عُرف عن الإنسان عموماً، أنه ضعيف النفس وكثير الخطأ، لذلك، سيق بأسلوب الترغيب وفنون الترهيب من لدن الشارع الحكيم، كمنهجين لتقويم السلوك الإنساني، ولكل منهما طريقة وأسلوب ومواضع استخدام، والهدف من كليهما، ضبط تصرفاته وسلوكياته، وذات الأسلوبين متبعان في منهج الشريعة الإسلامية وقواعدها وأحكامها، وكذلك في جوانب الحياة المدنية، ومما لا شك فيه، أننا بحاجة إلى كليهما، لنيل مرادنا وحفظ حقوقنا. استعمل الله تعالى هذين الأسلوبين في جميع الرسائل السماوية، حتى ما قبل الإسلام، متمثلاً بأعلى صورهما (الجنة، والنار)، وأيسرهما (الله غفور رحيم، والله شديد العقاب)، وحتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، بيّن في كثير من مواطن القول طريقة استخدامهما، فنجد في أسلوبه عليه السلام، اللين والترغيب، يطغى على القسوة والترهيب. ومن ذلك الوقت حتى وقتنا الآني، تشكلت علاقة طردية، فكلما ابتعدنا عن ذاك الزمن، ابتعدنا من أسلوب الترغيب، حتى أصبح للترهيب منهج وطرق له فنونه في العديد من مناحي حياتنا، بدءاً من الأساليب التربوية والتعليمية، وصولاً إلى الخطاب الديني والسياسي والولائي. نلاحظ أن خطابنا الديني لا يخلو من أساليب وفنون مرّهبة ومرعبة، وبشكل مبالغ فيه تماماً، سواء بالكلمات المستخدمة أو بالشرح والبيان، وصولاً إلى أساليب الإلقاء ونبرة الصوت والخلفيات الملازمة لأي موعظة أو توجيه ديني، فجميعها تتسم بالرهبة، صراخ ونبرات صوت قوية، خصوصاً عند ذكر النار والحساب، وكيفية عقاب الله لعباده الظالمين، حتى أصبح لهذا النهج حِرفيون.. ومن هنا، وصلت حالة البعض إلى رفض مقاصد الرسالة بسبب نهجها الترهيبي، ولا ريب في ذلك، فالمبالغة تقلب الموازين، والإنسان متمرد بطبعه، فقد ينفع معه هذا الأسلوب مرات، لكن سيرفضه يوماً ما. الترهيب أسلوب له فوائده، لكن دائماً ما نقول (كل ما يزيد الشيء عن حده ينقلب ضده)، فقد وصلت فنون الترهيب إلى وسائل التربية مع الأطفال، فكثيراً ما نجبر أولادنا على الامتثال للاحترام ومعايير الأدب بأن نخوفهم من العقاب، سواء عقاب الأهل أو العقاب الرباني، فنقول لهم: (لا تكذب، الله يحرقك بالنار، ونقول إذا فعلت هذا سأضربك)، فما الهدف من هذه المبالغة؟! ولماذا تغافلنا عن فنون الترغيب كأسلوب منهجي محبب للجميع؟!، ففي حالتنا المذكورة عن تقويم الطفل عندما يكذب، فبإمكاننا أن نقول له (لا تكذب كي تدخل الجنة)، وهنا، كأننا نضع الجنة والنار بين كفتي ميزان، مرة ستتأرجح هنا ومرة هناك.. ولكن هناك أسلوب آخر أكثر نفعاً، يتمثل ببيان أوجه الفائدة لأي فعل أو تصرف، فنقول له (الصدق يجعل منك شخصاً محبباً للجميع، فبه تكون أقرب إلى قلوب أصدقائك وأحبائك، فهو يجعل منك شخصاً أكثر وضوحاً، وهذا أمر يحبه الله ورسوله). وصلت البشرية اليوم لمناهج علمية متطورة جداً لضبط السلوك، وكلما ازدادت المبالغة بالترهيب، ازدادت حالة العند عند الإنسان، وهذه طبيعة بشرية، يجب علينا أن نقف عليها، ونعيد حساباتنا من أجلها، ومن الأنسب لنا أن نستخدم أسلوب البيان والشرح العلمي الممنهج والموظف خدمةً لتعاليم ديننا الحنيف، وإليكم مثالاً بسيطاً، عندما ننوي تقويم السلوك البشري للمتخلفين عن أداء فريضة (الصلاة)، علينا أن نبين لهم أهمية الصلاة من جميع الجوانب، سواء الدينية، وبأنها تمنع الإنسان عن الفاحشة والمنكر. وأيضاً على المستوى الدنيوي، فهي رياضة وعادة يومية ومستمرة لتحريك عضلات الجسم ومفاصله، وبخلاف الفوائد العظيمة في تفريغ الطاقة السلبية في جسم الإنسان، والتي ثبتت في الكثير من الدراسات الحديثة، وعند الحديث عن فضل (صلاة الجماعة)، علينا أن نبين أن بها عادة للقاء والحوار والتعارف بين المسلمين، ومطلب التواصل مهم لتوازن نفس الإنسان.. وأيضاً، عندما نريد أن نحبب الناس في (الزكاة)، وهي من أشد الفرائض قهراً للنفس، علينا أن نوضح أن الفائدة تعود على المعطي أكثر من المعطى له، لأن بعطائه سبباً لمضاعفة ماله وطرح البركة فيه، أما المعطى له، فالأعطية مؤقتة في يده، هذه الجوانب جميعها يجب الأخذ بها، ومنهجتها بأسلوب حضاري، وجعل أداء الفرائض عادة في نفوس البشر، واقتناع تام في عقولهم، بأن لها فضلاً على حياتهم في جميع الجوانب. دائماً ما أقول إن (الإيقاع أهم من الحدث)، وأقصد بالإيقاع هنا، الأسلوب المقدم به الرسالة أو الحدث، فمهما كانت الرسالة عظيمة ومفيدة، إلا أن لأسلوب طرحها أثراً في مدى استجابة الناس لها، وديننا الحنيف جاء بمنهج علمي، يتخلله أسلوب الترغيب والترهيب في الطرح، لذا، علينا النظر إلى الدين الإسلامي كمنهج حياة، وليس تعاليم دين.. فجميع الأديان، حتى غير السماوية منها، جاءت بتعاليم وطقوس عبادة، لكن ما يميز المنهاج الإسلامي، أنه شامل وكامل ومبني على أسس علمية واضحة في إدارة جميع تصرفات البشرية وتقويمها بصورة معتدلة، لا يطغى فيه أسلوب على الآخر.. ويقدم لنا طرقاً تعود علينا بالفائدة في الدنيا والآخرة، ولم يغفل الله عز وجل في منهج الإسلام، من الاهتمام بمقومات الحياة الدنيا، من رفعة الإنسان والاهتمام بجميع مكونات حياته، ولو نظرنا إلى جميع العبادات والطقوس الدينية التي أمرنا الله عز وجل بها، لوجدنا أن لها فوائد كبيرة، بخلاف الأجر والثواب والعقاب والحساب، فجميعها أخلاق وجماليات من أجل رفعة الإنسان.
مشاركة :