مطاع صفدي: سندباد الفكر الفلسفي الحر

  • 6/8/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

عبير زيتون (رأس الخيمة) غيب الموت أمس الأول المفكر السوري القومي «مطاع صفدي» المقيم في باريس عن عمر يناهز 87 عاماً، قضى جلها في التأسيس لكينونة فكرية معاصرة تنادي بتجاوز الأرومات الثقافية التقليدية التي تفرض على الفكر خريطة جيوفكرية تفصل بين الثقافات الإنسانية المتكاملة في حوارها مع ما هو موجود في هذا العالم. يقول صفدي: «ينبغي أن نزيل بعض المفاهيم الثابتة التي تفرض علينا خريطة جيوفكرية تفصل باستمرار ما بين الثقافة الغربية، والثقافة الشرقية أو العربية على وجه الخصوص، ذلك أن الثقافة في النهاية متكاملة، فليس هنالك انفصال بين الأنا والآخرين بقدر ما هنالك من تمايز وحركة مشاكلة ومثاقفة بين الطرفين». زاوج صاحب «نقد العقل الغربي» في حياته الفكرية بين الفرد المفكّر، والعمل المؤسسي، من خلال عمله كمدير مؤسس لمركز الإنماء العربي، ورئاسة تحرير مجلة الفكر العربي المعاصر التي فتحت صفحاتها الحرة لأقلام نخبة الفكر الحر. آمن صفدي بالفكر العربي القومي وانتسب إلى حزب البعث منذ نشأته في الأربعينيات، لكنه استقال من النشاط الحزبي بعدما وضع مؤلفه «حزب البعث، مأساة المولد مأساة النهاية» الذي أجرى خلاله مقاربة نقدية لاذعة لإيديولوجية البعث، بعد إدراكه أن الأحزاب العقائدية العربية على اختلاف أنواعها، فشلت في جذب الجمهور وفي تطبيق مشروعاتها القومية العربية. انشغل صفدي منذ أواخر الخمسينيات بهاجس التكوين الفكري بطبيعته الشمولية، مستفيداً من أدوات التعبير على أنواعها، فكتب عدداً من الروايات القصصية مثل «جيل القدر» (1961)، و«ثائر محترف» (1962) قبل أن يتفرغ كلياً للدراسات الفلسفية والسياسية والترجمة مع مطلع الستينيات محاولاً في جهوده البحثية المنهجية، خلق مفاهيم فكرية جديدة تستشرف الآفاق في علاجها للمشكلات الرئيسة التي تواجه حرية الفكر الإنساني عامة، وفي تحديث الفكر العربي وتحريره خاصة، وسط خضم الأحداث التي تعصف به في كل المجالات. وحول هذه النقطة قال صفدي في حواره الأخير العام 2013 مع صحيفة قاب قوسين: «التكوين هو أن يكون المرء، ليس فقط على مستوى الفكرة، بل مادة للفكرة، قادراً على أن يصبح هو «المفكر به»، وهو «ما ليس المفكر به» في آن واحد – بمعنى: أنه دائماً يتجاوز معطياته المباشرة ويستشرف الآفاق، لذلك عندما كنت أجرب الكتابة في هذه الموضوعات كانت مسألة التكوين هاجسي، وكنت أبحث عن «نماذج تكوين» سواء منها النماذج السابقة التي يقدمها لنا تراثنا، أو النماذج التكوينية التي برزت في المشروع الثقافي الغربي». رحل المفكر القومي صفدي وهو يكرر سؤاله القلق: «لماذا هي النهضة المغدورة دائماً»، «ماذا حدث لهذه الأمة؟ لماذا هذا الانهيار الذي نعيشه الآن؟ محاولاً جهده أن يقدم مفهومه النهضوي المؤسس للحضارة، لأن حاجتنا إلى النهضة ليست مجرّد حاجة سياسية، وإنما تكوينية، تعيد بناء الإنسان العربي على حد قوله. وفي محاضرته الأخيرة في الدوحة العام 2014، أشار إلى أن العلّة فينا بالأصل، لم يصنعها «الاستعمار والصهيونية» ولا ننكر أنّهم استثمروا علَلنا، وعملوا على تعزيز هذه العلل، وتغذيتها وتطويرها كي يحقّقوا مساعيهم وأهدافهم التي تتلخّص في ما نحن عليه، يقول: «النهضة العربية السابقة قضى عليها الاستعمار، أما المعاصرة، فنحن من يقضي عليها»، متسائلاً عن ظاهرة كـ«داعش»، وكيفية تفسيرها، «هي التي ترتكب المذابح وتتخذ منها منهجاً تحت اسم الإسلام والخلافة». ورأى صفدي أن الحل الوحيد في مواجهة ما تتعرض إليه الأمة، يكمن في الإلحاح في التساؤل والرّفض الدّائمين، لكي نُخرِجُ واقعنا من سياقِ «العادي»، لأنّه أصبح مجرّد حديثٍ تتبادله الصحف لا أكثر.

مشاركة :