنوان أول يوم دراسي دون عبيدة، الطفل الذي اهتزت لجريمة قتله المروعة، المشاعر والأنفس. فلا وصف لبشاعتها؛ إذ إن القاتل تجاوز أبسط مقومات الإنسانية. وحتى عما قيل إن صداقة كانت تربطه بوالد الطفل، لم يكن لها قيمة عنده أو معنى. عند الدخول إلى المدرسة لا تسمع أصوات أطفال يلعبون في ساحاتها ولا حتى أصواتاً من داخل الصفوف تنم عن تفاعل الطلاب مع معلميهم أثناء شرح الدرس؛ فلا ترى إلا وجوهاً شاحبة، وعقولاً غير مصدقة لما سمعت عن أن عبيدة لن يعود إليهم. تساءل الطلاب إلى أين ذهب عبيدة، وبكوا كثيراً حتى أنهم لم يستطيعوا الحديث، فكان صمتهم أبلغ من أي كلام عند رؤية مقعده فارغاً، فبكى زملاؤه بحرقة، رغم سنهم الصغيرة، وعدم إدراكهم الكامل لما حدث. لم يكن هول الصدمة على زملاء الفتى المغدور فحسب، فقد أجهشت إحدى المعلمات قبل أن تتحدث، وأخذت أنفاساً حزينة لتحكي ألمها. وقالت سنفتقد عبيدة بكل تفاصيل الذكرى معه، فقد كان نشيطاً فصيحاً مجتهداً. معلمة أخرى غلبتها الدموع، عندما بدأت الحديث، فقالت: صعب التخيل أن تخلو المدرسة من عبيدة ونشاطاته، وصعب الاعتياد على عدم الجلوس في مقعده مرة أخرى. في الاجتماع الصباحي، وقفت المدرسة دقيقة صمت حداداً على فقيدها، وارتفعت أكف زملائه ومعلماته، بالدعاء له بالرحمة، والدموع تملأ المآقي. ثم دخلوا الصفوف من الباب الذي وضعت عليه لافتة نعت من خلالها المدرسة فقيدها. إحدى المعلمات قالت إنها لم تنم ليلتها، واعترتها رهبة التفكير. وطالب آخر في الساحة شعر بالبرد رغم حرارة الجو عندما افتقد صديقه عبيدة، ورفض طالب آخر أن يكون له أصدقاء، وقال لمعلمته بحزن أنا لا أريد أصدقاء فصديقي الذي أحبه رحل. حالة الحزن تجاوزت حدود المدرسة، لتصل إلى بيوت أصدقاء عبيدة، وكان وقع الصدمة كبيراً، عندما اتصلت إحدى أمهات الطلاب باكية، وتقول إن طفلها لن يحضر إلى المدرسة، لأنه شعر بالمرض بعد سماع نبأ رحيل عبيدة. مؤمن وحمزة وحمدان وياسين، وكل صديق جلس مع عبيدة ولو لحظات، بدأ يشعر بحجم الخسارة التي لا تعوض لصديق رحل، فخرجت الكلمات من أفواههم تعتصر ألماً حينما قالوا نحن نحب عبيدة وسنشتاق إليه. ورسم أصدقاء عبيدة لوحة صغيرة عبروا من خلالها عن حزنهم على صديقهم الفقيد، وطالبوا بعقوبة القاتل الذي حرمهم صديقهم، حيث رسموا صديقهم عبيدة وهو مكبل ويمسك به الجاني رفقة آخر، ظناً منهم ان من قام بقتله شخصان وليس واحدا، وكتبوا على اللوحة ما بك يا حمدان اخرج سلاحك وأنقذ عبيدة ودافع عنه لماذا لم تقتل القاتل، وهنا أشاروا بالحديث إلى صديقه حمدان كونه هو الصديق الأقرب.
مشاركة :