حمّل تقرير للأمم المتحدة قوات التحالف في اليمن المسؤولية عن الضحايا المدنيين والأطفال في اليمن وأورد التقرير أرقاما غريبة متناسين ما تقوم به القوات الانقلابية من تجنيد للأطفال وقصف عشوائي للمدن بأسلحة غير دقيقة التوجيه، ثم هل يوجد عبر التاريخ نزاع مسلح بدون ضحايا؟ بل إنه لا يوجد عمل إنساني بلا أخطاء مهما بولغ في أخذ الاحتياطات لمنعها، ومنها العمليات الجراحية الطبية التي تعد من أدق العمليات في أي عمل إنساني، فهي تأخذ كل وسائل الحماية من الأخطاء وتتوفر لدى الطبيب كل المعلومات المطلوبة، وكل الإجراءات مكتوبة وفي مكان بارز، ومع كل طاقم طبي يوجد من يراقب ويتعقب كل الخطوات المطلوبة، ومع هذا تقع الأخطاء غير المقصودة،. وحين تعلن الأمم المتحدة أن قوات التحالف استهدفت الأطفال في غاراتها الجوية فهذا يدل على تضليل خلفه دول تريد الإضرار بقوات التحالف والمملكة بشكل خاص، فالمملكة دخلت اليمن بدعوة من حكومتها الشرعية ولتخليصه من حزب يريد أن يحيله إلى دولة طائفية كلبنان المشلول والمعطل، ومن رئيس فاسد قاد اليمن إلى سنين من التخلف والفوضى والاقتصاد المنهار. لقد عملت في اليمن مع بداية تولي الرئيس علي عبدالله صالح وكانت اليمن تسير بخطى ثابتة نحو التقدم والاقتصاد القوي بفضل مساعدة المملكة والكويت لها، كانت صنعاء من أجمل المدن العربية بآثارها وهدوئها وجوها العليل، ثم عدت إليها في عام 2009 وهالني ما رأيت، من اقتصاد منهار وفساد يرتسم على كل الوجوه، لقد أصبح الريال السعودي خمسين ريالاً يمنياً بعد أن كانت قيمته قريبة من الريال السعودي قبل مجيء الرئيس علي عبدالله صالح، حينها عدت من اليمن حزيناً وكتبت مقالاً في جريدة الشرق الأوسط عنوانه خوفي عليك وخوفي منك يا يمن قلت لمن معي: اليمن مقبل على كارثة تنسج خيوطها من الداخل والخارج، اليمن بحاجة إلى تدخل عاجل من دول مجلس التعاون ومن المجتمع الدولي لإنقاذه، لقد أحال الحكم الفاسد صنعاء إلى مدينة تعج بالمتسولين والعاطلين ونقاط التفتيش للجنود المدججين بالسلاح، رأيت الفوضى في كل مكان، وكان السلاح والقات هما البضاعة الرائجة في الأسواق. ولم ينتشر القات في الشطر الشمالي من اليمن فقط، لكنه انتشر في الجنوب من اليمن بعد الوحدة، ولم يعد مقتصراً على الرجال بل انتشر بين النساء والأطفال. هذا الوضع المأساوي في اليمن تم التغاضي عنه من قبل الأمم المتحدة كما تم التغاضي عن السفن التي تصل إلى اليمن من حكومة إيران ومن نظام القذافي محملة بالأسلحة وبملايين الهدايا من الألغام المحرمة والتي حصدت آلاف الضحايا من الرعاة والمسافرين، كما تغاضت الأمم المتحدة عن جرائم العدو الإسرائيلي في غزة وآلاف الضحايا من الأطفال والنساء وعشرات المدارس والمستشفيات التي دمرت على من فيها، كما تغاضت عن جرائم أميركا في العراق إبان تحرير الكويت وأثناء الغزو، فلم يكن هدف حملة أميركا تحرير الكويت فقط، بل كانت لتدمير البنية التحتية للعراق، وتدمير كل ما فيه من مراكز أبحاث وجامعات ومنشآت، لقد استخدمت القوات الأميركية في تلك الحملة كل أنواع الأسلحة لاختراق التحصينات وخلفت تلك الأسلحة أمراضا مستعصية ستبقى مئات السنين يعاني منها أطفال العراق. لقد كان لقوات التحالف في اليمن سجل مشرف من تقديم المساعدات للمدنيين، وكانت حريصة كل الحرص في غاراتها الجوية على تفادي المدارس والمستشفيات والمواقع الأثرية وتجمعات السكان، وكانت تلك المواقع مرسومة على خرائط العمليات الجوية بخطوط حمراء يحرم قصفها حتى ولو تحصنت بداخلها قوات الرئيس المخلوع أو قوات الحوثيين حرصاً على الأرواح والممتلكات، كما استخدمت قوات التحالف أسلحة موجهة بدقة عالية ومن الصعوبة أن تحيد عن أهدافها، بعكس القصف العشوائي لمدفعية الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع. من السهولة في الحروب أن تزيف الحقائق وأن تنسب الإصابات للطرف الآخر خصوصاً أن قوات الانقلابيين تجيد استخدام الإعلام، ولا تتوانى عن ضرب مواقع مدنية أثناء قصف قوات التحالف لتجمعاتهم ثم تصور ذلك على أنه من فعل الغارات الجوية، وهذا يحتم وجود إعلام حربي يرافق قوات التحالف يوثق العمليات ويبينها للرأي العام العالمي، كما أنه من السهولة قلب الحقائق خصوصاً من دولة مثل إيران التي لها نفوذ قوي داخل البرلمان الأوروبي وبين صناع القرار في أمير كا، فمندوبوها متواجدون على الدوام في تلك المواقع المهمة، ومن السهولة أن يخسر العرب قضاياهم العادلة أمام نفوذ إيران وإسرائيل اللتين تتمتعان بمنزلة خاصة ومحامين أكفاء. المطلوب من المملكة أن تفتح المزيد من قنوات التواصل مع الدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة على كل المستويات وأن توضح الحقائق لصناع القرار حتى لا يمرر مثل هذا التقرير الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة، كما أنه لا يخدم حلّ القضية اليمنية التي أثبتت الأحداث أن الحل الوحيد والذي يضمن سلامة اليمن ووحدته هو الحل السلمي الذي يجبر المتحاربين على المزيد من التقارب والتنازلات، ويفوت الفرصة على الانقلابيين وعلى تجار السلاح من داخل اليمن وخارجه. abdullah.sadoun@gmail.com
مشاركة :