«آكي: سنوات الطفولة» لشوينكا: السنوات الأولى لأول نوبل إفريقي

  • 5/30/2016
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

في العام 1986، وقبل نجيب محفوظ بسنوات قليلة، أُعطيت جائزة نوبل للآداب للمرة الأولى في تاريخها لكاتب من إفريقيا. كان الحدث كبيراً ضجّ له العالم، ولا سيما منه ذلك القسم الكبير الذي لم يكن سمع باسم الفائز من قبل، بل ربما لم يكن سمع أصلاً بأن هناك في إفريقيا السوداء أدباً وأدباء. ومع هذا كان ذلك الكاتب، وهو النيجيري وول شوينكا، معروفاً لدى كثر من قراء الإنكليزية، بل كان معروفاً لدى القارئ العربي من خلال كتابة الراحلة رضوى عاشور عنه وترجمتها إحدى رواياته («الطريق»). ومهما يكن من أمر فإن يوم إعلان فوز هذا الكاتب بنوبل اعتبر انتصاراً لإفريقيا وبعثاً للتاريخ الحضاري للقارة الإفريقية. لكنه لن يكون الأخير، منذ ذلك الحين، إذ نعرف أن المصري نجيب محفوظ سوف يفوز بالجائزة بعد شوينكا بثلاثة أعوام، كما أن سنوات التسعين ستشهد فوز إفريقية بيضاء هي نادين غورديمير، وسوداء إفريقية من الولايات المتحدة الأميركية، هي طوني موريسون بنوبل نفسها، لتتكرر الانتصارات والأسماء مرتبطة بإفريقيا سواء كان أصحابها سوداً أو بيضاً. > إذاً، على رغم تلك الانتصارات الإفريقية الأدبية المتتالية، خلال مسافة زمنية قصيرة نسبياً، يبقى أن وول شوينكا النيجيري كان الأول في العام 1986، ما لفت أنظار العالم إلى غنى أدبي لم يكن متوقعاً، في قارة حرمت من الجوائز ومن الانتشار الأدبي طويلاً، ولاسيما في جنوبها الأسود، الذي اشتغلت ضد نهضته الفكرية عوامل عديدة لا مجال هنا الى تفصيلها. > مهما يكن من الأمر، فإن ما يمكن قوله في هذا المجال، أن فوز وول شوينكا كان متوقعاً قبل ذلك بزمن طويل، إذ منذ أواسط سنوات السبعين كان اسمه يرد دائماً في لائحة المرشحين المحتملين، حتى وإن كان الذين يوردون اسمه ويرددونه، كانوا يعرفونه مساجلاً ومناضلاً وندر لهم أن قرأوا عملاً من أعماله الروائية أو المسرحية. إذ إنه، إضافة إلى كونه كاتباً وصاحب لغة ومواضيع متميزة، كان شوينكا ولا يزال صاحب صوت في الشؤون السياسية، وهو اعتاد أن يرفع ذلك الصوت دفاعاً عن إفريقيا وعن الحرية في كل مرة أتيح له ذلك، إضافة إلى مواصلته النضال ضد الديكتاتوريات المتعاقبة في بلده نيجيريا، ودفاعاً عن حقوق الأقليات والإتنيات فيها، حتى حقهم في الانفصال، كما كانت الحال حين وقف ضد التيار ذات يوم دفاعاً عن حق إقليم بيافرا في أن يحكم ذاته بذاته. > ولئن كان شوينكا قد اشتهر، إلى جانب نضالاته السياسية، برواياته ومسرحياته التي عرف معظمها كيف يقدَّم على الخشبات، فإنه عرف أيضاً بالعديد من كتب السيرة الذاتية التي أصدرها ويبقى من أبرزها كتابه «آكي: سنوات الطفولة»، علماً أن شوينكا، وبعدما أصدر هذا الجزء الأول من سيرته في العام 1981، عاد وأصدر ثلاثة كتب أخرى في مجال السيرة نفسه هي تباعاً: «إيزارا: رحلة حول إيسّاي»، و»سنوات إبادان، مذكرات 1946 - 1965» و»ينبغي عليك أن تتقدم عند الفجر» في الأعوام 1989 و 1994 وأخيراً 2006. وكان شوينكا قد أصدر في العام 1972 كتاباً آخر في السيرة الذاتية يتناول فيه بخاصة علاقته بأبيه تحت عنوان «الرجل يموت». وبهذا يكون شوينكا قد أكمل في هذه المجموعة من الكتب واحدة من أطول السير الذاتية التي كتبها أديب إفريقي. غير أن علينا ألا ننخدع بعبارة «ذاتية» هنا، ذلك أن من يقرأ هذه النصوص الغنية على ضوء نظرية أدب - ما - بعد - الكولونيالية، لن يجد نفسه أمام أدب ذاتي بقدر ما سيجد نفسه أمام أدب سجالي غاضب، يكمل في شكل أو آخر المعركة التي خاضها وول شوينكا ضد الاستعمار والنهب والتخلف. > كما أشرنا أعلاه، يجمع النقاد على أن «»آكي: سنوات الطفولة» يبقى الكتاب الأجمل وربما أيضاً الأكثر براءة وارتباطاً بالطبيعة بين كل تلك الكتب التي نذكرها. فالكتاب يحكي لنا قصة حياة شوينكا خلال السنوات الإثنتي عشر الأولى من عمره، قبل وخلال الحرب العالمية الثانية