يعتبر السعال، خلال فصل الشتاء، حالة شائعة لا يقف عندها الشخص ولا تثير القلــق؛ وذلك بسبب انتشار نزلات البرد والإنفلونزا وغيرها، أما استمرار السعال فيـــعتبر عرضاً لمرض ما أو حالة يمر بها الجسم، ويقول د. جوناثان بارسون مدير البرنامج متعــــدد التخـــصصات لحالة السعــــال بجامعـــة أوهايـــو، إن السعال آليــة وقائيــة تقـــوم بها الرئتان لطرد الأجسام الغريبة والمواد التـــي تهيـــجها كالمـــخاط والــــسوائل وغيرها، وفي التالي بعض الأسباب الشائعة المسببة للسعال المزمن. التهاب الشعب الهوائية: تتسبب نزلات البرد في السعال الجاف والدغدغة بالجهاز التنفسي العلوي، بالإضافة إلى سيلان الأنف وتقرح الحنجرة والاحتقان، ولكن إن كان السعال هو العرض السائد الذي يطغى على بقية الأعراض، حينها يكون الشخص مصاباً بالتهاب الشعب الهوائية الحاد، والذي يصحبه سعال رطب وبلغم ذو لون متغير، ولكن لا يمكن تحديد ما إذا كان الالتهاب بكتيرياً أو فيروسياً من خلال لون البلغم، فلا يعني لونه البني الداكن أو بقع الدم الموجودة به أنه التهاب غير فيروسي، حيث إن معظم حالات التهاب الشعب الهوائية الحاد يكون بسبب العدوى الفيروسية، والتي لا تجدي معها المضادات الحيوية نفعاً، لذلك يجب إجراء فحص المزرعة البكتيرية للبلغم؛ للتأكد من نوع العدوى، فإن كانت بكتيرية حينها يمكن استخدام المضاد الحيوي المناسب لنوع البكتريا، ولا يتوقع المريض اختفاء السعال مباشرة بعد الشفاء، فقد وجدت دراسة من جامعة جورجيا، أن السعال الحادّ الناتج عن التهاب الشعب الهوائية وبعض أنواع الأحياء الدقيقة الأخرى، يستمر في المتوسط لمدة 18 يوماً. الالتهاب الرئوي: أكثر ما يميز هذه الحالة هو السعال الحاد المصحوب بالبلغم ذي اللون المتغير أو المصحوب بالدم، ومن الأعراض الأخرى كذلك ارتفاع درجة الحرارة والإجهاد وضيق التنفس والقشعريرة، وهو من الحالات التي يتم علاجها بالمضاد الحيوي، وربما لا يبدأ السعال بعد الإصابة بالمرض مباشرة، فقد يحدث في بعض الأحيان أن يكون الالتهاب كثيفاً، ويحتاج الأمر عدة أيام بعد استخدام المضاد الحيوي ليظهر تأثيره في الكائنات الدقيقة المتواجدة بالرئة والمسببة للمرض، ويحدث أحياناً أن يصاب الشخص بالالتهاب الرئوي البكتيري، بعد تعرضه لمرض فيروسي، وهي حالة تعرف بـالالتهاب الرئوي البكتيري الثانوي وما يميز هذه الحالة هو أن تظهر أعراض نزلة البرد الاعتيادية لعدة أيام، ثم تسوء حالة المريض بعد ذلك ليعاني ارتفاع درجة الحرارة وألم الصدر والأعراض الأخرى الدالة على المرض، وحينها يجب مراجعة الطبيب؛ حيث إن الحالة حينها لم تعد نزلة برد اعتيادية، ويخضع المريض لفحص الأشعة السينية على الصدر، والذي يظهر الالتهاب في شكل منطقة ضبابية بالرئتين. العقاقير الخافضة لضغط الدم: مثبطات الخميرة القالبة هي أحد العقاقير المستخدمة لخفض ضغط الدم، عن طريق إرخاء الأوعية الدموية وتدفق الدم لدى من يعانون ارتفاع