«الأغاني».. موسوعة في تراجم الشعراء والحياة الاجتماعية

  • 6/8/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: الخليج يمثل كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني طفرة في الكتابة الموسوعية، التي عرفتها الثقافة العربية، عبر حركة التأليف ومناهج التأريخ للإبداع العربي، لاسيما في مجال الشعر الذي تميز فيه العرب، بما جُبِلوا عليه من سلامة الطبع والعفوية، وما نبغوا فيه من أمر البديهة والارتجال، على غرار ما انطلقت منه مساجلاتهم ومناظراتهم ومطارحاتهم، إلى جانب معارضاتهم الشعرية، التي تحولت إلى فن رفيع يربط حلقات الإبداع بين أجيال الشعراء. صدرت عدة طبعات كاملة من الأغاني، ومنها طبعات مختصرة، ربما آخرها ما قامت به د. مي يوسف خليف، التي تشير في مقدمتها إلى أن الأصفهاني حين ألّف موسوعته الكبيرة تحت مسمى الأغاني ترك لنا أثراً عظيم القيمة، ومصدراً ثرياً من مصادر التأريخ الأدبي، التي تحظى بموقع الصدارة في المكتبة العربية على مستوى الخبر وتحليل الأثر، وعلى مستوى المطروح من المادة الإبداعية، ثم على مستوى المنهج، وطبيعة العرض التي تعكس نمطاً من موسوعية التأليف عند الشوامخ من أصحاب المصادر، ممن ضربوا في كل بقاع الأرض بقدر ما ضربوا في كل فروع العلم وساحات المعرفة، بما يعكس قدرتهم على الاستيعاب والإضافة والابتكار، سواء فيما ألفوه من علوم الأوائل، أم ما ترجموه من ثقافات الأمم التي نقلوا عنها، من خلال قلم الترجمة من اليونانية والسريانية والأوردية والفارسية، وغيرها منذ أن أسس الرشيد دار الحكمة في بغداد ونمّاها من بعده المأمون. تبدو موسوعية الأصفهاني في الأغاني، حيث تضخم الكتاب فتعدّدت أجزاؤه، كما تعددت طبعاته، ومعها تعددت قراءاته، ولعل من بينها الدراسة التي أعدها د. شوقي ضيف في رسالة الماجستير في ثلاثينات القرن الماضي حول حركة النقد في كتاب الأغاني، ومعنى هذا أن الأصفهاني قد ألف تلك المجلدات الضخمة من خلال انعكاسات ثقافته الموسّعة بالأنساب والأخبار والقبائل وأيام العرب وتاريخهم وشعرائهم ونقّادهم وعلومهم، بما يعكس عليه تلك الصفة بلا مبالغة، صفة الموسوعية. يعكس كتاب الأغاني صورة من الموجة الحضارية التي اجتاحت المجتمع العباسي، الأمر الذي انعكس في انتشار موجة الغناء، وشيوع دور (المغنيات) حتى ألّف الجاحظ رسالة تحكي فصلاً من دورهن، عبر مجالسهن إلى جانب أدوار بعضهن في توجهات الحياة العباسية على المستويات السياسية والمجتمعية. من هنا بدا طبيعياً أن يتّجه الوسط الأدبي إلى رصد تداعيات موجة الغناء على النحو الذي صاغه أبو الفرج، خلال موسوعته الكبيرة، التي ازدحمت بالأخبار والأنساب والنصوص الشعرية، ومن هنا تأتي أهمية الكتاب للدارس في أي من الدراسات النقدية أو الأدبية أو التاريخية، بقدر من أهميته للقارئ العام من غير أهل الاختصاص، بما يزيد من أهمية نشر الكتاب، سواء في سياق موجز يسهل على القراء اقتناؤه، أم تبسيطه بما يرمي إلى سهولة قراءته من باب الانفتاح على تراثنا في مشاهده الحضارية، التي تعكس نمطاً من أنماط الحياة العربية في العصر العباسي بكل مشاهده وثقافته. يتميز المؤلف بحرصه على ذكر مصادره الشفوية والمكتوبة، وهو ما يدعو إلى تقدير ظهور فكرة (المصدر) وبداية طرحها في طريق الدراسات الأدبية، حيث تجاوز المؤلف ذكر أسانيد الرواة، إلى الوقوف منها موقف الناقد النابه، يناقش ويراجع ليرفض ما يتبين أنه غير صحيح، أو بيان موقف راوية بين متهم أو مجرح، أو أن سلسلة رواته غير سليمة، ما يعطي الكتاب قيمة أعلى باعتباره مصدراً أصيلاً من مصادر الدراسات الأدبية الأساسية، بما يفيد في دراسة منهج البحث الأدبي، حين ينقد الأسانيد من باب توثيق النص والاطمئنان إليه، إلى مراجعة دواوين الشعراء في رواياتها المختلفة، ليراجع عليها ما يشك فيه من نصوص، ولينتهي إلى نفيها أو إثباتها، إلى جانب رجوعه إلى المصادر التاريخية لمزيد من الاطمئنان إلى صحة الأخبار وصدق الروايات، ما يؤكد عمق خبرة أبي الفرج بالشعر العربي وحاشيته الفنية الدقيقة، حين تعينه على تذوق الشعر وإدراك أسرار جماله ومواطنه، مع قدراته المتميزة على النفاذ إلى ما وراء الروايات المختلفة، ما يجعل الكتاب من أغنى الكتب في المراجع العربية.

مشاركة :