هل يُجرّب بعض الأوروبيين حكم اليمين المتطرف؟

  • 6/5/2016
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

حين تتفاقم الأزمة، ويزداد شعور الناس بأن الأوضاع تسوء، قد يتطلع بعضهم إلى ما لا يُدركون أنه قد يكون أسوأ. في أيار (مايو) 2006، عبّر الأديب الراحل نجيب محفوظ عن اعتقاده بأن المصريين يريدون أن يُجرّبوا حكم «الإخوان المسلمين». كان «الإخوان» حصدوا قبل ذلك بشهور نحو 20 في المئة من مقاعد مجلس النواب. وكان كثيرون من المصريين يبحثون عن بديل نتيجة تدهور الأوضاع آنذاك. وبسبب ضعف الأحزاب السياسية والحصار المضروب عليها، بدا «الإخوان» بديلاً ممكناً لقطاع متزايد منهم. ربما تعمّد محفوظ بحكمته أن يوجه رسالة مبكرة إلى «الإخوان» لينبههم إلى أن وصولهم إلى الحكم لن يكون في حال حدوثه إلا تجربة يخضعون فيها لاختبار عسير. وقد فشلوا في هذا الاختبار بسرعة قياسية. وعلى رغم أن مقـومات المقارنة تبدو ضعيفة، يظل ممكناً الانطلاق منها للتساؤل عما اذا كان استعداد أعداد معتبرة من الناخبين في غير بلد أوروبي لتجريب حكم اليمين المتطرف بلغ المدى اللازم لحمل أحد أحزابه الى السلطة في المدى القصير. قبل أسبوعين تقريباً كان مرشح حزب «الحرية» اليميني المتطرف نوربرت هوفر في النمسا قاب قوسين أو أدنى من رئاسة الدولة. لكنه خسر الجولة الثانية بفارق طفيف لم يزد على 144 ألف صوت. ولا تُعد النمسا فريدة على رغم أنها البلد الأوروبي الوحيد الذي وصل اليمين المتطرف إلى السلطة فيه (العام 2000) بعد هزيمة النازية والفاشية، حين حصل حزب «الحرية» على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية. لكن إجراءات المقاطعة التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي ضد الحكومة الائتلافية التي شكَّلها عجَّلت بسقوطها. هزيمة مرشح اليمين المتطرف في النمسا لا تكفي جواباً شافياً عن السؤال عما إذا كان بعض الأوروبيين يريد تجريب حكم هذا اليمين. ولا يعود ذلك إلى أن هوفر خسر بفارق طفيف فقط، بل إلى طبيعة حملة منافسه الفائز التي اعتمدت منهجاً لا يختلف في جوهره عن ذلك الذي يتبعه اليمين المتطرف. ففي مواجهة تخويف الناخبين من خطر استقبال لاجئين، كان التخويف من عنصرية اليمين المتطرف محور تلك الحملة، وليس طرح برنامج يفتح باباً للأمل أمام الغاضبين من فشل الأحزاب التقليدية. ولعل هذا يفسر كثافة تصويت النساء ضد هوفر خوفاً من عنصريته التي تنطوي على ميول ذكورية. لذلك يظل الجواب عن سؤال اليمين المتطرف بانتظار الانتخابات الفرنسية في الربيع المقبل. ويحقق حزب الجبهة الوطنية في هذه الأثناء تقدماً ملموساً في استطلاعات الرأي العام. وتبدو زعيمته ماري لوبن متفوقة على قادة الطبقة السياسية التقليدية. يستند هذا اليمين الفرنسي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، وليس التخويف من اللاجئين فقط. كما أن الاحتجاجات الواسعة المترتبة على تعديل قانون العمل تثير أجواء غضب عام يستطيع اليمين المتطرف استغلالها لمصلحته، إذا نجح في عبور الاختبار الصعب