ضغط الدم؛ وعندما يتم تحلل العقار داخل الجسم يؤدي ذلك إلى ارتفاع كمية مادة براديكينين المهيجة للسعال، وهي مادة تفرز داخل الدم في ظروف معينة تتسبب في تقلص العضلات الملساء وتمدد الأوعية الدموية، ويكون السعال الناتج عن تلك المادة قوياً، وربما يستخدم مريض ارتفاع ضغط الدم تلك العقاقير لسنوات قبل أن يبدأ السعال، وربما يوصف عقار بديل. ارتجاع السائل الأنفي: هو ارتجاع السائل من الجيوب الأنفية للخلف إلى الحنجرة بدلاً عن خروجه عبر الأنف، وعندما يصل إليها يحدث تهيج بها فيحدث السعال، ويستطيع الشخص تمييز الارتجاع الأنفي إذا شعر بسائل لزج ومالح بآخر الفم، وربما يؤدي إلى تقرح الحنجرة فيشعر الشخص بالضيق، خصوصاً أثناء الليل؛ لأن الاستلقاء على الظهر يساعد على تراجع سائل الجيوب الأنفية إلى الخلف، لذلك كثيراً ما يستيقظ الشخص أثناء الليل بسبب السعال، أو ينهض صباحاً وهو يعاني شعوراً غير مريح بالمعدة؛ بسبب دخول السائل إليها، ويكون السعال الناتج عن الارتجاع الأنفي رطباً ويتم تشخيصه بفحص منطقة الجيوب الأنفية بالتقنية المناسبة، وتساعد مضادات الهستامين على تجفيف السائل. الارتجاع المريئي: من أكثر الأسباب الشائعة المسببة للسعال، وربما يعاني الشخص الارتجاع المريئي ولا يعلم بذلك، ولا يربط بين السعال المتكرر لديه وبين تلك الحالة، ربما لعدم وجود الأعراض الأخرى معروفة كحرقة المعدة، وما يحدث في حالة الارتجاع المريئي هو عودة السائل عبر المريء إلى الحنجرة، وعندها تتهيج الحنجرة، وبالتالي يحدث السعال الذي يكون جافاً، وأكثر الأوقات التي يتكرر فيها تكون بعد تناول وجبة دسمة أو أثناء الليل أو عند الاستيقاظ صباحاً؛ لأن وضعية الاستلقاء تساعد على ارتجاع الحامض إلى الأعلى، ويمكن قياس كميته بالمريء أو تنظير المريء، وللتغلب على تلك الحالة، يجب اتباع بعض الأساليب الصحية، كالامتناع عن الأكل في وقت متأخر من الليل، والابتعاد عن الأطعمة الدهنية والأطعمة ذات التوابل الحارة، بالإضافة إلى استخدام الأدوية المضادة للحموضة، أما الأدوية المثبطة لمضخة البروتون فقد كثر الجدل حولها؛ لتسببها في أمراض القلب والكلى، لذلك يجب على المريض الحذر في استخدامها، وعلى الطبيب التريث في وصفها للمرضى. الربو: أحد مسببات السعال الشائعة، فهو حالة يحدث فيها تقلص بمجرى الهواء الذي ينقل الهواء إلى الرئتين، فيحدث ضيق بالتنفس مع صفير بالصدر، بالإضافة إلى السعال الجاف، وهنالك نوع من الربو يسود فيه السعال، فيكون أكثر الأعراض الدالة على المرض، ويتم تشخيص الربو عن طريق فحص التنفس ووظائف الرئة، وإذا لم تفصل النتائج في التشخيص يمكن إجراء فحص فرط نشاط مجرى الهواء، ويعالج الربو بمستنشقات الأسترويد وغيرها. الانسداد الرئوي المزمن: سبب من أسباب السعال المزمن، وهو أحد الأمراض التدرّجية - يتطور مع مرور الوقت- التي تحدث صعوبة بالتنفس؛ بسبب تأثر مجرى الهواء، وفي الأغلب يحدث بسبب التدخين أو التعرض