الإرهاب والكيل بمكيالين في الولايات المتحدة

  • 6/18/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت الولايات المتحدة جريمتين مروعتين تنطبق عليهما في الدوافع والأهداف مواصفات الإرهاب، على رغم امتناع السلطات والنخب السياسية والإعلام الأميركي عموماً باستخدام هذه العبارة. الجريمة الأولى كانت في بورتلاند (ولاية أوريغون) حيث طُعِن شخصان لدى محاولتهما الدفاع عن امرأتين مسلمتين تعرضتا للتحرش في قطار المدينة. والثانية الأربعاء الفائت في منطقة ألكسندريا (ولاية فيرجينيا) حيث أطلق أحدهم النار على نواب جمهوريين وهم يلعبون البايسبول. في كلتا الحالتين الدافع سياسي أو عنصري ويقع ضمن نطاق تعريف الارهاب. فالإرهاب ووفق التعريف الدولي هو عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة بغية تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية. وهو في فيرجينيا حصل حين استهدف القاتل جايمس هودجكينسون (٦٦ سنة) المؤيد للسيناتور اليساري بيرني ساندرز تجمعاً لنواب من اليمين بعد أن تحقق من انتمائهم الحزبي. وفي الحالة الثانية كانت المعاداة للإسلام وتماهي القاتل جيريمي جوزيف كريستيان (35 سنة) مع تيار «المتفوقين البيض» ضمن دوافع الاعتداء كما دلت إهاناته وقبلها تعليقاته على مواقع التواصل الاجتماعي. مع ذلك وفي الحالتين، امتنع الإعلام الأميركي التقليدي وحتى مكتب التحقيق الفيديرالي (أف بي آي) عن استخدام كلمة «عمل إرهابي» في وصف الحادثين، مشخصاً «الاضطراب النفسي» كدافع في بورتلاند وهو ينتظر انتهاء التحقيق في جريمة ألكسندريا ليجزم توصيفها. وإذا عدنا سنتين إلى الوراء نرى المراوغة ذاتها في عدم إطلاق سمة الإرهاب على مجزرة كنيسة تشارلستون في كارولينا الجنوبية والتي راح ضحيتها ٩ أفارقة أميركيين بإطلاق نار من ديلان روف وهو شاب أبيض يتبنى مواقف عنصرية ضد السود. حتى في محاكمة روف وحين اعترف بعنصريته وأكد أنه غير نادم على فعلته، كان «الاضطراب العقلي» بدل «الإرهابي» كدافع تتداوله وسائل الإعلام والسلطات المحلية. في المقابل، تم وعلى وجه السرعة تسمية التحقيق في اعتداءات سان برناردينو وأولارندو وعمليات طعن في فيرجينيا ومينيسوتا العام الفائت بأنها جرائم إرهابية. فهل ذلك لأن أسماء الفاعلين (عمر متين ورضوان وتفشين مالك وواصل فاروقي وظاهر عدن) تظهر انتماءهم للأقلية المسلمة في الولايات المتحدة؟ أو لأن بعضهم أدلى بالولاء لتنظيم «داعش» أو صرخ «الله أكبر» ساعة الاعتداء؟ في هذه الحالات، استغرق تشخيص الاعتداء الإرهابي بضع ساعات، وتحولت التغطية إلى خطر «داعش» من دون أسئلة عن صحة الفاعلين العقلية أو مدى صدقية ارتباطاتهم بـ «داعش» أو مبررات تبنيهم العملية. ليس هذا للقول إن عمر متين أو الزوجين مالك أو فاروقي ليسوا إرهابيين. هم وأفكارهم ودوافعهم ينتمون إلى الإرهاب، واستهدافهم مدنيين وتلطيهم خلف تنظيم حاقد ومفلس هو أيضاً إرهاب. الجدل هو في الازدواجية في تصنيف الإرهاب في الولايات المتحدة وحجبه مرات عن جرائم عنصرية وسياسية، تتطابق تماماً مع تعريف الإرهاب. فهل السبب في ذلك أن القاتل رجل أبيض وغير مسلم، أو لأن العملية لا ترتبط مباشرة بتنظيم إرهابي؟ هذه الازدواجية تضرب بعرض الحائط تعريف الإرهاب ودوافعه السياسية وفيها خيانة لضحاياه. فالإرهاب السياسي والاجتماعي لم يبدأ ولن ينتهي مع «القاعدة» و «داعش»، والولايات المتحدة لها تجربة طويلة معه عبر تنظيمات مارسته لعقود مثل «كو كلوكس كلان» أو «جيش التحرير الأسود» أو أفراد مثل مفجر أوكلاهوما تيموثي ماكفي في ١٩٩٥ أو تيد كيزنسكي مفجر «يونابومبر» طوال عشرين عاماً. هذا الخلل في تشخيص الإرهاب يؤذي جهود محاربته ويخدم أهداف «داعش» برفعه شعارات زائفة عن حرب كونية ضد المسلمين. وهو لا يقر وبالتالي يفشل بالتعامل مع إرهاب البيض الفوقيين ويبقيهم كحالة فردية وليس كظاهرة عامة. فإرهاب عمر متين في أورلاندو كما إرهاب جيريمي كريستيان في بورتلاند، له دافع سياسي واجتماعي. وفقط عندما نقر بخطر الاثنين ونسمي الأمور بأسمائها، يمكن الحديث عن إمكان هزيمة شاملة للإرهاب بغض النظر عن اسم القاتل ولون بشرته أو صحته العقلية.

مشاركة :