أميركا تفتقر إلى رؤية واضحة للمستقبل

  • 6/2/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تعتبر تركيا موطن المشكلات الحديثة في الشرق الأوسط التي بدأت قبل مئة عام مع انهيار الإمبراطورية العثمانية. وتبقى الحقيقة الاستراتيجية الثابتة حول الحرب الحالية ضد تنظيم داعش، أنها تشكل جزءاً من عملية أوسع لإعادة ترتيب هيكلية ما بعد الحقبة العثمانية في هذا الجزء من العالم. ولا نعرف بعد ما يمكن أن تكون المحصلة، أو ما ستبدو عليه الحدود، سيما أن الولايات المتحدة نفسها لا تعرف ماذا تريد بعد، في ظل لهاث القوى المحلية خلف مصالحها. إلا أن ذلك هو لبّ القضية التي نغفل عنها في خضم القصف الجوي والتفجيرات الإرهابية. وقد تمخضت جولة الجنرال جوزف فوتيل، قائد القوات المركزية الأميركية في مناطق الصراع في كل من العراق وسوريا وانتهاءً بتركيا، عن أمرين محوريين. يتمثل الأول في احتفاظ القوة العسكرية الأميركية بسطوتها، حيث لا تزال أميركا إذا صحّ التعبير القديم ترسانة الديمقراطية، وما إن تبدأ آلتها الحربية بالعمل حتى تجلب الدمار على أعدائها كتنظيم داعش مثلاً. وبما أن الجيش الأميركي يتصرف، أخيراً، بطريقة أكثر عدائية تصدياً للتنظيم الإرهابي، فإن العدو يتقهقر، وسيؤول حتماً للانهيار، إذا لم تفقد أميركا الصبر. وفي المقابل، تظل القوة السياسية الأميركية محدودة، ويشوبها الارتباك وتضارب الأهداف. ونحن نتحدث هنا تحديداً عن الحفاظ على وحدة سوريا والعراق، على الرغم من إنشاء ما يعتبر مناطق آمنة لأكراد سوريا وحلفائهم في شمال شرق البلاد، في خطوة تشجع على إنشاء منطقة كردية مستقلة، على غرار عملية توفير الراحة قبل 25 عاماً. وإني لا أرى أن الخبراء الاستراتيجيين في أميركا يملكون أي رؤية للتوفيق بين تلك الأهداف المتباينة. الحرب بأعين المحاربين كما أني صادفت على امتداد جولتي مع فوتيل، نتفاً ما انفكت تظهّر حقائق الصراع بأعين المحاربين، على نحو لا تلاحظه الجماهير عموماً. ففي أحد مراكز إدارة عمليات القتال التي تدير مسار الحرب، وفي أسفل الشاشات العملاقة التي تساعد القيادة العسكرية على تنسيق طلعات وعمل طائرات المراقبة والاستطلاع. والعمليات العدائية على الأرض والمناورات الجوية، تلاحظ وجود ثلاث إشعارات تذكير حول كيفية معالجة كل تلك المعلومات، هل من المطلوب اتخاذ قرار؟، ما هي الجهات الأخرى التي تحتاج للمعلومات؟ وهل يبدل ذلك تقديرات القيادة للوضع؟. وإني أشك بوجود لائحة مماثلة لتلك في البيت الأبيض نفسه. حين ترافق القيادة العسكرية الأميركية في جولة، تكون وكأنك داخل فقاعة من الإيجابية التي تشدد على حسن سير الأمور، وتستبعد النقاط السلبية، بحيث تعطي انطباعاً بأن النصر المحقق أقرب مما هو عليه في الواقع. وكنت قد سمعت ملاحظات متفائلة شبيهة، على امتداد عقد من الحرب في أفغانستان والعراق، في حين أن الحقيقة البائسة تقول إن التفجيرات الانتحارية، على الرغم من يأسها، تبقي هذه المنطقة بعيدةً عن الاستقرار، وعصيةً ببعض الطرق على الحكم. داعش ورم سرطاني ويتعين على القادة العسكريين التنبه لعدم تجاوز قواعد الدعم السياسي، وقد كان أحد الضباط محقاً حين شبّه تنظيم داعش بالسرطان، قائلاً إنه يجب الحرص أثناء القضاء على المرض على عدم قتل المريض. واستعمل أحدهم تعبير رويداً رويداً في وصفه الاستراتيجية الصحيحة لتفتيت معاقل التنظيم في كل من الموصل والرقة. وإذا نظرنا إلى الحروب المشتعلة كجزء من عملية أوسع وأقدم بعقود لإعادة تحديد شكل نظام ما بعد الإمبراطورية العثمانية، فإننا نلاحظ مدى سهولة ارتكاب الأخطاء المستدامة. فقوى الاستعمار التآمرية للعام 1916، حلت محلها قوى مشابهة متمثلة بتركيا وإيران وسواهما من الدول التي تمارس الألاعيب بالوكالة للحفاظ على مصالحها. وها نحن نرى الأكراد يسعون مجدداً إلى إعلان استقلالهم الذي قد لا تتمكن المنطقة من استيعابه، كما نرى الولايات المتحدة القوية المستعجلة غير الواثقة من كيفية الجمع بين المثاليات والمصالح. ويسعني القول في محصلة الأحداث الأخيرة التي عاينتها، إن الوضع العسكري جيد، لكن المنحى السياسي يحتاج للكثير من العمل. إيجابية مغلوطة لخص تقرير أحد الضباط الأميركيين المتعلق بالعمليات الأميركية ضد داعش، الموقف في المنطقة بالقول: إننا من جهة نتجه نحو التصفيات، ومن جهة أخرى لا نزال ذاهبين إلى مرآب وقف السيارات. ومع أنه تقييم أميركي محبب، إلا أن الصراعات في المنطقة لا تسير على هذا النحو. فالخاسرون لا يذهبون مطلقاً إلى باحة وقوف السيارات، إلا إذا اندثروا بفعل أحداث عنف من نوع الإبادة الجماعية، بل يتراجعون ويعودون للظهور بأشكال مختلفة. ومن ضمن الملاحظات الأخرى التي تعكس إيجابية في غير موضعها تعليق جنرال شين ماكفارلاند، مدير العمليات الميدانية في بغداد، وأحد أهم القادة العسكريين في المنطقة، وقد قال في تعليق له على الارتفاع الأخير لمستوى الهجمات الإرهابية في بغداد: يشكل إرغام العدو على تغيير التكتيكات التي يعتمدها، في بعض الأوجه، مؤشراً على نجاحاتنا.

مشاركة :