النقاب عادة وليس عبادة

  • 6/4/2016
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

استمرار حالة الجدل الديني‮ ‬والاجتماعي‮ ‬في‮ ‬الدول العربية والإسلامية حول تغطية وجوه النساء، ومدى فرضية ذلك‮ ‬يدفعنا هنا إلى بيان الموقف الشرعي‮ ‬الصحيح من النقاب الذي‮ ‬جعله بعض الجاهلين بشريعة الإسلامية من الواجبات الشرعية على المرأة، واعتبروا كل امرأة لا تحرص عليه أو تلتزم به خارجة على تعاليم الإسلام‮.‬ علماء الشريعة الإسلامية‮ ‬يحسمون هذا الجدل هنا،‮ ‬ويوضحون الرأي‮ ‬الشرعي‮ ‬الصحيح ويجيبون عن سؤال مهم هو‮: ‬هل وجوه النساء عورة‮ ‬يجب تغطيتها؟ في‮ ‬البداية تؤكد الفقيهة الأزهرية د‮. ‬سعاد صالح أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر،‮ ‬أن شريعة الإسلام لم تفرض على النساء تغطية وجوههن،‮ ‬وتقول‮: ‬لقد اتفق الفقهاء على أن جسد المرأة عورة، ما عدا الوجه والكفين وهما اللذان استثناهما الخالق عز وجل في‮ ‬الآية الكريمة‮ ... ‬وقل للنساء‮ ‬يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا‮ ‬يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها‮‬،‮ ‬فالمراد بعبارة‮ ‬ما ظهر منها‮ ‬كما قال جمهور الفقهاء‮: ‬الوجه والكفان‮.‬ تحذير من الخلط وتحذر د‮. ‬سعاد من الخلط بين المفاهيم والمصطلحات الفقهية وتقول‮: ‬المباح لا‮ ‬يجوز أن‮ ‬يتحول إلى واجب،‮ ‬وإذا كان بعض الفقهاء قد أباحوا لبعض النساء في‮ ‬بعض البيئات تغطية وجوههن،‮ ‬بقصد حماية المرأة والحفاظ على عفتها،‮ ‬والحرص على السلامة الاجتماعية،‮ ‬ومواجهة النهم الجنسي‮ ‬لبعض الرجال،‮ ‬فلا‮ ‬يجوز أن تتحول هذه الإباحة إلى‮ ‬واجب شرعي‮ ‬نلزم به كل النساء،‮ ‬إذ لا‮ ‬يجوز فرض أمر على المسلمين رجالاً أو نساء إلا بنص شرعي‮ ‬صريح‮. ‬ ومن هنا تؤكد أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر أن النقاب ثقافة وافدة على بعض المجتمعات العربية،‮ ‬وهذا التوصيف ليس حرباً على النقاب كما‮ ‬يعتقد البعض،‮ ‬وليس تحقيراً من شأنه فمعظم عالمات الجامعة الأزهرية لسن منتقبات،‮ ‬كما أن زوجات وبنات كبار علماء الأزهر الذين درسوا الإسلام وفهموه جيداً،‮ ‬وطبقوه على حياتهم العامة والخاصة،‮ ‬لم‮ ‬يكن منتقبات،‮ ‬وهذا‮ ‬يؤكد أن النقاب ليس بفرض‮، حيث لا توجد نصوص شرعية تفرض على المرأة تغطية وجهها. فوضى الإفتاء ‮ ‬المفكر الإسلامي‮ ‬د‮. ‬محمود حمدي‮ ‬زقزوق عضو هيئة كبار العلماء ووزير الأوقاف المصري‮ ‬الأسبق‮ ‬يضم صوته إلى صوت د‮. ‬سعاد صالح،‮ ‬ويؤكد أن النقاب ليس بفرض وأن تغطية وجوه النساء ليس واجباً دينياً كما‮ ‬يعتقد البعض،‮ ‬ولذلك‮ ‬يؤكد ضرورة مواجهة الأحكام الشرعية الخاطئة التي‮ ‬روج لها بعض دعاة التطرف الذين ابتلينا بهم في‮ ‬عالمنا العربي‮ ‬خلال السنوات الماضية، نتيجة الفوضى التي‮ ‬شهدتها ساحة الدعوة الإسلامية، وتصدى‮ ‬غير المؤهلين للإفتاء وبيان الأحكام الشرعية للناس فحرموا الحلال،‮ ‬وحللوا الحرام،‮ ‬وضيقوا على الناس ما وسعه الله عليهم، وخلطوا أحكام الشريعة الإسلامية وهي‮ ‬أحكام وسطية معتدلة بما سماه بعض العلماء ‬فقه البداوة‮.‬ ومن خلال دراسته المستوعبة للشريعة الإسلامية‮ ‬يؤكد د‮. ‬زقزوق أن تغطية وجوه النساء ليست من الواجبات الشرعية،‮ ‬وأن التوصيف الشرعي‮ ‬للنقاب أنه مجرد‮ ‬عادة‮ ‬قد تكون من العادات الطيبة أو الفضائل السلوكية إذا ما ترتب على كشف وجه امرأة معينة فتنة بين الرجال،‮ ‬وقد لا‮ ‬يكون سبباً للحرج إذا لم تكن له ضرورة وتسبب في‮ ‬تعويق مسيرة المرأة وقيامها بواجباتها الحياتية والوظيفية، كالتي‮ ‬تعمل في‮ ‬مهنة التمريض وتتسبب تغطية وجهها في‮ ‬تلويث ثيابها ونقل العدوى للمرضى،‮ ‬أو إثارة الشكوك فيها، حيث‮ ‬يجب اتخاذ كل ما‮ ‬يبعث الثقة في‮ ‬نفس المريض لمساعدته على الشفاء‮.‬ وهنا‮ ‬يحذر عضو هيئة كبار العلماء من إلباس اجتهادات البعض المتطرفة أو‮ ‬غير المنضبطة بقواعد الشريعة وضوابطها ثوب الشريعة ،وكأن هؤلاء الذين ابتلينا بهم في‮ ‬الفضائيات الدينية‮ ‬يتحدثون باسم الله ورسوله،‮ ‬ويؤكد أن الأحكام الشرعية تستمد من تعاليم الدين الصحيحة،‮ ‬وليس من اجتهادات خاطئة،‮ ‬أو عادات وتقاليد متوارثة،‮ ‬ويقول‮: ‬لا‮ ‬يوجد في‮ ‬تعاليم الدين ما‮ ‬يفرض على المرأة أن تغطي‮ ‬وجهها،‮ ‬ولا‮ ‬يوجد في‮ ‬تعاليم الدين الصحيحة ما‮ ‬يفرض على الممرضات في‮ ‬المستشفيات وتلميذات المرحلة الإعدادية والثانوية تغطية وجوههن، كما شاهدنا في‮ ‬مصر خلال السنوات الأخيرة‮.‬ أدلة واهية ويستشهد د‮. ‬زقزوق في‮ ‬تأكيد أن النقاب‮ ‬عادة‮ ‬وليس‮ ‬عبادة‮ ‬بما قاله عالم كبير له رصيده من العلم والفقه والثقافة،‮ ‬وحرصه على الثوابت الإسلامية وهو الداعية الراحل الشيخ محمد الغزالي‮ ‬الذي‮ ‬قال حرفياً: ‬إن المعارضين لكشف وجه المرأة‮ ‬يتمسكون بأدلة واهية،‮ ‬ويتصرفون في‮ ‬قضايا المرأة كلها على نحو‮ ‬يهز الكيان الروحي‮ ‬والثقافي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬لأمة أكلها الجهل والاعوجاج، لما حكمت على المرأة بالموت الأدبي‮ ‬والعلمي‮.