ستتوقف السياسة عن كونها سياسة حين يتوقف البشر عن ممارسة الكذب.. مبدئياً سنعيد تعريف السياسة، سنستبعد تعريف ابن خلدون وميكافيلّي لها، فالأول كان حالماً لدرجة أن يُلبِسها لباساً ملائكياً والآخر لم يجد حرجاً أن يلبس رداء الشيطان ذاته ليعرّفها بشكل مناسب لشياطين الإنس ! نحنُ لسنا ملائكة ولا شياطين، ولذلك سنعيد تعريف السياسة بما يتناسب مع بشريتنا أولاً، ومع عالمنا وزمننا الذي تجاوز فيه البشر والشياطين مرحلة التماس عن بعد إلى مرحلة تبادل الأدوار وعقد الاتفاقيات. السياسة المقصودة هنا ليست ما يفعله الأوغاد الذين يجتمعون في القصور الرئاسية ليحددوا أي بقعة في الأرض ستستقبل الصواريخ وأي كلابٍ ستطلقها، المقصود هو المعنى الأكثر شمولية، الذي لا تشكل فيه الحكومات ومن يمثلها سوى جزء من كل، السياسة المقصودة هي التي يستخدمها الآخرون -جميع البشر- لإخضاعك لمفاهيمهم ورؤيتهم هم عن أنفسهم أو عن غيرهم من البشر أو المفاهيم أو الحياة. السياسة هي كل ما يقوله ويفعله الآخرون لترويضك، لتبديلك، لإقناعك بأنك غير قادر على فهم الأمور مثلهم. وحتى نكون منصفين علينا أن نعترف أن بعضهم يفعل ذلك دون قصد، البعض يفعل ذلك لأنه يظن بأن لديه من البصيرة ما يُمكّنه من رؤية أمور لست قادراً أنت على رؤيتها، ولأن البصيرة لا تكتمل، فاته أن يرى أنه هو الآخر ليس سوى نسخة أخرى مؤدلجة من آخرين يظنون هم أيضاً بأنهم يملكون بصيرة أقوى من بصيرته، ونظن نحن بأنّ كليهما عبارة عن نسخ تمت أدلجتها من بصيرة أكثر ذكاءً وقدرة على تزوير البصائر بحرفية مزوّر يملك عقلاً" يتلف بحرير" وضميراً يستحق الصلب على أعلى عمود يمكن للتاريخ أن يصنعه. يقول جان جاك روسو، الذي يعرّفه التاريخ كفيلسوف ومحلل سياسي وأعرّفه بأنه إحدى المحاولات الجميلة الفارّة من الأدلجة : "يولد الإنسان طيباً والمجتمع يفسده" ، يخبرنا روسو هنا عن دورنا في صناعة الأوغاد من السياسيين؛ لأننا نحن المجتمع، نحن ساهمنا بصنع كافة الأشرار والسياسيين والكاذبين والموهومين بالبصيرة. ولكن روسو أيضاً يقول إن "الصبر مرير لكن ثماره حلوة"؛ لذلك سنستبعد أفكار روسو الجميلة في صناعة الحل، السيد روسو لا يعلم بأننا صبرنا لمدة عشرة أجيال لنعود بكميات من الحنظل تكفي لإغراق الحاضر والمستقبل والتاريخ بالمرارة.. سنستبعد روسو وأصدقاءه كذلك حين نجتمع على طاولة الحل، نحن من سيفكر بالحلول المناسبة لمرحلتنا الفريدة هذه. لقد فهمنا المشكلة، وذلك مؤشر جيد على أننا قادرون على ابتكار الحلول المناسبة دون الاستعانة بالبصيرة ولا المستبصرين. المسألة بغاية البساطة، نصحح خطأنا معهم ليصححوا هم خطأهم معنا؛ لأن مشكلة السياسيين معنا تشبه مشكلتنا معهم، لقد أفسدنا بعضنا البعض فأفسدنا الحياة بمجملها علينا معاً؛ لذلك سنعقد معهم اتفاقية بطريقتهم! مشكلة السياسيين ليست في أنهم يكذبون كثيراً، المشكلة فيمن أوصلهم لتلك المرحلة، أكاذيبهم نتيجة وليست فعلاً بالمناسبة، أكاذيبهم نتيجة لصمتنا عن أفعالهم وأقوالهم، نتيجة لتزويرنا لرأينا الحقيقي فيما يرددون من