لا يمكن أن تخطر لي ذكرى محسن محمد من دون أن أبتسم بعفوية سريعة. حتى عندما أُخبرتُ أن المرض أقعده، وأنه ما زال يكتب من سريره، ارتسمت الابتسامة قبل أن أتنبه إلى أن حتى محسن محمد يمكن أن يكون محزنًا أحيانًا: محزنًا لا كئيبًا. تعرفت إليه في مجلس أمير البحرين العزيز الشيخ عيسى بن سلمان. كان محسن يضحك ويُضحك الجميع، وخصوصًا ذلك المتواضع الماسي، الذي كان يشعر جميع زواره بأنه هناك فقط لاستقبالهم وتوديعهم عند باب السيارة، وكأنما دائرة التشريفات في قصر الرفاع تعاني نقصًا حادًا. ومحسن كانت له مكانة خاصة في قلب الأمير. وكان يطيب له أن يفتح أمامه باب إفراح المجلس، فيقول له: «أخبر الجماعة عن معاناتك مع الحكومة»، فيبدأ محسن سلسلة من المظالم الضاحكة على الحكومة التي هي زوجته. ثم اكتشفت أنه يسمي الحكومة كل من يوقر. وذات يوم، وصلت إلى القاهرة على طائرة وزير إعلام البحرين طارق المؤيد، وكان في استقباله وزير الإعلام المصري صفوت الشريف، ومجموعة كبيرة من الصحافيين. وعندما لمحت محسن محمد، نسيت البروتوكول، واندفعت لكي أسلم عليه، فردني برفق، وتقدم من المؤيد وهو يقول لي: «مش تسلم على الحكومة أولاً». كان محسن صحافيًا كبيرًا، بلا معارك. إلا إذا فُرضت عليه. وحتى المرات القليلة التي استل فيها قلمه من غمده، عاد فاعتذر عنها، لأن قلبه كان يفضل أن يكون مظلومًا على أن يكون ظالمًا، وحتى الصحف القومية كان يفضل أن يسميها الحكومية بلا ثورية أو دوران. وقد ترك في هذه الصحافة سجلاً لا يُنسى عندما أصبح رئيس تحرير «الجمهورية» ورئيس مجلس إدارتها نحو 11 عامًا، بدءًا من 1977. وفي هذه الحقبة، ارتفع توزيعها من 38 ألف نسخة إلى 880 ألفًا، والعدد الأسبوعي إلى مليون. وكان يوم هزيمته الكبرى عندما أبعد عن رئاسة التحرير، وأبقي رئيسًا لمجلس الإدارة، وأعطي المنصب يومها للزميل محفوظ الأنصاري. وقال محسن، فيما بعد، إن الرجل الذي كان وراء القرار هو مستشار الرئيس أسامة الباز. وسُئل محسن ماذا فعل لكي يرفع توزيع «الجمهورية»، فقال بكل جدية إنه درس تجربة «البرافدا» السوفياتية، وقرر أن يعمل بعكسها تمامًا. وقال إنه قرر أيضًا أن تكون «الجمهورية» صحيفة الناس، لا الحكومة ولا المعارضة. وبدل أن يركز الاهتمام على القاهرة، راح يبعث المراسلين إلى المناطق والأرياف. واستعار من صحف السويد فكرة الاهتمام بأعياد ميلاد الناس العاديين. وبعد إقالته، سُئل عن رأيه في خلفه، فقال: «بلاش والنبي». وسأله صحافي: «هل الرئيس مبارك مصري أم عربي»؟ فقال: «اقفل التسجيل حتى أقول لك». وسُئل إن كان سمير رجب الذي أتى به إلى «الجمهورية» قد كافأه، فأجاب: «نعم. بالصرماية العتيقة».
مشاركة :