روحانية شهر رمضان المبارك تسابقه الي أفئدة عباده المؤمنين الصائمين الذين يسألون الله أن يكونوا ممن احياهم الله حتى يهل هلاله ويفوزون بصيامه ونيل مرضاة ربهم ومغفرته والفوز بالجنة والعتق من النار. وصوم رمضان احد اركان الاسلام وهو مما خص الله به أمة الاسلام وهو احدى النعم التي انعم الله بها على عباده المؤمنين التي قال الله عنها ( واتممت عليكم نعمتي.. الآية ) ولكن الصيام بهذه الكيفية هو خاص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد في الكتاب والسنة . وعندما نتأمل آيات القران الكريم نجد حتى الامم السابقة فرض الله عليها الصيام لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يقول الشيخ بن باز رحمه الله {دلت هذه الآية الكريمة على أن الصيام عبادة قديمة فرضت على من قبلنا كما فرضت علينا ، ولكن هل هم متقيدون بالصيام في رمضان أم في غيره ؟ هذا لا أعلم فيه نصا عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى . "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/7) } وليس الصوم وحده الذي ذكره الله فيمن قبلنا بل الاسلام كله ذكره الله في امم قبل امة محمد صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ بن باز رحمه الله ( ودين الإسلام هو: الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه منذ الأزل، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19] وقال تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ *إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:130-132] ودين الإسلام هو الطريق المستقيم الموصل إلى الله كما ورد في تفسير سورة الفاتحة، فإن العبد يدعو ربه بأن يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يبعده عن طريق المغضوب عليهم وهم اليهود الذين عصوا الله عن علم ومعرفة، وطريق الضالين وهم النصارى الذين يعبدون الله على جهل وضلال. ومما ذكرناه يتضح أن الطريق إلى الله واحد وهو دين الإسلام وهو الذي بعث الله به نبيه محمدا ﷺ كما بعث جميع الرسل وإن جميع ما خالفه من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو وثنية أو غير ذلك من نحل الكفر كله باطل، وليس طريقا إلى الله ولا يوصل إلى جنته وإنما يوصل إلى غضبه وعذابه، كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] وقال النبي ﷺ: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار رواه الإمام مسلم في صحيحه.) والاستعداد لصيام شهر رمضان هو استعداد لعبادة عظيمة يخلص فيها العبد مع ربه ابتغاء مرضاته وهذا يحتاج من المؤمن الاخلاص والعلم بماهو مقدم عليه من عمل تعبدي في هذا الشهر يبتغي به وجه الله وان يعقد العزم على الصيام والقيام وصالح الاعمال تقربا لله وابتغاء مرضاته يقول الشيخ بن باز رحمه الله ( وقال عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، والمعنى: من صامه إيماناً بشرع الله له وتصديقاً بذلك، واحتساب الأجر عنده سبحانه وتعالى لا مجرد تقليده للناس ولا رياء، لا، بل يصومه احتساباً يرجو ما عند الله ، ويؤمن بأنه فرض عليه شرعه الله له، فهذا يكون صومه فيه خير عظيم ومن أسباب المغفرة، وهكذا قيام رمضان عن إيمان واحتساب يكون من أسباب المغفرة، أما من صامه رياء أو تقليداً للناس أو مجاملة أو ما أشبه ذلك فليس له هذا الفضل. ثم الواجب على المؤمن أن يصونه وعلى المؤمنة كذلك أن تصون هذا الصيام من المعاصي، فإن المعاصي تجرحه وتضعف ثوابه، فالواجب على المؤمن وعلى المؤمنة أن يصونا هذا الصيام من سائر المعاصي؛ من الغيبة والنميمة، وأكل الحرام وسائر المعاصي، كل واحد يحاسب نفسه فيتقي الله في كل شيء حتى يبتعد عما يجرح صومه وينقص ثوابه، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه رواه البخاري في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: ليس الصيام من الطعام والشراب إنما الصيام من اللغو والرفث، قال بعض السلف: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء)، فالصائم قد فعل عبادة عظيمة وتلبس بعبادة عظيمة، وهي سر بينه وبين ربه سبحانه وتعالى فيجب عليه أن يصونها ويحفظها من كل ما يجرحها وينقص ثوابها حتى يؤديها كاملة. وهكذا يقول صلى الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وليلة القدر ليلة عظيمة في العشر الأخيرة من رمضان، شأنها عظيم، قال فيها الرب : إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ *لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ *سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:1-5]، فهذه الليلة ليلة عظيمة العمل فيها والاجتهاد فيها بأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر مما سواها، وهذا فضل عظيم، وقال فيها سبحانه: حم *وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ *إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ *فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ *أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ[الدخان:1-5]، فهي ليلة عظيمة تقدر فيها حوادث السنة، فينبغي للمؤمن أن يغتنمها أيضاً إذا بلغه الله العشر الأخيرة، وأن يجتهد في هذه العشر بأنواع العبادة من صلاة وذكر وقراءة وصدقات وغير ذلك حتى يفوز بهذه الليلة، ولاشك أن من قام العشر الأخيرة محتسباً فإنه يدركها ولابد؛ لأنها