حين كان يعيش في مسقط رأسه في قرية صغيرة تدعى آكي، تقع في المناطق الغربية لنيجيريا. كانت القرية من تلك المجمعات السكانية البدائية الصغيرة التي تقطنها قبائل اليوروبا. ومن ناحية مبدئية، إذا استثنينا «غرائبية» المكان و»غرابة» فكرة أن نجد أمامنا هنا إفريقيّاً يروي سنوات طفولته، على النسق الذي كان من قبل وقفاً على الكتاب الأجانب، لن يكون في إمكاننا أن نتوقع من البداية أن نجد في هذه السيرة ما يهم قارئاً غير معنيّ، ومع هذا قرئ الكتاب من جانب جمهور عريض، ولا سيما بعدما كتبت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» عند صدوره، وحتى قبل أن يُعرف صاحبه على نطاق واسع لفوزه بنوبل: «ككاتب مسرحي، وشاعر، ومساجل، والآن ككاتب سيرة ذاتية، لا شك في أن بمقدورنا أن نعتبر السيد شوينكا أكثر كتّاب إفريقيا تنوعاً وإبداعاً. فهو في هذا الكتاب، عرف كيف ينتج سرداً لطفولته كإفريقي من قبائل يوروبا عاش في غرب نيجيريا. سرداً كان من نصيبه أن أصبح كتاباً كلاسيكياً في مجال كتب السيرة الذاتية الإفريقية، ولكن، أكثر من هذا، نصاً كلاسيكياً في عالم السير الطفولية في تاريخ الأدب العالمي كله(...). ولعل في إمكاننا القول إن هذا الكتاب، إضافة إلى فضائله كلها، يشكل أفضل مدخل ممكن إلى عوالم حياة وشخصية هذا الكاتب الإفريقي الكبير...» > وول شوينكا من مواليد العام 1934 في الإقليم الغربي لنيجيريا، وهو ينتمي عرقياً ولغوياً إلى قبائل «اليوروبا» المعروفة بحدة الطبع والشراسة في مقارعة الظلم. ولقد بدأت مواهب شوينكا الأدبية تظهر منذ كان بعد طالباً في المدرسة الثانوية، حيث نشر قصصاً قصيرة أذيعت له. وتوجه شوينكا في العام 1954 إلى بريطانيا حيث أكمل دراسته في جامعة ليدز منكبّاً على الأدب الإنكليزي، وتخرج في العام 1958. وهو خلال وجوده في بريطانيا، عمل قارئ نصوص في المسرح الملكي في لندن وبدأ يهتم بالكتابة للمسرح، مستوحياً من ناحية تقاليد المسرح البريطاني، ومن ناحية ثانية تقاليد العروض اليوروبية، ذات الشكل المسرحي/ الديني التي كان يعرفها جيداً منذ طفولته والتي يحدثنا عنها بوفرة في صفحات «آكي: سنوات الطفولة». كان من أول إنتاجه مسرحيتان هما «سكان المستنقع» و»الأسد والجوهرة»، قدمتا للمرة الأولى في مدينة إبادان النيجيرية حال عودته إلى وطنه. > ومنذ تلك العودة وذلك التقديم المزدوج للمسرحيتين، صار شوينكا نجماً أدبياً ومسرحياً حقيقياً في نيجيريا وفي إفريقيا في شكل عام، وراحت أعماله تنتشر وتترجم إلى الكثير من اللغات. وبات يعرف كشاعر وروائي وكاتب مسرحي في الوقت نفسه. غير أن عمله، على تنوعه، كان على الدوام عملاً إفريقياً خالصاً، مواضيعه إفريقية وسماته الشكلية إفريقية، وكذلك إفريقية كانت سماته الإيديولوجية. غير أن ما يلفت في أدب شوينكا هو قلة احتفاله بالماضي، أو بأي نزعة حنين سلفية، تاركاً الحديث عن ذلك الماضي إلى كتب سيرته المتعددة. بالنسبة إليه كانت إفريقيا الحاضر، ولا تزال، هي مصدر الأدب ومحتاجة إليه أكثر من أي شيء آخر. ولأن شوينكا إنكليزي اللغة والتعبير، كان أدبه - وهو ما لاحظته لجنة نوبل حين منحته جائزتها - محاولة دائمة ودائبة للتوفيق بين التراث الإفريقي بما فيه من أساطير وأمثال غنية رائعة، وبين «حقائق العالم الغربي الحديث» الذي لا يمكن للقارة الإفريقية أن تتجاهله. وفي هذا الإطار كان يحلو لشوينكا أن يقول دائماً إن «النمر، لا يمضي وقته وهو يفخر بكونه نمراً، بل في الانقضاض على فريسته وأكلها». وهو كان يقول هذا في معرض انتقاده الذين يمضون الوقت في إعلان هويتهم الزنوجية والدفاع عنها. > من أعمال شوينكا الأخرى الشهيرة «الطريق» و «حصاد كونجي» و «الموت وفارس الملك». ونذكر هنا أن سمعته العالمية كفائز بجائزة نوبل لم تمنع النظام العسكري النيجيري من إيداعه السجن في العام 1993. كما أن ذلك السجن لم يمنعه هو من أن يواصل معركته ضد السلطة الظالمة، عبر مقالات راح يكتبها لتنشر بفضل شهرته الجديدة، على نطاق واسع.

مشاركة :