ارتبط شهر رمضان منذ سنوات بعيدة بعادات وتقاليد وطقوس خاصة، لا تحدث في سواه من شهور السنة، وفي الإمارات كانت الأجواء الروحانية والإقبال على العبادة والتقرب إلى الله، بالإضافة إلى التواصل الاجتماعي والتكافل بين السكان، سمات طالما صاحبت الشهر الكريم وارتبطت به في ذاكرة الكثيرين. بشكل عام كانت مظاهر شهر رمضان تتسم بالبساطة، مثل طبيعة الحياة في ذلك الوقت، ورغم بساطتها؛ كانت قادرة على إدخال السرور في نفوس الكبار والصغار على السواء. فكان التقارب بين سكان الفريج والأسر المقيمة فيه من أبرز مظاهر شهر رمضان في الإمارات قديماً، وهو ما يظهر بوضوح عند اقتراب موعد أذان المغرب، حيث كانت توضع الموائد ويجتمع الجيران في بيت أحدهم، ويأتي كل منهم بإفطاره. في حين كان الموسرون يقيمون الموائد، ويدعون إليها الآخرين، ويكثرون من دعوة الصائمين للإفطار لديهم، ويرحبون بهم سعياً لكسب الثواب. على خلاف ما يحدث في الوقت الحالي من إسراف وتبذير في استهلاك الطعام، وقيام أغلب الأسر بإعداد أصناف وأشكال من الأطعمة والحلويات تفوق حاجتها، وفي نهاية اليوم يتم التخلص منها لإعداد غيرها في اليوم التالي؛ كانت مائدة الإفطار في رمضان قديماً تعكس بساطة الحياة في ذلك الوقت، فلم يكن هناك تبذير أو إسراف، بل اعتماد كبير على البيئة وما يتوافر فيها من أطعمة، لذلك كان إفطار وسحور رمضان لدى أغلب الناس بسيطين، وكان التمر واللبن أو الحليب والماء عناصر رئيسة في طعام رمضان، وكثيراً ما كان الرجال يذهبون إلى المساجد للصلاة وكل منهم يحمل طبقاً من الطعام الذي لديه في المنزل، وعقب الصلاة يتجمعون لتناول الطعام معاً. وإلى جانب الأطعمة الرئيسة؛ كانت الأسر تعد أنواعاً من الحلويات مثل الساقو والخبيص والعصيد واللقيمات، أما القهوة فكانت لها مكانتها الخاصة في المنازل والمجالس. إلى جانب المائدة الرمضانية والتقارب بين أفراد المجتمع، ارتبط رمضان بطقوس بداية من استطلاع رؤية الهلال في ليلة الرؤية، أو «التحري»، حيث يجري فيها تحري رؤية الهلال، الذي كان يتم بالنظر إلى السماء عبر منظار غالباً، ويقوم بذلك أشخاص محل ثقة في المجتمع، وبمجرد ثبوت رؤية هلال رمضان؛ ينطلق مدفع رمضان، وبعض الأعيرة النارية، ليخرج الناس إلى الشوارع لتهنئة بعضهم بعضاً، ويتوجه الرجال إلى المساجد لتأدية صلاة التراويح. ويعد مدفع الإفطار من العلامات المميزة لشهر رمضان، فعلى صوته كان يفطر السكان في السابق، خصوصاً أن المناطق السكنية كانت محدودة ومتقاربة، فكان صوت المدفع يصل إلى جميع السكان معلناً موعد الإفطار، وكان مدفع الإفطار في أبوظبي يقف في ساحة قصر الحصن. ويمثل «أبوطبيلة»، الذي يعرف في بعض الدول العربية باسم المسحراتي، أحد المشاهد المهمة التي ترسم ملامح أجواء رمضان قديماً، وهو مشهد اندثر في الوقت الحالي ولم يعد أحد يراه، و«أبوطبيلة» هو رجل يقوم بتنبيه الناس إلى موعد السحور، فكان يدور في الطرقات على قدميه، أو راكباً حماره، وفي يده طبلة صغيرة يدق عليها مردداً عبارة «يا نايم قم اتسحر» بوقع خاص، وبصوت مرتفع حتى يصل إلى أكبر عدد من الناس. ولم يكن «أبوطبيلة» يحصل على أجر نظير هذا العمل، لكن مع انتهاء شهر رمضان وقدوم عيد الفطر كان يدور على بيوت الفريج فيقوم سكانها بتقديم نقود أو هدايا أو أطعمة له. أيضاً يحتل شهر رمضان مكانة خاصة لدى الأطفال الصغار، فكان يمثل بالنسبة لهم مناسبة للاحتفال والخروج إلى طرقات الفريج، والبقاء فيها إلى ما بعد المغرب، وهو أمر لا يحدث في بقية شهور السنة، حيث يجتمعون للعب ويمارسون الألعاب الشعبية المختلفة، وكانوا يصرون على الصيام مثل الكبار، فكان الجميع يصوم في نهار رمضان، وقد يتمكن بعض الأطفال من إكمال صيام اليوم، والبعض الآخر لا يستطيع خصوصاً في ظل حرارة الجو وصعوبة الطقس، فيختلس شربة ماء أو بعض الطعام. جامع الشيخ زايد يستقطب جامع الشيخ زايد الكبير بأبوظبي خلال رمضان آلاف الأشخاص بفضل ما يقدمه أثناء الشهر الفضيل، إذ يقيم خياماً يستقبل فيها الصائمين لتقديم الإفطار لهم. كما ينظم سلسلة من الندوات واللقاءات