مظاهر صدمة مسيحية من التغول الإيراني في لبنان بقلم: علي الأمين

  • 2/6/2018
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة شعور مسيحي يترسخ في وعيهم العميق، أن ما قاموا به لترجيح كفة المشروع الإيراني على المشروع العربي برافعته السعودية، لم يوفر الأمان للمسيحيين وأظهرت الوقائع أن ثمة غوغائية عدوانية تحكم الشارع الشيعي.العرب علي الأمين [نُشر في 2018/02/06، العدد: 10892، ص(9)] المواجهة التي انفلتت نحو الشارع بين حليفي حزب الله التيار الوطني الحر وحركة أمل، كشفت عن حقيقة عدم الانسجام وعدم التناغم بين حلفاء الأمس، منذ انضم التيار الوطني الحر قبل اثني عشر عاماً بالتمام والكمال إلى ما يسمى حلف 8 آذار أو حلف الممانعة والمقاومة الذي يقوده حزب الله منذ خروج الجيش السوري من لبنان في العام 2005. ما سمي “تفاهم مار مخايل” الذي قام بين حزب الله والتيار الوطني الحر بقيـادة العماد ميشال عون وبين حزب الله بقيادة حسن نصرالله في شهر فبراير من عام 2006، كان يقوم في جوهره على بعد سيـاسي يتمثل في مقايضة تسليم التيار الوطني الحر بالخيارات الاستراتيجية التي تعني حزب الله محليا وإقليميا، وجوهرها المحافظة على سلاحه مقابل دعم حزب الله وصول العماد ميشال عون إلى موقع رئاسة الجمهورية. كما قام التفاهم على بعد يتصل بخيار مسيحي قاده العماد ميشال عون، يقوم على مفهوم حلف الأقليات، كمصدر أمان للمسيحيين إذ قاد عون مشروع بناء تحالف مسيحي في المشرق مع إيران معتقدا أنها مصدر الحماية للوجود المسيحي في الشرق، وهذا من شأنه أن يؤشر على أنّ مصدر الخطر هو الأكثرية السنية في العـالم العربي، لذا أدار التفاهم بين عون وحزب الله الظهر للبنية العربية ويمم وجهه تجاه إيران. ربما اعتقد الرئيس ميشال عون والفريق الذي يمثله بعد أن وصل إلى رئاسة الجمهورية أنه شريك في هذا المحور الذي تقوده إيران عبر حزب الله في لبنان، لكن التطورات التي شهدها الأسبوع الماضي في لبنان كشفت عن أبعاد العلاقة وحجمها بين التيار الوطني الحر وحزب الله. فالمواجهة التي فجرها رئيس هذا التيار وصهر رئيس الجمهورية الوزير جبران باسيل مع حليف حزب الله الرئيس نبيه بري وحركة أمل، أظهرت بما لا يدع مجالا للشك، أنّ العلاقة بين طرفي الثنائي الشيعي تنتمي إلى نظام مصالح راسخ ومتماسك، فيما العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر لا ترقى إلى مصاف هذا النظام، بل هي أدنى منه وقابلة للانفراط أو التراجع والتفكك. حزب الله منذ بداية الصدام بين حليفيه اصطف بوضوح إلى جانب الرئيس نبيه بري، من دون أن يتخلى عن دور المصلح بينهما، لكنه قالها بوضوح أولويتنا العلاقة مع الرئيس برّي، ورغم المظاهر الميليشيوية والغوغائية التي عبّر عنها مناصرو الرئيس بري في الشارع وفي قلب مناطق ذات غالبية مسيحية، فإن حزب الله لم يظهر أي موقف معترض على هذا السلوك المنفر والذي تجاوز في حدوده أشواطا على ما كان باسيل قد قاله في الرئيس بري. الصدمة المسيحية لم يخفف منها التوصل إلى حل يسحب الفتيل من الشارع، فما صدر عن باسيل في مقابلة مع مجلة ماغازين الناطقة باللغة الفرنسية، كان يعبر عن هذه الصدمة عندما قال إن بعض الخيارات الداخلية التي يعتمدها حزب الله تضر بمصلحة لبنان، وكان يشير في هذه العبارة إلى أن حزب الله ليس جاهزا أو راغبا في دعم خيار الدولة في الداخل عندما يصطدم بخيارات حلفاء له متورطين في الفساد، وكان يشير، بطريقة غير مباشرة، إلى علاقة حزب الله بالرئيس بري الذي يعتقد أنصار التيار الوطني الحر وقادته أنه عائق أمام خيار الدولة.الصدمة المسيحية لم تزل في بدايتها والانتخابات النيابية التي ستجرى في مايو المقبل هي الفتيل الذي ينذر بانفجار يحاول الوزير جبران باسيل أن يكون في وجه خصومه الذين يراهنون على أنه سيكون الخاسر الصدمة المسيحية داخل التيار الوطني الحر وفي البنية التي راهنت على التحالف مع حزب الله كسبيل لإعادة الاعتبار للدولة وللدور المسيحي فيها، لم تتأت من التغول الخارجي الذي مثله حزب الله. فالعماد ميشال عون وما يمثل مسيحيا، كان في مقدمة المدافعين عن دور حزب الله في الدفاع عن نظام الأسد، ولعب الوزير جبران باسيل الدور المطلوب منه على صعيد الذود عن دور حزب الله وعن