لم يعد المرء في العالم العربي والاسلامي يمتلك ترف الاستسلام لنشوة التصريحات التي تبرر الحرب القائمة اليوم في مدينة الفلوجة العراقية تحت غطاء تحرير المدينة من عناصر تنظيم (داعش) بعد ان برهنت الوقائع ان المستهدف في هذه المعركة ليست قوى الارهاب بشكل اساسي وإنما ابناء الفلوجة الذين يسعى الجنرال الايراني قاسم سليماني الى كسر إرادتهم وإخضاعهم لجبروت مليشيات الحشد الشعبي الشيعية وهو ما كشفت عنه زيارة سليماني قبل ايام للمدينة الامر الذي يلقي بظلال من الشك على ان معركة الفلوجة هدفها القضاء على تنظيم داعش وليس تصفية حسابات مع المكون السني في هذه المدينة وتحويله الى اقلية لا تقوى على الدفاع عن نفسها. يوم السبت الماضى نشر احد مواقع التواصل العراقية رسماً كاريكاتورياً صور الجنرال سليماني وهو يفكر فيما عليه ان يفعله تجاه الصمود الذي تبديه مدينة الفلوجة من خلال رفضها التخلي عن رمزيتها ومكانتها والارتهان للتغول الايراني بحيث لم يجد ذلك القيادي الصفوي المغرور ما يعبر به عن غله نحو هذه المدينة العراقية الصامدة سوى الكتابة في الفضاء المحيط برأسه متوعدا الفلوجة بدمار اسوة بسابقتها الرمادي التي احاقت بها نيران الحقد الطائفي بصورة مازالت تفاصيلها السوداء مغروسة في اذهان ابنائها الذين لا يحتاج ان يذكرهم بها احد. كنت اتمنى حقا ان اصدق فعلا: ان معركة الفلوجة بعيدة عن الاستعلاء الايراني الذي يعبث بالعراق وان هذه المعركة هي معركة ابناء الفلوجة في مواجهة عناصر تنظيم داعش وان اصدق ايضا ان قرار المعركة كان قرارا امنيا مبرءاً من أي بعد طائفي او نزعة مذهبية ولكن فان مشاركة مليشيات الحشد الشعبي وكذا قيادات من الحرس الثوري الايراني في التركيبة التى تقاتل ضمن هذه المعركة يجعل من غير الممكن لأي انسان التصديق بأن ايران جاءت الى العراق لتقاتل تنظيم (داعش) وهي بكل افعالها وتصرفاتها تثبت انها شريك لهذا التنظيم في تدمير العراق وبما يسمح لها بتحويله الى مزرعة خمينية واثني عشرية خالصة انطلاقا من اسقاط التنوع والتعدد الذي ظل يتميز به المجتمع العراقي في كل مراحل التاريخ . لم يعد سراً ان قوى ايرانية عسكرية وسياسية تتدخل في العراق بقبول من الحكم القائم هذا ان لم يكن هو ايضا من يساعد على تمرير هذه التدخلات في اطار الدور المرسوم له من قبل طهران التى وضعته على كرسي الآمر الناهي ومع ذلك يبقى من الواضح انه ولولا القبول الاميركي بهذه التدخلات لما تجرأت دولة (ولاية الفقيه) على مد نفوذها الى هذا البلد العربي وانتهاك سيادته وإيصاله الى المنحدر الراهن الذي يسلبه الامل في الاستقرار والحياة الكريمة فما لا يمكن اغفاله ان الولايات المتحدة الاميركية التى احتلت العراق عام 2003م هى من فتحت مع الاسف ابواب العراق مشرعة امام التغلغل الايراني لينال من الهوية الوطنية العراقية ومن ثم تكريس الطائفية ونظام المحاصصة المذهبية في داخله بل ان واشنطن هي من سمحت لطهران باستئصال الحبل السري بين العراق ونسيجه القومي في الوطن العربي وتركت لها الفرصة لتوغل في تقطيع الجسد العراقي وتمزيقه على نحو وان بدا اليوم مذموما اميركياً فإنه في نفس الوقت مستمر ومسكوت عنه. استمعت قبل ايام للسفير الامريكي السابق في العراق جيمس جفري وهو يقول ان دور القوات الاميركية في معركة الفلوجة هو دور داعم للقوات العراقية ومعها مليشيات الحشد الشعبي ولم يتوقف عند هذه النقطة بل انه من استطرد في الحديث ليؤكد البراغماتية التي تطغى على الموقف الاميركي تجاه العبث الايراني في العراق حيث اشار الى مخاوف الولايات المتحدة من دور الحشد الشعبي في معركة الفلوجة وتحديدا دور المجموعات القريبة من ايران مثل انصار الحق وكتائب حزب الله الخارجة عن سيطرة القوات العراقية لمعرفة واشنطن بسجل هذه الجماعات الحافل بالانتهاكات والتطهير العرقي للسنة حيث وان من يقف على حقيقة هذه التصريحات سيجد بالفعل ان التناقض هو احدى سمات السياسة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط وان تماهي واشنطن مع الدور الايراني في العراق يندرج في اطار اضعاف المكون السني في هذا البلد والمنطقة عموما. فهل تنبهت دول المنطقة الى خطر ذلك ؟!
مشاركة :