‬ ويقول د‮. ‬زقزوق معقباً على كلمات الشيخ الغزالي‮: ‬شيخنا الجليل الذي‮ ‬عرف بحرصه على كل قيم وأخلاقيات وثوابت الإسلام‮، ‬يعني‮ ‬أن إخفاء وجه المرأة‮ ‬يعد حلقة في‮ ‬سلسلة متواصلة من الظلم الاجتماعي‮ ‬للمرأة الذي‮ ‬حكم عليها بالموت الأدبي‮ ‬والعلمي‮ ‬انطلاقاً من جهل بالدين،‮ ‬وانحراف عن تعاليمه الصحيحة‮.‬ ويضيف‮: ‬الحق أن هناك عادات وتقاليد بالية تريد أن تفرض نفسها على أحكام شريعتنا،‮ ‬ومن بينها إخفاء وجه المرأة تحت نقاب لم‮ ‬يفرضه الشرع،‮ ‬حيث لا‮ ‬يوجد في‮ ‬القرآن الكريم،‮ ‬ولا في‮ ‬السنة الشريفة،‮ ‬ولا في‮ ‬اجتهادات فقهاء المسلمين ما‮ ‬يجعل النقاب فريضة على المرأة،‮ ‬أو عبادة لا بد أن تحرص عليها،‮ ‬لأن العبادة لا تكون إلا بنص صريح‮.‬ لقد أمر الإسلام المسلمين بغض البصر،‮ ‬وغض البصر لا‮ ‬يكون إلا عند مطالعة الوجوه،‮ ‬فإذا كانت وجوه النساء مغطاة فمم ‬يغض المؤمنون أبصارهم؟ ويرى د‮. ‬زقزوق أن ظاهرة انتشار النقاب في‮ ‬بلادنا العربية والإسلامية، خاصة بين أوساط لا تحرص كثيراً على القيم والأخلاقيات الإسلامية ولا تلتزم بأداء العبادات كما‮ ‬ينبغي،‮ ‬يجب أن تحظى بدراسات جادة من جانب علماء النفس والتربية والاجتماع في‮ ‬بلادنا العربية والإسلامية للوقوف على الدوافع الحقيقية لنقاب فئات‮ ‬غير مدركة للحقائق الإسلامية،‮ ‬وغير ملتزمة بتعاليم وآداب الإسلام في‮ ‬حياتها الخاصة‮.‬ تجاوزات سلوكية تعود د‮. ‬سعاد صالح لتوضح مواصفات الزي الشرعي‮ ‬الصحيح وتقول‮: ‬الإسلام أمر المرأة أن تلتزم في‮ ‬ثيابها وسلوكها خارج المنزل بكل ما‮ ‬يحفظ كرامتها،‮ ‬ويصون عفافها،‮ ‬ويحميها ويحمي‮ ‬المجتمع كله من الإسفاف والابتذال،‮ ‬والمطلوب من المرأة كما قال فقهاء الإسلام أن ترتدي‮ ‬الملابس التي‮ ‬تستر عورتها،‮ ‬وتحافظ على كرامتها،‮ ‬وقالوا إن بدن المرأة عورة ماعدا الوجه والكفين،‮ ‬ولو وصلنا إلى مرحلة إقناع بناتنا وزوجاتنا بذلك نكون قد حققنا أفضل ما‮ ‬يطالبنا به ديننا، خاصة في‮ ‬ظل البعد عن تعاليم وأخلاقيات وآداب الإسلام بين الناس ومنهم فئة كبيرة من النساء‮.‬ وتقول‮: ‬لا‮ ‬يجوز لأحد الآن أن‮ ‬يزعم أن فرض النقاب على موظفات أو تلميذات في‮ ‬المدارس،‮ ‬أو ممرضات في‮ ‬مستشفيات،‮ ‬هو واجب كل الرجال،‮ ‬أو‮ ‬يدعي‮ ‬أن ذلك علامة على التدين والورع والتقوى،‮ ‬ولا‮ ‬يحق لأحد أن‮ ‬يرى في‮ ‬ذلك حرية شخصية لا دخل للآخرين فيها‮.. ‬فحرية الإنسان لا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يترتب عليها ضرر للمجتمع،‮ ‬وقد استغل النقاب في‮ ‬العديد من الدول العربية والإسلامية في‮ ‬ارتكاب جرائم،‮ ‬وفي‮ ‬تجاوزات سلوكية وأخلاقية، حيث احتمى به اللصوص وبعض القتلة والمنحرفين أخلاقياً،‮ ‬وما‮ ‬ينشر في‮ ‬الصحف من جرائم متلاحقة عن تستر مرتكبيها خلف النقاب خير دليل على ذلك‮.