المتمثل في سعيه إلى استثمار رفض هذا التشريع الذي لا يعارضه. فقد أدى إفلاس حكومة الحزب الاشتراكي إلى تبني سياسة مغرقة في اليمينية، ربما نتيجة اعتقاد بأن الاتجاه إلى مثل هذه السياسة يقطع الطريق على اليمين الجديد. غير أن مثل هذا الاتجاه الذي يؤدي إلى توسيع مساحة الفقر يساهم في دفع مزيد من الفقراء إلى الارتماء في أحضان اليمين المتطرف. وكانت هذه رسالة كين لوتش صاحب «السعفة الذهبية» في مهرجان «كان» قبل أيام، حين حذّر من أن سياسة التقشف في أوروبا تؤدي إلى صعود اليمين المتطرف. كما يسعى هذا اليمين إلى استغلال الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا عبر لوم الحكومة الحالية عموماً وموقفها تجاه الفرنسيين المسلمين بصفة خاصة. ويبرع حزب الجبهة الوطنية في الربط بين قضية اللاجئين ومسألة الإرهاب والأزمة الاقتصادية، وجمعها في خلطة واحدة مُبسّطة مؤداها أن ازدياد عدد «الأجانب» يعني مزيداً من المعاناة للمواطنين اقتصادياً وأمنياً. ومع ذلك ربما يكون ارتفاع مستوى الوعي العام في أوروبا قياساً على مصر ومنطقتها كافياً لمن يرغبون في التمسك بالتفاؤل بأن يقف صعود اليمين الجديد في بعض البلاد الأوروبية عند حد. ودعمت نتائج انتخابات عمدة لندن الشهر الماضي هذا التفاؤل عندما فاز صادق خان المسلم ذو الأصل الباكستاني، على رغم ضراوة حملات الكراهية التي شُنت ضده. فقد انتصرت قيمة التعدد والتنوع الثقافي التي يكرهها اليمين المتطرف. وبعيداً من التفاؤل والتشاؤم، يعاني هذا اليمين نقطة ضعف مهمة، هي افتقاده رؤية بديلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية. فهذا تيار يعتمد على استغلال الإحباط من أداء الأحزاب التقليدية، من دون أن يسمح خواؤه الفكري بتقديم حلول تفتح باباً حقيقياً لتجاوز هذا الإحباط. غير أن ارتفاع مستوى الوعي العام وانخفاض قدرة اليمين الجديد على تقديم بديل واضح، قد لا يضمنان إخفاقه في إقناع الناخبين بأن يُجرّبوه، بخاصة أولئك الذين يئسوا من الأحزاب التقليدية. وفي فرنسا يفيد معظم الاستطلاعات بأن الثقة بهذه الأحزاب تتضاءل في شكل مضطرد. وعلى رغم أن حضور اليمين المتطرف لم يبلغ في أي بلد أوروبي المستوى الذي وصل إليه في فرنسا، فضلاً عن النمسا، لا يخفى الأثر الهائل الذي يمكن أن يترتب على وصوله إلى الحكم في هذا البلد الثاني من حيث الأهمية في الاتحاد الأوروبي. فقد يؤدي ذلك إذا حدث، إلى مد يميني متطرف يمكن أن يصل إلى الدولة الأكبر الآن في هذا الاتحاد، حيث يسعى حزب «البديل من أجل ألمانيا» إلى عبور الحاجز المتمثل في مأسوية الماضي النازي. وإذ يصعب إنكار أنه يحقق تقدماً بطيئاً، فليس سهلاً إغفال ما يراه مراقبون، لاحظوا تجاوب قطاعات من الجمهور مع الشعارات النازية التي يرددها الممثل أوليفر ماسوتشي الذي يُجسّد دور هتلر، وقد عاد بعد نحو 70 عاماً على انتحاره، في فيلم Look Who’s Back. هكذا تبدو أوروبا الآن في مفترق طرق تاريخي، لا يقل أهمية عن ذلك الذي عبرته عند صعود الفاشية ثم الشيوعية في القرن العشرين.

مشاركة :