أفكار وما يقومون به من أفعال، نحن من خدعهم في الواقع! هم ضحايا خديعتنا لهم، لم يكونوا ليصلوا لهذا الحد من البشاعة لو لم نخبرهم نحن بصمتنا بأنهم أشخاص جيدون وناجحون يستحقون أن نستمع لهم ونصدقهم. وتكفيراً عن هذا الذنب سنقوم بخطوة تصحيحية، سنخبر الجميع برأينا حرفياً، كما أخبرنا بذلك الفيلسوف أحمد زكي حين قال: "كلهم كدابين وعارفين إنهم كدابين". رحم الله أحمد زكي، كم كنت أود لو كان حياً اليوم ليشاركنا حين نخبرهم بأننا لن نغير قوانين لعبتهم المقدسة، سنغير اللعبة ذاتها، سنبدأ لعبتنا الجديدة الخاصة بنا، لن نكون نحن من يتلقف الأكاذيب بعد اليوم، سنلقي بالحقائق في وجوههم بوضوح، سنخبر الغبي الناجح منهم بأنه ليس أكثر من غبي جيد الحظ، وسنخبر المستشيخ فيهم بأنه ليس سوى دجال يُجيد التنكّر، سنخبر القوي الظالم فيهم بأنه ليس سوى جبان يمتلك ريموت للتفجير عن بُعد، وإن فاتنا شيء فلن يفوتنا أن نخبر المتعالم فيهم أن العلم ذاته يثبت أن لا شيء ثابت! لن يكون للمجاز أي حضور في لعبتنا هذه، حين نقول رأياً لن نستخدم الدبلوماسية، سنقول ذلك "Literally" كما يفعلها أصدقاؤنا غير المسلمين ! لا مجال إطلاقاً اليوم لتجميل الحقائق القبيحة، عالمنا العربي يمر بأسوأ مرحلة له في كل الجوانب، في الدين والفن والاقتصاد والأدب والفكر والأخلاق، لم يعد لدينا ما نخسره، علينا أن نخبر القبيح صراحة بأنه قبيح لتكون لنا مساهمة في محاصرة القبح، ونخبر الجميل مباشرة بأنه جميل ليساندنا الجمال ويُجهِز على القبح من حولنا. لن نكذب بعد اليوم، سنحذف مفردة المجاملة من قاموسنا لمدة خمس سنوات فقط، وهذه خطتنا الخمسية الأولى للتصحيح، المجاملة حيلة قذرة يمررها الجبن لعقلك ليجعله قادراً على تمرير الأكاذيب التي تكفيه شر الدفاع عن رأيك الحقيقي. فلنحارب السياسة بالسياسة.. سنؤسس الحزب الليترالي العربي المشترك، لا شروط في الانضمام لهذا الحزب ولا مقر له، هو حزب فكري افتراضي يضم تحت لوائه كافة اليائسين من جدوى الصبر في مقاومة البلادة، فإن كنت طموحاً لمنصب افتراضي فيه فعليك أن تعلم أنك لن تحصل على مقعد مهم فيه قبل أن تبدأ بتطبيق رؤية الحزب على نفسك أولاً ! هذا هو الحل الوحيد المتاح حالياً إن أردت أن تصنع تغييراً في محيطك. أخيراً، وعلى سبيل التجربة في التطبيق، نود أن نخبر من يعارض هذا الحل بوضوح بأننا Literally : سنكسر طاولة الحل على رأس من يريد أن يخبرنا كيف نعالج مشكلة تسبب بها صبرنا الذي يرتدي ثوب الصمت الحكيم حين نشعر بالجبن ليستبدله بثوب الصمت الوقور حين ينشب اليأس مخالبه في أحلامنا، وإن حاول أحدهم الاستعانة بحيل السياسيين لإعادة برمجتنا على موجته الخاصة سنعتقله في خزانة الثياب إياها ليرتدي من ثياب الصبر ما يعينه على تحمل موقعه الجديد، لكننا سنمرر له تفاحة حلوة المذاق على فترات متباعدة، سنكون أخلاقيين أكثر منه، ليس لأننا أفضل منه خلقاً فعلاً وإنما لأننا لا نريد أن نكرر أخطاءه، نحن لسنا أغبياء كالسياسيين يا سادة! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :