تتوافد جموع المسلمين إلى مكة المكرمة طوال العام لأداء مناسك العمرة، لكن الوضع يختلف تماماً في شهر رمضان المبارك الذي يعتبر موسماً للعمرة، إذ يحرص كثير من المسلمين على تأدية مناسكها خلال أيام الشهر الفضيل، وذلك لما فيها من فضل عظيم يحرص المسلمين من شتى أنحاء المعمورة على اغتنامه، إذ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: عمرة في رمضان تعدل حجة، وفي رواية أخرى حجة معي. وثبت في السنة الصحيحة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمرة في شهر رمضان المبارك تعدل حجه، لقوله لامرأة من الأنصار: ما منعك أن تحجي معنا؟، قالت: كان لنا ناضح وركبه أبو فلان، وتعني زوجها، وترك ناضحاً ننضح فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا كان رمضان فاعتمري فيه فإن عمرة في رمضان تعدل حجة، والعمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لكنها لا تقوم مقامها ولا تسد مسدها في إسقاط الفريضة عمن لم يحج حجة الإسلام. وشدّد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د.أسامة بن عبدالله خياط -في خطبة سابقة- بأن هذا الأجر الصافي والجزاء الكريم يحصل لمن اعتمر عمرة واحدة في رمضان، وأشار إلى انه يخطئ كثير من الناس بتعمدهم تكرار هذه العمرة مرات ومرات خلال هذا الشهر، فيشق على نفسه مشقة بالغة ويدخل عليها الحرج، ويزداد الأمر عندما يضيق على إخوانه المسلمين لاسيما عند كثرة الزحام وربما انشغل بها عن القيام في العشر الأواخر من رمضان، إذ تشهد العاصمة المقدسة هذه الأيام ازدحاماً كبيراً، وتستنفر كافة الأجهزة المعنية استعداداتها لخدمة ملايين المعتمرين من داخل المملكة وخارجها. (26) مليون مصلٍّ ومعتمر وبحسب تصريحات رسمية لإمارة مكة المكرمة فإن موسم رمضان في العام الماضي شهد تنقل أكثر من (26) مليون مصلٍّ ومعتمر من وإلى المسجد الحرام، إذ أوضح مستشار أمير منطقة مكة المكرمة المشرف العام على وكالة التنمية بإمارة المنطقة د.هشام الفالح أنه خلال الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان نُقل ثمانية ملايين معتمر ومصلٍّ، فيما بلغ إجمالي عدد الركاب (26.7) مليون مصلٍّ ومعتمر، بزيادة عن العام قبل الماضي بأكثر من (4.6) ملايين راكب، وكان إجمالي عدد المركبات المستفيدة من مواقف السيارات الواقعة على مداخل مكة المكرمة والمنطقة المركزية (1.7) مليون مركبة، أمّا إجمالي عدد رحلات المركبات المخفّضة من الحركة المرورية على المنطقة المركزية وصل إلى (6.6) ملايين مركبة أي بزيادة نحو (15%) عن العام قبل الماضي، واستفادت (1.7) مليون مركبة من خدمة نقل المعتمرين والمصلين من وإلى المسجد الحرام بمكة المكرمة خلال الفترة من تاريخ 1 رمضان حتى 1 شوال. جهود مضاعفة وتكشف هذه الأرقام حجة الإزدحام الذي تشهده أم القرى خلال موسم رمضان، حرصاً من المسلمين على تأدية مناسك العمرة، وهو ما يتطلب عملا ومجهودات مضاعفة من الجهات ذات العلاقة بهدف تحقيق السلامة لقاصدي بيت الله الحرام، (180) ألف رجل أمن يمثلون قوات الحج والعمرة وشرطة الحرم المكي وشرطة العاصمة المقدسة وأمن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي يعملون ليل نهار من أجل تهيئة الأجواء الآمنة لضيوف الرحمن من أجل تأدية العمرة وسط اجواء روحانية. وتدير هذه الكوادر الأمنية منظومة تقنية تراقب خلف الشاشات حركة الحشود، والمداخل والمنافذ المؤدية إلى الحرم المكي وحركة الأبواب والأروقة الداخلية وسطح الحرم المكي، بشبكة من الكاميرات التي تزيد على (750) كاميرا تغطي ساحات وأسطح وأروقة الحرم المكي. مشروعات عملاقة وأنجزت المملكة مشروعات عملاقة لتوسعة الحرم المكي تسهيلاً على ضيوف الرحمن، من أجل تأدية مناسكهم بأمن وأمان خصوصاً في أوقات الازدحام مثلما هو الحال في شهر رمضان، كان آخرها التوسعة الثالثة التي دشنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- العام الماضي وبعد توسعة المطاف فإن عدد الطائفين في الساعة يصل إلى (107) آلاف طائف، سيتم