أحيانا يبدو لي أن مجتمعنا قد انسلخ من جلده فجأة، وتحلل من معظم أدبياته التي كان يتحلى بها، كلما استعرضت الأخبار اليومية، وما تحمله من أخبار سيئة كحوادث إطلاق النار لأتفه الأسباب، أو المشاجرات والمضاربات الجماعية التي يستخدم فيها كل أنواع السلاح الأبيض، وأعمال السطو وما إلى ذلك ما يعكر صفو الأمن. هنا لابد أن نتساءل: ما الذي حدث؟ هل تغيرنا؟ هل فقدنا تسامحنا؟ هل ارتفع بيننا معدل الجنح والجرائم والاعتداء؟ أم أن ما حدث هو أن الميديا الجديدة وضعت كل ما يحدث في المجتمع تحت أعين الكاميرات بحيث إن تلك الوقائع التي كانت تحدث سابقا، ولا يعلم عنها سوى أطرافها والمحيطين بهم، أصبحت في متناول المجتمع كله والعالم اطرادا في ظل سيادة أدوات التواصل الاجتماعي، وإمكانات رصد كل ما يجري بالصوت والصورة، فضلا عن بث الخبر في نفس لحظة وقوعه؟ أنا لا أملك إجابة دقيقة عن هذا التساؤل، لأن المسألة تحتاج إلى دراسات ميدانية دقيقة لمعرفة أسباب ذلك، وهو ما لم يتوفر حتى الآن من أي جهة، لا من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي يبدو أنها لا تعير قضية الدراسات الاجتماعية أي اعتبار، ولا من الجامعات التي ربما تعتقد أنها أكبر من مجتمعاتها، والغارقة بالتالي حتى أذنيها في همومها الإدارية التافهة، حتى أننا لم نجد أي فرق كبير بين زمن الثماني جامعات، وزمن الثلاثين جامعة فيما يتصل بتأثيرها على محيطها، عدا ارتفاع معدلات القبول لا أكثر ولا أقل، ولعل جامعة نايف للعلوم الأمنية هي الاستثناء الوحيد في جانب الدراسات الاجتماعية الأمنية بحكم التخصص، لكنها بالتأكيد لن تتمكن من تغطية كل هذا المجال في مجتمعات محلية متنوعة تنتشر على ما يزيد على مليونين ونصف المليون كم مربع. ما أنا على يقين منه، أن السوشيال ميديا لها دور كبير في انتشار هذه الأخبار المزعجة وإبرازها، وأعيد هذا اليقين إلى ما رواه لي أحد الأصدقاء منذ زمن بعيد، وقبل انتشار أدوات التواصل الحديثة، عندما انتقل عمله إلى وظيفة تمكنه من الاطلاع على الوقوعات اليومية من جنح وجرائم واعتداءات، يقول الرجل: كنت قبل هذه الوظيفة أنام ملء جفوني بمجرد أن أضع خدي على الوسادة، لكنني دخلت في خصومة شرسة مع النوم منذ باشرت عملي في هذه الوظيفة، فقد بدأتُ أشعر بأنني أعيش في غابة بحكم اطلاعي على ما لا يطلع عليه الكثيرون، بل أصبحتُ أكثر توجسا وقلقا. هل تغير مجتمعنا؟ أم اتسعت عيونه فقط؟ ما لم نصل للإجابة بدقة عن هذا السؤال فلن نعرف كيف نداوي مصابنا.
مشاركة :