الدينية التي يقدمها عدد من العلماء. واستقبل جامع الشيخ زايد في رمضان الماضي وإجازة عيد الفطر، نحو مليون صائم ومصلٍّ وزائر. مير رمضان كان الاستعداد لشهر رمضان يبدأ من أواخر شهر شعبان؛ فكان الناس يقصدون الأسواق لشراء احتياجاتهم من المؤن والطعام، خصوصاً العيش والطحين والقهوة، وكانت هذه المواد الغذائية الرئيسة تسمي «مير رمضان». أما في الوقت الحاضر فقد أصبحت تطلق على المساعدات التي تقدمها العديد من الجهات الخيرية في الإمارات للأسر المتعففة من مواد غذائية. مجالس رمضانية يحرص كثير من سكان الإمارات على استعادة أجواء رمضان قديماً، والحفاظ على العادات التي ارتبطت به، فيقيمون مجالس أمام منازلهم، يستقبلون فيها الأهل والجيران والأصدقاء لتناول الإفطار، وتبادل الأحاديث في مختلف الموضوعات التي تهم المجتمع، وقد يقوم البعض بقراءة القرآن الكريم أو إلقاء درس ديني، ويستمر السمر وتبادل الأحاديث إلى ما بعد منتصف الليل. وربما كان الاختلاف الجوهري الذي يميز شهر رمضان قديماً عنه حالياً، هو الأجواء الروحانية والدينية التي كانت تفرض نفسها على الحياة خلال الشهر، على عكس الوقت الحالي الذي تتوزع فيه اهتمامات الناس في نهار رمضان على إعداد وتجهيز موائد الإفطار العامرة، وبعد الإفطار على ما تعرضه القنوات التلفزيونية من مسلسلات وبرامج تبتلع الفترة الممتدة من الإفطار وحتى بدء صيام اليوم التالي، في حين يفضل البعض الخروج إلى المراكز التجارية والخيم الرمضانية المزودة بكل وسائل التسلية وألذ الأطعمة والحلويات. أما قديما؛ فلم تكن هذه المغريات موجودة، وكان اهتمام الناس ينصب، بعد تأدية أعمالهم اليومية، على الإكثار من العبادات وعلى قراءة القرآن الكريم، وختم المصحف مرة أو أكثر، وحضور الدروس والحلقات الدينية في المساجد. ولم يكن هذا الأمر يقتصر على الرجال فقط، فكانت النساء كذلك يحرصن على الذهاب إلى المسجد وتأدية صلاة التراويح وحضور بعض الحلقات الدينية. أما في الصباح؛ وقبل أن تنشغل النساء في أعمال المنزل وإعداد الطعام، فكن يجتمعن عند المطوعة لتلقي الدروس الدينية، بعد ذلك ينصرفن إلى إعداد الإفطار، الذي غالباً ما كان يتنوع بين وجبات معروفة، مثل الهريس والعيش، إلى جانب حلويات، مثل الخبز المحلي واللقيمات، وعند الإفطار وبينما يجتمع الرجال في المسجد أو في أحد البيوت لتناول الطعام، كانت النساء أيضاً يجتمعن كل يوم في منزل واحدة من سكان الفريج للإفطار، وقد أحضرت كل واحدة منهن من الأصناف التي أعدتها في منزلها، وهو ما يعكس أجواء من المودة والتواصل والتراحم بين الجيران لم تعد موجودة في الوقت الحالي، في ظل الحياة العصرية التي ينكفئ فيها كل شخص على ذاته، وتعيش الأسر في المبنى نفسه من دون أن تكون بينها معرفة أو علاقات اجتماعية. أرقام وأحداث 480 استقبل جامع الشيخ زايد الكبير نحو 480 ألف صائم قدم لهم الإفطار ضمن مشروع «ضيوفنا الصائمون» في 2015. 1970 يعتبر المدفع المستخدم في الإعلان عن موعد الإفطار في رمضان من أول أنواع المدافع التي أدخلت الخدمة بوحدات المدفعية في قوة دفاع أبوظبي عام 1970. 7 كان من المعتاد أن يبدأ الأطفال الصوم في عمر السابعة، ويشجعهم الأهل على ذلك حتى يعتادوا الصوم. 11 اختارت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي 11 قارئاً لإحياء ليالي رمضان هذا العام، ضمن استعدادات اللجنة المنظمة لفعاليات «قراء دبي» التي تنظمها الدائرة برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. معاناة كان الآباء والأجداد يعانون بشدة من صعوبة الطقس خلال الصيام عندما يأتي شهر رمضان في فصل الصيف، خصوصاً أنهم كانوا يمارسون أعمالا شاقة مثل الصيد أو الغوص أو الرعي، ولم تكن هناك وسائل لمساعدتهم على تخفيف حدة الحر، فكانوا يستخدمون وسائل بسيطة مثل المهفة التي كانت تستخدم للتهوية، وأحياناً يقوم الرجل بارتداء ملابس مبللة بالماء. أيضاً كانت النساء تتحايل على حرارة الجو بتبريد مياه الشرب بوضعها في أوانٍ فخارية تسمى «الحب»، ولفه بالخيش وتعليقه في مكان به تيار بارد.
مشاركة :