توزيعهم بواقع 30 ألف طائف في صحن المطاف، والدور الأرضي (10500) طائف، والدور الأول (28) ألف طائف والسطح يستوعب (36) ألف طائف في الساعة، كذلك جميع المداخل المؤدية الى الحرم مراقبة ومتابعة بكل دقة من قبل رجال الأمن سواء عبر الأجهزة أو غرف العمليات ورجال الأمن الموجودين في الميدان. زيادة التثقيف وقال محمد السلمي: أحرص كثيراً على تأدية مناسك العمرة في كل عام خلال شهر رمضان، وبحكم تواجدي في مكة فأحياناً أُكرر العمرة خلال رمضان أكثر من مرة لما فيها من فضل وأجر كبير، صحيح أن هناك زحاماً كبيراً لكن من يريد الأجر لابد أن يتعب. وخالفه حسين الصباغ –مستثمر في قطاع الحج والعمرة- بقوله: ديننا دين يسر ولله الحمد، واستغرب حقيقةً ممن يكرر العمرة خلال رمضان أكثر من مرة، لأنه بذلك يضايق المسلمين، وأرى بأن الموضوع فيه أنانية، ولو كل واحد اكتفى بعمرة واحدة لما شاهدنا هذا الإزدحام الكبير، متمنياً أن يكون هناك تثقيف من العلماء وأئمة المساجد حول هذا الأمر، متأسفاً أنها أصبحت عادة أكثر مما هي عبادة لدى الكثيرين، مبيناً أن هناك معتمرين أجانب عندما نحضرهم نتفاجأ بأنهم يؤدون العمرة أكثر من عشر مرات خلال رمضان، بعضهم يؤديها عن نفسه أكثر من مرة وعن والديه، وآخرين يتاجرون فيها، إذ يعتمرون عن أقارب لهم ممن لم يستطيعوا جمع قيمة تواجدهم في مكة، فبدلاً من أن يدفعوا أربعة آلاف ريال أو أكثر، يوكلون آخر يعتمر عنهم مقابل ألف ريال مثلاً، وهذا الموضوع لابد أن تجد له الجهات المختصة حلولاً للتصدي له. زحام كبير ووافقه أسامة السيد –من جنسية عربية- قائلاً: بالفعل هذا الأمر موجود، شخصياً عندما قدمت للمملكة لأداء العمرة في شهر رمضان قبل خمسة أعوام تقريباً لم أكتف بواحدة، بل اعتمرت أربع مرات، مرتين عن نفسي ومثلهما عن والديّ، الظروف المادية بالتأكيد هي السبب، لأنني لم أجمع قيمة أداء العمرة إلاّ بشق الأنفس. واقترحت منال العتيبي أن يكون هناك تنظيم للعمرة مشابه لما هو عليه في الحج، مضيفةً: في ظل تزايد أعداد المعتمرين خلال شهر رمضان أتمنى أن يكون هناك تشريع من الجهات المسؤولة ووضع نظام للعمرة، مثل أن يكون هناك تصريح لا يمنح إلاّ كل عامين على سبيل المثال، لأن الازدحام الهائل الذي نراه خصوصاً في العشرة الأواخر حرم كثير من كبار السن والمرضى من أداء العمرة في هذا الشهر الفضيل، بالفعل هي أصبحت عادة لدى البعض، ولو كانت عبادة فعلاً لأستجابوا للفتاوى التي تشدد على ضرورة الاكتفاء بعمرة واحدة وترك المجال للآخرين وعدم مزاحمتهم. إيجاد تنظيم من جهته قال العميد متقاعد د.محمد البنيان -مساعد مدير شرطة العاصمة المقدسة سابقاً-: تكرار العمرة أكثر من مرة خلال فترة تأشيرة المعتمر من الأسباب التي ترفع نسبة الزحام، وتؤدي إلى زيادة الأعباء على الجهات المعنية بأمن الحرم، ومنها شرطة الحرم المكي، مضيفاً أنه يُعدُّ موسم العمرة ورمضان والحج من المواسم التي تظهر فيها بجلاء ظاهرة تكرار العمرة دون اهتمام من الفئة التي تُكرِّرها عشرات المرات من أنَّ للحرم طاقته ولرجال الأمن أيضاً طاقات لا يمكن تحميلهم فوق ما يُطيقون، مبيناً أن قوة أمن الحرم تواجه مشكلة تكرار العمرة وتتحمل أعباء التكرار، مما يزيد من إرهاق أفرادها الذين يبذلون جهوداً كبيرة من أجل تحقيق أمن الحرم المكي، في ظل تنقل المعتمرين في مساحات ضيقة وطقس حار، وبرأيي أن عدم وجود تنبيه أو تنظيم أو فتوى شرعية مؤثرة ومتداولة ساهم في بروز هذه الإشكالية بشكل سنوي، ذاكراً أن هذه الظاهرة بحاجة إلى سنّ تنظيم وتنفيذ إجراءات تُقوض منافذ تكرار العمرة، خاصةً في مواسم الحج والعمرة ورمضان لنواح أمنية وصحية وتنظيمية تضمن تحقيق السلامة والصحة وتتوج خدمات الجهات المعنية بخدمات العمرة. المسجد الحرام يستقبل اعدادا كبيرة من الزوار والمعتمرين خلال الشهر الفضيل لوحات توجيهية على أبواب المسجد الحرام لتنظيم وتسهيل الحركة تنظيم عمرة رمضان يتيح المجال للجهات المنظمة والخدمية في تقديم خدماتها بجودة عالية العميد د.محمد البنيان
مشاركة :