الغنوشي.. مكره أخاك لا بطل

  • 6/4/2016
  • 00:00
  • 132
  • 0
  • 0
news-picture

< قبل الخوض في المقالة لا أريد من القارئ أن يتصور أن لي موقفاً حدياً من فكر راشد الغنوشي، بل العكس، سبق أن كتبت في مجلة المجلة عن حركة النهضة الإسلامية في تونس، مشيداً بموقفها من الدستور والانتخابات، بحيث تعالوا على قناعاتهم وسلموا أن المناخ العام لا يؤيد فكرهم فتقبلوا ذلك، عكس ما حدث في مصر على سبيل المثال. الغنوشي بتصريحاته الأخيرة لا يزال كالغريق الذي يتعلق بـ«قشة»، فهو يناور لإبقاء بصيص الأمل؛ لأنه لاحظ أن العالم كله متحد إزاء الحركات الإسلامية برفضها من حيث المبدأ، وبالتالي هو سيستمر من حيث المضمون وإن غير العنوان. قضية الربط بين الإسلام والديموقراطية شائكة؛ فالإسلام في جوهره الداخلي ديموقراطي، والتمسك بالعلمانية يمنع أية فرصة للتضييق على الديانات الأخرى، فهو بشكل واضح يفصل بين الدين والدولة. الغنوشي لم يأت بجديد عندما قال: «إن العلمانية تحمي الدين». ولهذا كثيرون يريدونها، لكن إصرار الغنوشي على العودة بثوب مختلف يؤكد أنه لا يزال يناور، فلما لا يحذو حذو الإسلاميين الأتراك وينتظم في الحياة السياسية من دون إقحام الدين فيها؟ على سبيل المثال، نجاح حزب العدالة في مصر بقيادة الرئيس السابق محمد مرسي أثبت فشله على رغم محاولته التجميل، إلا أن الآيديولوجيا لا يمكن تجميلها، فهي إما أن تطبق بكاملها أو لا تطبق. لا أنكر ذكاء الغنوشي الشخصي ودهاءه السياسي، إلا أنني أتصور أن التونسيين أذكى من أن تنطلي عليهم مناوراته، فهو يريد الوصول أولاً وبعدها لكل حادثة حديث. وإذا كنت ذكرت الإسلاميين الأتراك فإن البعض الآن يتهمون أردوغان بتطبيق نظرية قضم مكتسبات العلمانية خطوة بخطوة، فهو يحاول بحذر شديد الانقلاب شيئاً فشيئاً على الدستور العلماني، ما يجعل التونسيين أو المصريين أو غيرهم يتمسكون بعلمانية الدولة. في حوار أجرته مجلة هافنغتون بوست قبل أسبوعين مع الناشط السياسي التونسي الدكتور أحمد المناعي قال: «إن أول من طالب بفصل العمل الدعوي الديني عن العمل السياسي هو عضو حزب النهضة الراحل صالح كركر (أحد مؤسسي النهضة مع الغنوشي)، وذلك عام 2000، الأمر الذي حدا بالغنوشي وقيادات إلى تهميشه داخل الحزب، فموقفهم الصادق هو التمسك بالربط لا الفصل». المثير في الحوار أن المناعي أضاف أن الحزب لديه الاستعداد بقبول المثلية الجنسية وحتى المساواة بالإرث بين الرجل والمرأة كي يعتلي سدة السلطة. المرحبون بخطوة الغنوشي يتجاهلون أن من يقدم هذه التنازلات لا يؤتمن جانبه فالهدف تكتيكي، وإلا ما الذي يمنعهم من الخروج عن أفكار الحزب نهائياً؟ لنقتبس إجابة للغنوشي عن أحد الأسئلة توضح مفهومه لهوية القوانين الإسلامية: «إذا كان الشعب الذي يمثله البرلمان مشبعاً بآيديولوجية معينة ستعكسها القوانين. بعبارة أخرى، ستكون هوية قوانين البرلمان تعبيراً عن الآديولوجيا السائدة بين الشعب. طبعاً بشرط أن يكون انتخاب أعضاء البرلمان ديموقراطياً حراً، ومعبراً بشكل أمين عن حرية اختيار الناس». يضيف إلى ذلك: «أن المشكل في التاريخ الإسلامي هو خلاف للمشكل في التاريخ المسيحي. المسيحيون ثوراتهم كانت لأجل تحرير الدولة من سلطة الدين. نحن اليوم نريد تحرير الدين من سلطة الدولة». ما ذكره الغنوشي أعلاه يتعارض مع مفهوم كيفية تطبيق الديموقراطية أو الدستور، فلو تركنا الأمر للانتخابات الحرة المباشرة لما وصل الأكفأ، ولشهدنا قوانين عنصرية وهزلية ومتطرفة تضطهد حقوق المرأة والأقليات على سبيل المثال. سبق أن كررت في مقالات سابقة أهمية أن يسبق الدستور العلماني أي انتخابات، فهو الطريق الوحيد الذي يضمن عدم محاولة الالتفاف عليه أو تغييره كلما وصل فكر مخالف، كما حدث في مصر بالتحديد. نعم الغنوشي يظهر حتى الآن أنه رجل سلام ومتحفظ ضد العنف، لكن من يضمن استمرار ذلك؟ وصف الغنوشي بـ«مكره أخاك لا بطل» لا ينفي أفضليته قياساً بآخرين مثل القيادات الإسلامية في مصر، أو القرضاوي (بما يتعلق في الشأن المصري) أو الراحل حسن الترابي، كونه على الأقل حاول أو يحاول أن ينأى ببلاده من أن تقع بما وقعت به كل البلدان التي سيطرت أو تحاول السيطرة عليها تلك الجماعات، وهو على أية حال ولإنصافه له أراء مستنيرة تجاه الحقوق الاجتماعية وحرية التعبير.   abofares1@

مشاركة :