تتساقط أوراق شجرة الثقافة العربية ذات الجذور السورية على وجه التحديد.. جذور هذه الشجرة تستمد ريقها من قلوب وعقول مفكرين وفلاسفة وشعراء وروائيين ومسرحيين.. قبل أعوام طوى الغياب مسرحي الأمل. سعدالله ونوس الذي حوّل الخشبة إلى منصة فكر ممزوج بشيء من الشعر، وذهب إلى الغياب ممدوح عدوان، وعلي الجندي اللذان كانا يملآن الشام بالضحك والشعر والسخرية التي تداوي ولا تجرح. طوى الغياب سوريين آخرين.. سليمان العيسى صوت الشعر العروبي القومي العابر للحدود العربية نحو توحيدها ولو بصوت الشعر، وقبل ذلك، نزار قباني الذي غادر ياسمين دمشق إلى بيروت مستعيراً من الياسمين بياض الكتابة وبياض الشعر، وبعد ذلك أيضاً فاتح المدرس.. العرّاب الأكبر في الرسم، ثم حنا مينة الذي جلس على أكثر من أربعين رواية استعار بعض (زرقتها) من البحر. قبل أيام طوى الغياب السوري أيضاً المفكر والفيلسوف مطاع صفدي صاحب (فلسفة القلق) الصادر عن دار الطليعة في بيروت في العام 1963، أي صفدي المولود في العام 1929 وضع هذا الكتاب المهم على صعيد الفلسفة وهو في الثلاثين من عمره، ومع ذلك، يعتبر البعض من الكتاب العرب أن صفدي مفكر أكثر مما هو فيلسوف، وأياً كان مكان هذا المفكر الذي نقد العقل الغربي، وأسس لفكر منفتح على التنوير والحداثة، فله مكانة عالية في الوسط الثقافي العربي. الأكثر بروزاً في هوية مطاع صفدي أنه مفكر أو فيلسوف ولكنه روائي وقاص ومسرحي في الوقت نفسه، ومن رواياته (جيل القدر)، و(ثائر محترف)، ويرد في الصفحة الأخيرة من كتاب (فلسفة القلق) أن له رواية بعنوان (مدينة الأنهر السبعة) في جزءين (تحت الطبع)، أي أنها كانت تحت الطبع قبل أكثر من نصف قرن ولا أدري بشكل خاص إن كانت صدرت هذه الرواية أم لا. في المسرح نعرف أن له مسرحية واحدة منذ ستينات القرن الماضي أيضاً بعنوان (الآكلون لحومهم)، ومن قصصه (أشباح أبطال)، ومن كتبه القومية: (الثوري والعربي الثوري) و(مصير الايديولوجيات الثورية). قام كتاب (فلسفة القلق) على محاور تتصل بهذه الفلسفة، وبالفلسفة الوجودية، وربما لن تتفاجأ أن صفدي وهو ابن الثلاثين من عمره اعتمد على عشرين مصدراً لهذا الكتاب بالفرنسية. الكتاب قديم، وأهميته الفكرية أنه ظهر في عز صعود الفلسفات الوجودية في الغرب على وجه التحديد (سارتر مثلاً)، ولكن هنا نحن بصدد رؤية فكرية فلسفية عربية. يقول صفدي في مقدمة كتابه (فلسفة القلق): هذه الدراسة حاَوَلتْ أن تبتعد بقدر الإمكان عن أي تعميم أدبي أو فني أو اجتماعي لمشكلة القلق حرصاً منها على عدم تمييع الأسس الفكرية للقلق، وإضاعته عبر المبتذلات اللفظية اليومية... غاب مطاع صفدي عن ستة وثمانين عاماً، والعالم اليوم، على صفيح ساخن من القلق السياسي لا الوجودي، حيث صنّاع الإرهاب ومعجزات التكفير. yosflooz@gmail.com
مشاركة :