‬ وينتهي‮ ‬عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إلى القول بعدم فرضية النقاب،‮ ‬وفقاً لما قال به جمهور الفقهاء‮.. ‬فالمرأة مادامت تلبس الملابس المحتشمة التي‮ ‬لا تصف شيئاً من جسدها ولا تكشف شيئاً منه سوى وجهها وكفيها،‮ ‬فإن لباسها في‮ ‬هذه الحالة‮ ‬يكون لباساً شرعياً صحيحاً،‮ ‬وأن المرأة التي‮ ‬تستر جسدها بأي‮ ‬لباس ساتر،‮ ‬وتكشف عن وجهها وكفيها ليست آثمة ولا مخالفة لتعاليم وأحكام دينها‮. ‬ الزي‮ ‬الشرعي ‮ ‬د‮. ‬علي‮ ‬جمعة مفتي‮ ‬مصر السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر‮ ‬يؤكد أن المشروع في‮ ‬مسألة لباس المرأة هو‮ ‬الحجاب‮ ‬وليس‮ ‬النقاب‮‬،‮ ‬ويقول‮: ‬فضلاً عن الآية القرآنية التي‮ ‬استدل بها جمهور الفقهاء على عدم فرضية النقاب وهي‮ ‬قوله تعالى‮: ‬وقل للمؤمنات‮ ‬يغضضن من أبصارهن‮...‬ هناك الحديث الصحيح الذي‮ ‬روته السيدة عائشة رضي‮ ‬الله عنها أن أسماء بنت أبي‮ ‬بكر رضي‮ ‬الله عنهما،‮ ‬دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها الرسول وقال‮: ‬يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن‮ ‬يرى منها إلا هذا وهذا‮.. ‬وأشار إلى وجهه وكفيه ، صلى الله عليه وسلم‮.‬ وهنا‮ ‬يوضح د‮. ‬علي‮ ‬جمعة أن الزي‮ ‬الشرعي‮ ‬المطلوب من المرأة المسلمة هو كل زي‮ ‬لا‮ ‬يصف مفاتن الجسد ولا‮ ‬يشف،‮ ‬ويستر الجسم كله ما عدا الوجه والكفين،‮ ‬ولذلك لا مانع من أن تلبس المرأة الملابس الملونة الجميلة بشرط ألا تكون لافتة للنظر أو مثيرة للفتنة‮.. ‬فإذا تحققت هذه الشروط على أي‮ ‬لباس جاز للمرأة المسلمة أن ترتديه وتخرج به‮.‬ ويضيف مفتي‮ ‬مصر‮: ‬أما النقاب الذي‮ ‬يغطي‮ ‬الوجه،‮ ‬فالصحيح أنه ليس واجباً،‮ ‬وأن عورة المرأة المسلمة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين،‮ ‬فيجوز لها كشفهما‮.. ‬هذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية وغيرهم من العلماء القدامى والمعاصرين‮.‬ وأشار مفتي‮ ‬مصر السابق إلى دراسة فقهية أعدتها دار الإفتاء المصرية انتهت فيها إلى أن قضية ثياب المرأة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعادات الشعوب،‮ ‬حيث تختلف الثياب من بلد إلى آخر في‮ ‬مواصفاتها وأشكالها بعيداً عن شرعيتها،‮ ‬فهناك مجتمعات عربية أو إسلامية قد‮ ‬يتفق النقاب مع عاداتها وتقاليدها، وهنا لا مانع شرعاً من الحرص عليه لأنه‮ ‬يدعم قيماً اجتماعية موجودة ومتأصلة في‮ ‬المجتمع‮، أما دينياً فإن شريعتنا لم تفرض على النساء لباساً واجباً بمواصفات معينة.

مشاركة :