يعد مسجد الإمام البوصيري في مدينة الإسكندرية، من أجمل الشواهد على روعة المعمار الإسلامي وإبداع الإنسان المسلم على امتداد العصور، إذ يشكل هذا الجامع أحد أبرز معالم المدينة وأجملها إلى جانب مجموعة من الأضرحة والمساجد التي تجاوره. ويعود اسم المسجد إلى الإمام الصوفي والشاعر شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد حماد بن محسن - الملقب بالبوصيري نسبة إلى مدينة بوصير بصعيد مصر، الذي عاش في الفترة من 1213م - 1295م، وينتمي أجداده إلى فرع من قبيلة صنهاجة ببلاد المغرب. واشتهر الإمام شرف الدين بالشعر الصوفي في حب الله تعالى، ومدح الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وخاصة قصيدته التي عرفت باسم البردة أو البرأة ذلك أن ناظمها برئ بها من مرض الفالج، وعدد أبياتها 160 بيتاً، وقد جمعت في فصولها بين مدح الرسول- صلى الله عليه وسلم- وجهاده والتوسل به، وقد ألف الكثير من الشعراء قصائد على وزن قصيدة البوصيري، منهم: أمير الشعراء أحمد شوقي الذي كتب قصيدته نهج البردة. يقع مسجد الإمام البوصيري بمدينة الإسكندرية على شاطئ البحر بحي الأنفوشي في منطقة ميدان المساجد وفي مواجهة مسجد أبي العباس المرسى ويأخذ نفس الشكل المعماري تقريباً، وكان المسجد في الأصل زاوية صغيرة توالت عليها الإصلاحات والترميمات والزيادة حتى وصلت إلى الشكل الحالي، ويرجع المسجد بشكله الحالي إلى عام 1274ه ( 1858م ). ويتكون المسجد من مربعين منفصلين، الأول يشمل الصحن وتتوسطه نافورة وتحيط به الأروقة من جميع الجهات والمربع الثاني وهو إيوان القبلة وهو مرتفع عن مستوى صحن المسجد إذا يصعد إليه بثلاث درجات. ويتقدم الإيوان دهليز مغطى بظلة تؤدي إلى ضريح الإمام البوصيري أولاً ثم إلى إيوان القبلة ثانياً. أما الضريح فعبارة عن غرفة مربعة مغطاة بقبة تقوم على مقرنصات في الأركان والقبة من الصاج. ويتوسط إيوان القبلة ستة أعمدة تقوم عليها القبة مرتفعة من الصاج كذلك، ويحتوي على دور ثان خصص للسيدات يعرف باسم الصندرة، وبهذا الإيوان يوجد مدخلان رئيسيان أحدهما في الجهة الشرقية والآخر في الجنوبية، كما يوجد مدخل ثالث رئيسي في الجهة الغربية من صحن الجامع. وخلف الرواق الشرقي للمسجد توجد ثلاث غرف مغطاة بثلاث قباب كانت في الأصل عبارة عن زاوية ملحقة بالمسجد، وتحتوي على صف من الدعائم تفصلها إلى رواقين. للجامع خمس قباب، القبة الأولى تجاور المئذنة بالواجهة الجنوبية الغربية وهي قبة ضريح الإمام البوصيري، ويلي المئذنة القبة الثانية وتتوسط بيت الصلاة، أما القباب الثلاث الأخرى فإنها تقع بالواجهة الشمالية الشرقية وهي قباب متجاورة تغطي سقف المكتبة الإسلامية الملحقة بالجامع. أما مصلى النساء فيتم الوصول إليه من خلال فتحة باب بالرواق الخارجي للمسجد، حيث يؤدي هذا الباب إلى سلم دائري صاعد يؤدي إلى المصلى وهو عبارة عن مساحة مستطيلة تطل على بيت الصلاة بالناحية الجنوبية الشرقية بشرفة من الجص المشغول، وتطل على صحن المسجد. ويوجد بالطرف الغربي للجدار الجنوبي الغربي شاهد قبر من الرخام بداخله كتابة بالخط الكوفي البسيط يرجع تاريخه إلى القرن السادس الهجري.
مشاركة :