واحدة منها. فعلينا جميعاً معشر المسلمين من ذكور وإناث أن نعرف لهذا الشهر قدره، وأن نصون صيامنا وقيامنا عما يجرحه من سائر المعاصي، وأن نستكثر فيه من أنواع الخير، هذا زمن المسابقة، هذا ميدان السباق بالخير، فينبغي للمؤمن أن يسابق وينافس في هذا الشهر الكريم بأنواع الذكر والاستكثار من قراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل ليلاً ونهاراً، والإكثار من الصدقة، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وكثرة الاستغفار والدعاء، وعيادة المريض.. إلى غير هذا من وجوه الخير، رزقنا الله وإياكم الاستقامة وبلغنا وإياكم صيامه وقيامه.) وإذا كنا نسأل الله تعالى أن يتولانا برحمته وعطفه؛ فعلينا أن نرحم عباده حتى نستحق الرحمة، فقد جُعلت الرحمة الأرضية سبباً في الرحمة الإلهية كما قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)رواه الترمذي (1924)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (922). ولقد خص الله عز وجل شهر رمضان بفضائل وخصائص عن بقية الشهور , ومن ذلك : 1- أن الله عز وجل جعل صومه الركن الرابع من أركان الإسلام , كما قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه ) البقرة / 185 ، وثبت في "الصحيحين" (البخاري ( 8 ) ، ومسلم ( 16 ) من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمدا عبد الله ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت . 2- أن الله عز وجل أنزل فيه القرآن ، كما قال تعالى في الآية السابقة : أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( 184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ البقرة / 184- 185 . 3- أن الله جعل فيه ليلة القدر , التي هي خير من ألف شهر , كما قال تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ القدر / 1_5 . 3-وقال أيضا : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ الدخان / 3 . 4- أن الله عز وجل جعل صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا سببا لمغفرة الذنوب , كما ثبت في " الصحيحين " البخاري ( 2014 ) ، ومسلم ( 760 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه و فيهما البخاري ( 2008 ) ، ومسلم ( 174 ) أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . 5- أن الله عز وجل يفتح فيه أبواب الجنان ، ويُغلق فيه أبواب النيران ، ويُصفِّد فيه الشياطين ، كما ثبت في "الصحيحين" ( البخاري ( 1898 ) ، ومسلم ( 1079 ) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة , وغلقت أبواب النار , وصُفِّدت الشياطين . 6- أن لله في كل ليلة منه عتقاء من النار ، روى الإمام أحمد (5/256) من حديث أبي أُمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لله عند كل فطر عتقاء . قال المنذري : إسناده لا بأس به . وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (987) . وروى البزار (كشف_ 962) من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة _ يعني في رمضان _ , وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة صححه الألباني في "صحيح الترغيب" ( 1002 ) . 7- أن صيامَ رمضان سببٌ لتكفير الذنوب التي سبقته من رمضان الذي قبله إذا اجتنبت الكبائر ، كما ثبت في "صحيح مسلم" (233) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الصلوات الخمس , والجمعة إلى الجمعة , ورمضان إلى رمضان , مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر . 8- أن صيامه ثم صيام ستة شوال كصيام الدهر يعدل صيام عشرة أشهر , كما يدل على ذلك ما ثبت في "صحيح مسلم" (1164) من حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صام رمضان , ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر . 9- أن من قام فيه مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ، لما ثبت عند أبي داود (1370) وغيره من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة صححه الألباني في "صلاة التراويح" (ص 15). 10- أن العمرة فيه تعدل حجة ، روى البخاري (1782) ، ومسلم (1256) عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار : ما منعك أن تحجي معنا ؟ قالت : لم يكن لنا إلا ناضحان ، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح ، وترك لنا ناضحا ننضح عليه ، قال : " فإذا جاء رمضان فاعتمري ، فإن عمرة فيه تعدل حجة ،وفي رواية لمسلم : حجة معي والناضح : هو البعير يسقون عليه . وقد لا أعجب للذي يرسل لمن له بهم علاقة اخوة أو عمل او غير ذلك يطلب منهما لعفو والمسامحة قبل صيام الشهر إذا لم تكن مجرد رسالة عابرة او مجاملة بل يجب ان تكون خالصة لوجه الله فهذا الشهر عبادة عظيمة يجب على كل مؤمن ومؤمنة الاجتهاد فيها وابتغاء مرضاة الله وطلب مغفرته لما سلف من تقصير لعل الله ان يشملنا برحمته ومغفرته وان يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الاعمال وان يتقبل توبتنا وصدق الالتجاء إليه وقد نقلت لكم ما ذكر بعالية لأني احوج لها منكم فقرأت ونقلت واضفت سائلا المولى حل وغلا الاخلاص في القول والعمل وان يجعلنا وإياكم ممن ادرك شهر رمضان ووفق لصيامه وقيامه على الوجه الذي يرضي ربنا سبحانه هذا ما تيسر جمعه ونقله بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك والله الموفق والهادي .
مشاركة :