في السياسة الإسرائيلية، لا بد من أننا تجاوزنا المفاجآت، وفرغت جعبتنا بالتأكيد من صيغ التفضيل، لأنه مع كل إعلان عن تأليف حكومة جديدة، أو تشكيل ائتلاف حكومي، لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، يجري وصفهما بـالأكثر يمينية إلى يومنا. وهذه هي الحال مع أحدث مناورة حكومية لنتانياهو، والتي بموجبها منح أفيغدور ليبرمان من حزب إسرائيل بيتنا، منصب وزير الحرب. وأثبت ليبرمان مدى عدائه وعدم قبوله بأي مصالحة خلال فترة وجوده في منصب وزير الخارجية من عام 2009 إلى 2012، ومرة أخرى من 2013 إلى 2015. فالرجل المسؤول الآن عن الجيش الإسرائيلي والاحتلال العسكري للفلسطينيين في الضفة الغربية هو من غلاة المستوطنين اليهود، ويريد المزيد من توسيع المستوطنات، وأقسم انه لن تكون هناك دولة فلسطينية أبداً، ويرغب في إعادة احتلال غزة، ويحض على ترحيل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل إلى الضفة الغربية. بالنسبة لكثير من المعلقين خارج إسرائيل، وما تبقى من التيار السياسي الوسطي في البلاد، فإن هذه الأخبار تعتبر مفجعة، إذ إنها تمثل ميلا حادا نحو اليمين، وإعلان آخر لوفاة عملية السلام. وقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك هذه الخطوة بأنها تزرع بذور الفاشية. لكن بالنسبة إلى اليسار الإسرائيلي محدود العدد والمحاصر في إسرائيل، فإن حيلة نتانياهو الأخيرة الخادمة للذات ساهمت في تأكيد الكتابات التي كانت موجودة منذ بعض الوقت على الجدران، والتي تفيد بأن عملية السلام ماتت منذ زمن بعيد. المناخ السياسي وهذا هو المناخ السياسي الذي يروجه رئيس الوزراء نتانياهو وغلاة المستوطنين القوميين، قبل أن يجنوا ثمار فعلتهم. ولإثبات ذلك يمكن التحقق من صناديق الاقتراع التي توثق كيف أصبح الإسرائيليون أقل دعماً لحل الدولتين، وأقل قبولاً بفكرة منح الفلسطينيين حقوقاً متساوية في إسرائيل، وأكثر عنصرية وعدائية تجاه الشعب الفلسطيني تحديداً، والعرب بشكل عام. أما اليسار الإسرائيلي أو ما تبقى منه، فهو معلق على منزلق صغير ضمن حيز سياسي يسمح له بالعمل في إطاره. وهذه المساحة يجري قضمها من قبل الحكومة التي تدفع بقوانين سوف تغلق أفواه جماعات حقوق الإنسان اليسارية، وقد خضع القانون الذي يطلب من المنظمات اليسارية التصريح عن مصادر تمويلها الخارجية لقراءة أولية من قبل الكنيست في فبراير الماضي. وتنشغل الحكومة حالياً في محاولة إغلاق منظمة بريكينغ ذا سايلنس، الجماعة التي توثق شهادات مجهولة عن انتهاكات ارتكبها الجيش الإسرائيلي، في الضفة الغربية المحتلة وغزة. ويصمد في وجه هذا كله بعض اللمحات الإنسانية. عندما ضرب بدوي شاب بوحشية من قبل الشرطة خارج مكان عمله في تل أبيب منذ أسابيع، وصلت حملة تمويل الدراسة الجامعية لأهدافها في غضون 12 ساعة، وتبرع مئات الإسرائيليين لحملة دعم ميسم أبو القيعان مما ضاعف التمويل المستهدف. وفي مواجهة هذا المد الهائل من التعصب، تعتبر هذه مبادرة صغيرة، لكن بالنسبة للكثير من اليساريين، توفر هذه القصص الصغيرة من الأمل سبباً آخر للاستمرار. ضمان لا يعتبر نتانياهو من محبي ليبرمان، لكنه أحضره إلى مجلس الوزراء لحشد الدعم لحكومته الائتلافية المهزوزة، وبالتالي لتأمين موقعه في أعلى الهرم. بالنسبة لنتانياهو، يعد وزير الحرب الجديد أقل تهديدا في الداخل، وبالتالي تعيينه هو أيضا تصديق للقول المأثور ابقِ صديقك قريباً وعدوك أقرب.
مشاركة :