سلاحه، وغطى من موقعه كوزير للخارجية كل ما تتطلبه مصالح هذا الحزب سواء في جامعة الدول العربية أو في الأمم المتحدة، وحتى على مستوى الاتحاد الأوروبي وغير ذلك، الصدمة هنا أحدثها الدخول الفج والميليشيوي إلى عقر دار المناطق المسيحية من قبل مناصري الرئيس نبيه بري، لقد كشفت في الوعي المسيحي عن حجم من التغول “الشيعي السياسي” في الداخل، وترافق ذلك مع واقع أن التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، انتهت مقتضياته، خاصة بعد أن دخل الرئيس سعد الحريري في التسوية، ومع ضعف الثنائية الإيرانية السعودية في البلد لصالح الأحادية الإيرانية. وأظهرت هذه الوقائع أيضا أن حزب الله نجح في فرض وقائع منذ عام 2006 إلى اليوم، جعلت سلاحه خارج السجال داخل السلطة، واستثمر الغطاء المسيحي ليعزز من نفوذه الخاص داخل بنية الدولة، وبات الغطاء الذي وفره التيار الوطني الحر أقل أهمية مما كان عليه سابقا، لا سيما مع تحول حزب الله إلى مرجعية بقوة الأمر الواقع. من هنا يتسلل إلى وعي التيار حدث فيه بعض الذهول، يتمثل في أن ما يسميه بعض اللبنانيين من شيعية سياسية، تفرض نفسها على الأرض بمعطيات من خارج الدولة، تتسبب بخلل ليس في التوازنات السياسية فحسب بل في التوازنات الطائفية، وهذا إن كان مقبولا قبل وصول العماد عون إلى الرئاسة، فإنه يزيد من الصدمة استمراره بعد وصول حليف حزب الله إلى الرئاسة الأولى، فالخوف المسيحي كان مركزا على الشارع السني طيلة السنوات العشر الماضية، إلا أنّ بعض القريبين من التيار الوطني الحر بدأوا يشيرون إلى أنّ الثنائي الشيعي الذي أخذ لبنان في مغامرات خارج البلد عبر حزب الله، يفرض مقولة إما أنا وإما الفراغ في الحياة السياسية الداخلية، أي تسير الدولة كما أشاء أو يتوقف كل شيء. وفي هذا السياق وإزاء الصدمة التي يعبر عنها بعض قياديي التيار الوطني الحر في الغرف المغلقة حول موقعهم في الدولة، وبحث دور حزب الله في إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة في ظلّ رئاسة ميشال عون، ثمة إعادة حسابات يبررها الخوف من نتائج ما يسمونه التغول السياسي الشيعي، لا سيما أن ثمة ما يقوله حزب الله بشكل مباشر أو غير مباشر لقادة هذا التيار، ومفاده أن ما قام به الحزب لإيصال عون إلى الرئاسة هو مقابل كل ما فعله الأخير من تأمين غطاء مسيحي كان يحتاجه حزب الله، أما تحديات بناء الدولة فهي شأن آخر ولها تعقيداتها وحساباتها التي لا تلزم هذا الحزب بالوقوف خلف عون بالضرورة. ثمّة شعور مسيحي يترسخ في وعيهم العميق، أن ما قاموا به لترجيح كفة المشروع الإيراني على المشروع العربي برافعته السعودية، لم يوفر الأمان للمسيحيين وأظهرت الوقائع أن ثمة غوغائية عدوانية تحكم الشارع الشيعي وعبرت عن نفسها بنوع من انتفاخ وتوهم بقدرات خارقة في مواجهة المسيحيين والتيار الوطني الحر على وجه الخصوص، ويضيف أحد قادة التيار أن العقدة الشيعية باتت ظاهرة غير قابلة للتفكك، فالنزول إلى الشارع بهذه الطريقة الغوغائية، إهانة للشيعة، وهذا سلوك لا يليق بطائفة ولا يرمز إلى رئيس مجلس النواب ومصدر التشريع الذي يجب أن يمثل الحكمة. الإشكالية التي يدركها التيار الوطني الحر وعلى رأسه الوزير جبران باسيل، تتمثل في أن أخذ الشارع المسيحي للوقوف خلف مشروع إيران، كان يفترض أن يقابله حزب الله بعد انتصاراته التي أعلنها في سوريا والتي حققها في لبنان، بخطوات جدية تشعر المسيحيين على وجه الخصوص، بأن الطريق إلى دولة المؤسسات باتت سالكة أو قليلة المطبات والمعوقات، ذلك أن الثمن الذي قدمه المسيحيون على طريق كسر المشروع العربي والسعودي في لبنان، يتطلب في المقابل القول للمسيحيين واللبنانيين عموما إن الدولة يجب أن تستعيد دورها طالما أن الجميع قد سلم، طوعا أو رغما عنه، بمصالح حزب الله وإيران الاستراتيجية في لبنان ومحيطه. الصدمة المسيحية لم تزل في بدايتها والانتخابات النيابية التي ستجرى في مايو المقبل هي الفتيل الذي ينذر بانفجار يحاول الوزير جبران باسيل أن يكون في وجه خصومه الذين يراهنون على أنه سيكون الخاسر طالما أن وصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة لم يغير ولن يغير في مسار الدولة المتجهة نحو التصدع والانهيار. كاتب لبنانيعلي الأمين

مشاركة :