أسفر التصويت لانتخاب رئيس جديد خلال المؤتمر العاشر لحركة النهضة التونسية، عن تجديد الثقة لراشد الغنوشي، الذي حصل على 800 صوت من بين نحو 1200، مقابل 229 صوتا لفتحي العيادي، الرئيس السابق لمجلس شورى الحركة، فيما حصل القيادي محمد العكروت على 29 صوتا. وطغت صورة الغنوشي، وهو يعانق بعيون دامعة القيادي عبد الحميد الجلاصي، رئيس الحملة الانتخابية لحركة النهضة على معظم وسائل الإعلام المحلية، وتساءل بعضها إن كانت دموع الانتصار على تيار الإصلاح والتغيير، أم دموع الفرح بتحقيق الفوز بعد تهديد الغنوشي سابقا بعدم الترشح للرئاسة. وخلال الساعات الأولى من فجر أمس، دعا الغنوشي عبد الحميد الجلاصي وعبد اللطيف المكي، اللذين يقودان تيار الإصلاح داخل الحزب ويدعوان إلى تقييد سلطات رئيس الحركة وصلاحياته، إلى الالتحاق به إلى المنصة، ورفعوا جميعا أيديهم، في إشارة إلى تحقيق النصر. وثمن الغنوشي في كلمته أمام مؤيديه أعمال المؤتمر العاشر، وقال إن سفينة «النهضة» ينبغي أن تحمل الجميع، وأن تتسع تونس لكل أبنائها، مقرا في ذات الوقت بوجود مشاكل داخل الحركة، وتعهد بإجراء الإصلاحات الضرورية. ولم تتفاجأ الساحة السياسية في تونس بإعادة انتخاب الغنوشي على رأس أهم حزب إسلامي في البلاد، ذلك أن كل المؤشرات كانت تؤدي إلى هذا الاستنتاج، وفي هذا السياق أوضح العجمي الوريمي، القيادي في حركة النهضة، خلال اليوم الأخير من المؤتمر أن المؤتمرين كانوا سيجبرون الغنوشي على البقاء على رأس الحركة إن لزم الأمر، في حال أعرب عن رغبته في عدم الترشح مرة أخرى، مضيفا أن «النهضة» مقتنعة بضرورة بقاء الغنوشي على رأس الحركة في الفترة المقبلة، وأن تونس والنهضة في حاجة للدور الهام الذي يلعبه الغنوشي، على حد تعبيره. وأعطى الغنوشي لخصومه السياسيين الانطباع بأن الخلافات كافة التي برزت إبان المؤتمر العاشر لا تعدو أن تكون مجرد «زوبعة في فنجان»، وأن الحركة موحدة وقادرة دوما على إدارة خلافاتها وتجاوزها مهما كان حجمها. وفي هذا الشأن، قال علية العلاني، الخبير التونسي في الجماعات الإسلامية لـ«الشرق الأوسط» إن الغنوشي وبقية القيادات السياسية ذوبوا الخلاف الجوهري المتعلق بانتخاب المكتب التنفيذي، وإشراكه في القيادة مع رئيس الحركة، وتقاسم الصلاحيات معه، معتبرا أن «الغنوشي أضاع فرصة تاريخية للإصلاح من الداخل، وهي فرصة لن تتكرر بسهولة»، على حد تعبيره. وأضاف العلاني أن النهضة مطالبة اليوم بالتنفيذ الفعلي لمبدأ الفصل بين الدين والسياسة، وعدم توظيف الدين واستعماله في السياسة وعلى مستوى برامج الحكم، واعتبر أن «النهضة» أصبحت مطالبة أيضا بالتخلي عن آيديولوجية الإسلام السياسي والابتعاد عن ارتباطاتها السابقة مع تيار الإخوان المسلمين، وهو ما لم يقع حسمه في هذا المؤتمر، حسب رأيه، ودعاها إلى الالتزام الفعلي بالقانون التونسي المنظم للجمعيات، الذي يمنع تأسيس أحزاب على أساس ديني أو عرقي أو لغوي. وعلى الرغم من الوحدة التي ميزت حركة النهضة مقارنة ببقية الأحزاب التونسية، فإن المؤتمر العاشر كشف بصفة واضحة عن وجود تيارين يشقان هذا الحزب، الأول محافظ يرغب في الحفاظ على صبغة الحزب وهويته، ويمثله نور الدين البحيري والحبيب اللوز والصادق شورو وحمادي الجبالي، والثاني يسعى إلى الاستجابة لمتطلبات الواقع السياسي، وإكراهات الوضع الوطني والدولي الذي يفرض على الحركة أن تكون حزبا مدنيا فقط، بعيدا عن استعمال الدين لغايات سياسية. غير أن النقطة الأهم التي بقيت دون إجابة تتعلق بالسلطات المتناهية لرئيس الحركة، وإصراره على تعيين أعضاء المكتب التنفيذي دون الالتزام بأغلبية أصوات أعضاء مجلس الشورى المتكون من 150 عضوا. ورجحت عملية التصويت خلال المؤتمر كفة الغنوشي، أو ما سمي بتيار الشيخ على حساب تيار التنظيم، إلا أن ذلك لم يخف عمق الخلافات حول مضمون النظام الأساسي للحركة، خاصة ما يتعلق بآلية تركيز المكتب التنفيذي، سواء عبر التعيين من قبل رئيس الحركة وتزكية مجلس الشورى، أو انتخاب المكتب من قبل المؤتمرين وحصوله على أغلبية أصوات أعضاء مجلس الشورى دون تدخل من رئيس الحركة. وبرز على سطح النقاشات التي دامت حول هذه النقطة نحو خمس ساعات، خط أول يمثله ويقوده علي العريض، وقد انضم إليه عبد اللطيف المكي وزير الصحة السابق، وعبد الحميد الجلاصي، وهذا الخط حظي بدعم لافت من قبل أعضاء المؤتمر العاشر لحركة النهضة، وخط ثان يدافع عنه على وجه الخصوص نور الدين البحيري وزير العدل السابق، وانضم إليه العجمي الوريمي المتحدث السابق باسم حركة النهضة، وهذا الشق يقوده الغنوشي بنفسه، وهو يرى أن اختيار أعضاء المكتب التنفيذي يتم بالضرورة من قبل رئيس الحركة. ولقلب المعادلة والضغط على أعضاء المؤتمر العاشر هدد الغنوشي بعدم الترشح لرئاسة الحركة في حال تجريده من صلاحية اختيار أعضاء المكتب التنفيذي (المكتب السياسي)، وقد ذهب التصويت في البداية ضد إرادة الغنوشي، إلا أن تهديده بالانسحاب أعاد الأمور إلى مجراها، بعد أن جرت جولة ثانية من التصويت رشحت مقاربة راشد الغنوشي التي حظيت حسب مصادر مقربة من حركة النهضة بـ648 صوتا، أي ما يعادل نسبة 58 في المائة من الأصوات مقابل حصول فرضية الانتخاب على 300 صوت خلال الجولة الثنية من التصويت، وهو ما وشى بوجود تيار قوي يريد التغيير والإصلاح داخل حركة النهضة.
مشاركة :