أعمى كان أم بصيراً.. ما شأنك به؟

  • 6/9/2016
  • 00:00
  • 34
  • 0
  • 0
news-picture

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً عن «معتمر أعمى» من إحدى الدول العربية الشقيقة يقف أمام الكعبة وهو يبكي بصوتٍ عالٍ متأثراً من قدرة المولى عز وجل، إذ أنعم الله عليه برد بصره فجأةً، فصار يردد «أحمدك يا رب أن أعدت إليَّ بصري»!! انتشر المقطع بسرعة البرق، ولم يكن ذاك لمشاركةٍ وجدانيةٍ مع هذا العربي المسلم، وإنما كان للكشف عن الدور الذي لعبه هذا الرجل، فهو- كما قيل– «لصٌ محترف» ادعى أنه كان أعمى ثم أبصر فجأةً، ومن كان يهنئه ويحتضنه ويضمه من الرجال ممن حوله فإنه يقوم بسرقة محافظ نقودهم خلسةً دون أن يدروا!! لستُ هنا بصدد هذا الحدث في مصداقيته أو نفيه سواءً أكان في حقيقة الإبصار أو في تمثيلية الفرحة والسرقة! فهذا لا يعنيني كثيراً! الواقعة أخطر بكثير من مجرد مقطع وُلِد فجأةً وعاش قصيراً ثم مات بنفس فجاءة مولده، فالناس مشغولون، تُلهيهم الحياة، وليس لديهم الوقت الكافي ليعيشوا طويلاً في أحداث الآخرين، الخطر في هذه الواقعة هو أن كثيراً من الناس- هداهم الله– بدأوا ينتهجون نهجاً مخالفاً للشرع والأخلاق والقيم والمبادئ، صار الواحد منهم يمسك جواله- في غير غرضه المخصص له– ليصوِّر عباد الله في مختلف أحوالهم دون إذن منهم، ودون أي اعتبار لأخلاقيات المسلم التي نادى بها شرعنا وديننا الحنيف، بل وسمح لنفسه أن يدخل في نوايا الآخرين فيفسرها كما يريد. «فتبينوا» بهذا التنبيه يأمرنا الله عز وجل بأمرٍ عظيم، تبينوا وتحققوا وتأكدوا قبل أن تلفظ ألسنتكم بالحكم على الناس من خلال ظواهرهم، لأنه لا يملك الاطلاع على خفايا النفس وما تكنه الصدور إلا الله عز وجل، أما نحن البشر فالمطلوب منا هو «أحسنوا الظن، وتبينوا»، إن حسن الظن من شيم الكرام، وسوء الظن من الإثم «إن بعض الظن إثم». صرنا- للأسف– نملك جهازاً صغيراً في أيدينا، وكلَّفنا أنفسنا بأن نراقب الناس بأعين جاسوسية من الدرجة الممتازة، فنقوم بتصويرهم خلسةً، ثم نحلل التصرف وفق أهوائنا، ثم نفسره بحنكةٍ، ولا يهم أن يكون تفسيرنا صحيحاً أو اجتهاداً خاطئاً، المهم أن نكسب سبقاً صحفياً ننشره لأننا «جبنا الذيب من ذيله» بشطارةٍ يحسدنا عليها قليلو الحيلة وعديمو التدبير، ثم نقوم بفبركة الحدث ونشر المقطع بسيناريو وحوار «المخرج البارع». يا أيها المسكين: بفعلك هذا تُرى كم ستراً هتكته؟ وكم من عورةٍ كشفتها؟ وكم من ذنبٍ اقترفته؟ إن كان هذا المقطع صحيحاً أو مفتعلاً، ليس هذا من شأننا، فهناك أجهزة أمنية مختصة بالحفاظ على الأمن والقبض على المخالفين والمتلاعبين، يمكننا أن نبلِّغهم بما نراه أو حتى نشكُ فيه بشكٍ هو أقرب إلى اليقين وليس باجتهاد المخطئ! «أفلا شققتَ عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا....» قالها الرسول عليه الصلاة والسلام معاتباً بها أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما حينما طعن برمحه رجلاً من جهينة حتى قتله ظناً منه أنه ما قال: لا إله إلا الله إلا لخوفه من السلاح!! وفي هذا تنبيه عظيم إلى أنه لا ينبغي أن نعطي لأنفسنا الحق للدخول في نوايا الناس وكشف ما تُخفي الصدور! وقفة تأمل: عدد ساعات رمضان الكريم هو «720» ساعة، اغتنمها بما يعود عليك وعلى أسرتك وعلى دينك بالخير والنفع، ودع الخلق للخالق، «720» ساعة مضى منها ما مضى، وما تبقى ستكون في مُضيها أسرع من الريح المرسلة، فاغتنم ساعتك ويومك فيما أمرك الله به، ولا تتبع عورات الناس فيرسل الله لك من يتتبع عوراتك ولو كنت في عُقر دارك، وعندها تندم لحظة لا ينفع فيها ندم!

مشاركة :