الدائم للدخان والأبخرة والغبار، وهي عوامل ترتبط عادة ببعض المهن، وينقسم الانسداد الرئوي إلى نوعين هما: التهاب الشعب الهوائية المزمن، وانتفاخ الرئة، ويحدث في الحالة الأولى أن تتعرض بطانة مجرى الهواء للالتهاب المتكرر الذي ينتج عنه السعال المصحوب بالبلغم، أما انتفاخ الرئة فيؤدي إلى تلف الحويصلات الهوائية بالرئتين، مما يحدث تراجعاً بكمية الأكسجين التي تصل إلى الدم، فيشعر المريض في هذه الحالة بالسعال الجاف وصفير الصدر وضيق التنفس، ويتم علاج الانسداد الرئوي المزمن بعلاجات الربو نفسها، بالإضافة إلى بعض العلاجات الأخرى، والتي تعمل جميعها على تخفيف الأعراض فقط، فليس هنالك علاج جذري للحالة، كما يجب الابتعاد عن المسببات البيئية كالدخان وغيره. سرطان الرئة: أحد الأمراض التي لا تصحبها أعراض واضحة، و لا يعتبر السعال وحده دليلاً على الإصابة به، بل هنالك أعراض أخرى تصحبه كفقدان الوزن غير المتعمد، وخروج الدم مع السعال، والإجهاد، وألم الصدر؛ ويتم التشخيص عن طريق فحص الأشعة السينية؛ للكشف عن وجود كتلة أو ورم بالرئتين، وكثيراً ما يتم تشخيص المرض على أنه التهاب رئوي؛ للخلط بين ما يظهر بصور الأشعة، بالرغم من أن هنالك اختلافاً كبيراً بينهما؛ حيث إن الأول كتلة من الورم، والثاني كثافة ضبابية، فإن لم يستجب المريض للمضادات الحيوية، يجب التأكد مرة أخرى من التشخيص، وعموماً يفضل إعادة الفحص بعد مرور 6-8 أسابيع من استخدام العلاج، وبالرغم من أن غير المدخنين عرضة أيضاً لسرطان الرئة، فإن المدخنين - من أقلعوا ومن ما زالوا يدخنون- أكثر عرضة للمرض. التليّف الكيسي: اضطراب وراثي يؤثر في الغدد الإفرازية ويتسبب في إنتاج المخاط السميك بشكل غير طبيعي، مما يؤدي إلى انسداد قناة البنكرياس والأمعاء والقصبة الهوائية، ومن ثم التهاب الجهاز التنفسي والسعال الذي أكثر ما يكون عند الاستيقاظ صباحاً، أو عند القيام بمجهود بدني. دراسة حديثة أعلن باحثون من جامعة كوين في بلفاست بالمملكة المتحدة، عن جزيء تم التوصل إليه، وهو أحد مثبطات الإنزيمات البروتينية، والذي حديثاً نجح في انسداد القنوات الأيونية بالخلايا المخبرية، وأدى ذلك إلى تراجع دورة التهاب مجرى الهواء الذي يؤدي في النهاية إلى تلف الرئتين لدى مرضى التليف الكيسي، حيث إن للجزيء مقدرة على تجفيف مجرى الهواء وتخليصه من المخاط الذي يحتجز البكتيريا التي تسبب الالتهاب المزمن الذي يؤثر في الرئتين وفي عملية هضم الطعام، ووجد أن الجزيء يثبط عدداً من الإنزيمات المنشطة للقنوات؛ حيث إن ذلك النشاط يوجد بمعدلات عالية بأسطح الخلايا الظهارية بمجرى الهواء لدى المرضى، وعندما يقل نشاط تلك الإنزيمات يقل بالتالي نشاط قنوات الصوديوم، وهو أمر يرتبط بتحسين حالة مجرى الهواء، وخلوه من المخاط، وهي استراتيجية تحول دون تلف الرئتين، ويأمل الباحثون في أن يكون ذلك الجزيء طريقة علاجية تحسن من حالة المريض الصحية والحياتية.
مشاركة :