لم تكتب فدوى طوقان قصيدة نثر، ولم تكتب نازك الملائكة قصيدة النثر، والناقدة الكبيرة الأستاذة سلمى الخضراء الجيوسي غير متحمسة لهذا النوع من الشعر ولميعة عباس عمارة لم تكتبها، ومع ذلك هناك نساء ذهبن بقوة إلى هذه القصيدة. اعني أن الفقراء هم ظن لا غير وأن الورد ممسك الأجنحة يلعق بضع قطرات من ماء وجوههم وهذا الليل الأسمر يشهر مأدبة حرب دون خبر... تبدو قصيدة النثر، أقرب في روحها وفي كينونتها اللغوية واختصاراتها بحيث تبدو (ملمومة).. والشاعر العربي يقول. ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو (ملموم) أقول تبدو قصيدة النثر العربية (الملمومة) أقرب إلى طبيعة المرأة. أثارت قصيدة النثر الجدل في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، وما زالت تثيره إلى اليوم، لا بل، (تمددت) هذه القصيدة (الملمومة) في التسعينات وما بعدها لتصل إلى أقصى (الأنوثة) إن جازت العبارة. تحررت قصيدة النثر من الوزن والعروض والقافية والغنائية الإيقاعية، لكن، كما يقال دائماً لم تتحرر من (وزنها الداخلي).. هذا الوزن الذي يبدو المعادل الموضوعي ل (الوزن الخارجي) في قصيدة التفعيلة أو في قصيدة الخليل بن أحمد الفراهيدي، وفي كل الأحوال لا يوجد فن ناجح ومقبول إن لم نقل إنه فن عظيم إلا ويستند إلى (وزن)، والوزن هنا هو (النظام)، وبكلمة ثانية كل فن مقبول أو عظيم لا بد وأن يحكمه نظام، والفوضى لا يمكن أن تنتج فناً، وإذا انتجت فناً فهو في الغالب فن كسيح. من ينفون صفة (النظام) عن قصيدة النثر لا يعرفون جيداً جوهر هذه القصيدة. إن نظامها يكمن في ثورتها الداخلية على البلاغة النمطية، والإنشائية، والإيقاعية.. هذا النظام هو (موسيقى) قصيدة النثر.. الأقرب إلى طبيعة الأنوثة، أو، الأقرب إلى طبيعة المرأة. في الإمارات صف (وردي) من كاتبات قصيدة النثر. إنهن كاتبات الندى، أو يمكن أن يطلق عليهن (كاتبات الماء)، وذلك لهذه الخفة الشعرية الجميلة في نصوصهن المولودة من روح المكان الإماراتي وتجلياته الباهرة. من ظبية خميس، إلى ابتسام المعلا، إلى نجوم الغانم، إلى الهنوف محمد، وغيرهن.. نقرأ (سردية نثرية) فيها الكثير من الندى والماء ومثالنا اليوم للقراءة الشاعرة الهنوف محمد في (الأعمال الشعرية) التي صدرت لها في 2012. في البداية، قد يتفق معي البعض أنه من المبكر على الهنوف أن تصدر (الأعمال الشعرية) لأن هناك أعمالاً أخرى سوف تليها في السنوات المقبلة، ولكن، من جهة نظر ثانية من الجيد أن نقرأ حزمة من الأشعار في كتاب واحد، الأمر الذي يتيح لنا قراءة مسارات وتحولات هذه الشاعرة الحميمة القريبة من الروح والقلب. ضمت (الأعمال الشعرية) التي بين يدينا للقراءة للهنوف محمد المجموعات: (دوائر)، (الآخرون)، (فضاءات الفقر والطفولة)، (طرق الدهشة الآتية)، (ريح يوسف). شعر الهنوف محمد باختصار سريع هو شعر الحياة، والإنسانية، والرفق، والصداقة، شعر مملوء بالمحبة ببساطة وببلاغة إنسانية، وحنو، وقلب. إنه شعر القلب، شعر امرأة مملوءة حتى آخرها بحب الحياة، والناس، والأصدقاء، والعائلة. في الإهداء تكتب الهنوف محمد في مطلع (الأعمال الشعرية): .. .. إلى من امسك ساعدي في الخطوة الأولى، وإلى أسرتي، وإلى كل روح شبيهة. إذا أردت أن تدرك شعر الهنوف بقلبك عليك أن تقرأها قراءة القلب. نعم هناك قراءة عقل، وقراءة روح، وقراءة قلب. قراءات العقل هي قراءات الفكر والفلسفة، وقراءات الروح قراءة التأمل والتصوف، وقراءات القلب هي قراءات الشعر، ولكن الشعر نفسه يقرأ أيضاً بالعقل والروح.. لكن تحت مظلة القلب. تقرأ الهنوف محمد بحنان وحنو. لغتها وطبيعتها الشعرية تقول ذلك. شاعرة فيها شيء من البلور والماء. نقية وصادقة، وسرديتها الشعرية (ملمومة) في قصائد قصيرة لا ترهق القلب. الكتاب: الأعمال الشعرية. المؤلفة: الهنوف محمد. الناشر: وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع (2012)
مشاركة :