لم يعانِ شعب كما عانى الشعب السوري الشقيق من المآسي والقهر والظلم والحرمان، فمن الانقلابات العسكرية المتوالية، إلى وحدة فاشلة مع مصر، إلى حكم حافظ الأسد وابنه بشار؛ ما جعل المواطن السوري تحت أنظمة بوليسية جرَّدته من حقوقه، وقتلت فيه الطموح لبناء دولة متحضرة بعد سنوات من الاستعمار، فإذا به يجد من بني جلدته ما هو أسوأ من المحتل، فكان أن أضاع عقوداً من عمره في معاناة وتخلُّف في سجون يُزج فيها الأحرار، ويُقتاد إليها كلُّ من يرفع صوته معارضاً لأنظمة مستبدة. * * لكن النظام الأسدي، تفوق على كل من سبقه من حكام في بيع البلاد إلى من يضمن استمرار نظامه، فكان أن تحولت سوريا إلى مجموعة من المستعمرات، هذه لإيران، وتلك لأمريكا، وأخرى لروسيا، ولتركيا حصتها، وللحشد العراقي نصيبه، ولحزب الله اللبناني ما بقي من أرض حتى اختلط الحابل بالنابل، يتقاتلون على مصالحهم في سوريا، وصار استمرار نظام بشار الأسد خارج اهتماماتهم مؤخرا، حتى سقط شر سقوط، وتم تهريبه إلى روسيا. * * ترك بشار الأسد تركة مثقلة بكل مآسي سوريا، فالتحديات كبيرة ومؤلمة، وصعب القضاء عليها في فترة زمنية قصيرة، لكن البوادر، والمؤشرات، والسياسات التي اتبعها النظام الجديد، ابتداءً من فتح المجال لعلاقات متميزة مع الدول العربية الشقيقة، ثم حل كل التكتلات والأحزاب والتنظيمات العسكرية، وضمها للجيش الوطني الجديد، وتالياً التركيز على بناء سوريا، بعيداً عن الشعارات والمزايدات، وتكميم الأفواه، وأن لا استثناء لأي مذهب أو انتماء سياسي، أو قبلي أو مناطقي في مشاركتهم في إدارة شؤون الدولة، وفقاً لدستور جديد، وجيش جديد، ومؤسسات تعتمد إدارتها على الكفاءة والجدية في العمل. * * وها هي الشمس تشرق على سوريا من جديد، لتضيء ما كان معتماً ومظلماً على مدى سنوات طويلة في حكم اتسم بالدموية في تعامله مع الشعب، مفرطاً بالأراضي السورية لصالح إسرائيل، وقوى أجنبية أخرى، ولا هم له، ولا اهتمام لديه سوى أن يستمر في حكمه، متمتعاً بالحياة الرغدة، بينما يعاني الشعب من الفاقة والجوع والحرمان والاستبداد. * * وها هو رئيس الجمهورية السورية يختار الرياض لتكون وجهته الأولى في أول زيارة خارجية له خارج سوريا، مثمناً دورها في دعم سوريا ومناصرتها للتغيير الذي حدث، وللقيادة الجديدة التي بدأت في رسم معالم المستقبل لسوريا الجديدة، ففي الرياض سيجد أحمد الشرع الحكمة، والرؤية الصحيحة، والخبرة التي يعتمد عليها، والدعم غير المحدود، ما لن يجده في غير المملكة، ولدى غير الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. * * وتعكس زيارة رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع للمملكة، واختيارها لتكون وجهته الخارجية الأولى بعد توليه قيادة سوريا، تقدير من القيادة السورية الجديدة لمكانة المملكة السياسية، وثقلها على المستوى الدولي، ودورها المحوري والمؤثِّر في تقرير أمن واستقرار المنطقة، وتقديرها لسمو ولي العهد، ورؤيته الواعدة 2030 وثقتها في المردود الإيجابي لإستراتيجية المملكة التنموية على سوريا ودول المنطقة وشعوبها، فضلاً عن أن الزيارة للرئيس السوري تأتي في سياق حرص القيادة السورية على التشاور والتنسيق مع قيادة المملكة في هذه المرحلة الحساسة، وما تتضمنه من تحديات وصعوبات كبيرة، والتطلع إلى دعم المملكة لسوريا وشعبها، والاستفادة من مكانتها وثقلها الدولي في تجاوز هذه التحديات. * * وللمملكة -كما هو معروف- جهود ومواقف تاريخية لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، والتأكيد على وحدة أراضيها واستقلالها، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤونها، ومنذ اليوم الأول للثورة السورية عام 2011م التزمت المملكة بدعمها حق الشعب السوري في تقرير مصيره، وضمان أمن سوريا، ووحدة أراضيها، بعيداً عن التدخلات الأجنبية، والتأثيرات الخارجية، كما ثمَّنت المملكة بعد نجاح الثورة الخطوات الإيجابية التي قامت بها الإدارة السورية الجديدة في اتخاذ نهج الحوار مع كل الأطراف السورية، وإعلانها البدء بعملية سياسية تضم مختلف مكونات الشعب السوري، وهناك من جانب المملكة دعم للحكومة المؤقتة في سوريا على الصعيدين الإقليمي والدولي، وضمن هذا الدعم استضافة الرياض بمشاركة واسعة من الدول العربية وأمريكا والدول الأوروبية والمنظمات الدولية مؤتمراً لدعم الشعب السوري، وتقديم العون والمساندة في إعادة بناء سوريا، ومثل ذلك جهدها الدبلوماسي النشط والمستمر مع الأطراف الدولية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، لأن استمرارها سيعرقل إعادة البناء والتعمير، وأثمر هذا الجهد عن رفع عدد من العقوبات من قبل أمريكا والدول الأوروبية.
مشاركة :