تحفل موائد الرحمن التي تنتشر في مختلف الأحياء والمدن المصرية طوال شهر رمضان، بما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات، وهو ما يخالف الصورة السائدة لدى كثيرين، حول فقر هذه الموائد وتقديمها كميات قليلة من الطعام لروادها، فالحقيقة تقول غير ذلك، بل إن كثيراً من منظمي هذه الموائد يحرصون على خدمة روادها بأنفسهم، ويتناولون معهم في معظم الأيام طعام الإفطار، في واحدة من أبرز تجليات التكافل الاجتماعي في العالم. ترجع نشأة تلك الظاهرة المصرية إلى عصر الدولة الطولونية على يد مؤسسها الأمير أحمد بن طولون، عندما أقام حفل إفطار في أحد أيام شهر رمضان، ودعا إليه الأعيان وكبار رجال الدولة وتجار المحروسة، وعندما وصل المدعوون الحفل، إذا بهم يجدون إلى جوارهم عدداً كبيراً من الفقراء، حضروا بدعوة من الأمير الذي أبلغ الجميع أن المائدة ستستمر طوال أيام شهر رمضان لاستقبال الفقراء والمساكين وعابري السبيل، وتشير بعض كتب الأثر إلى أن ابن طولون حثّ الأعيان وكبار التجار على الاقتداء به، فاستجابوا ومنذ ذلك التاريخ تحولت موائد الرحمن إلى عادة رمضانية في مصر، ومنها انتقلت إلى بعض الدول العربية والإسلامية. ويرجع المؤرخ المقريزي ظهور هذه المآدب إلى عصر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، ويقول إنه كان أول من وضع تقليد الإكثار من المآدب الخيرية في شهر رمضان، وأنه كان أول من أقام مائدة في ذلك الشهر الفضيل أفطر عليها أهل الجامع العتيق جامع عمرو بن العاص، إذ كانت تخرج من قصره وحده أكثر من 1100 قِدر من جميع ألوان الطعام لتوزع على الفقراء. ويحكي المقريزي: كان قصر الشرق الكبير يضم قاعة أطلق عليها قصر الذهب كان الخلفاء يتخذونها لجلوسهم وإعداد ولائم الإفطار في رمضان، فإذا جاء وقت المغرب مُدّت الموائد، وحُليت بالأزهار ونُسّقت عليها أنواع المأكولات والحلوى والقطائف. وتقدر دراسة حديثة أجرتها جامعة الأزهر الشريف قبل نحو عامين عدد رواد موائد الرحمن في مصر بنحو 5% من مجموع السكان، ما يعني أن نحو 3 ملايين مصري أو يزيد قليلاً يرتادون تلك الموائد في شهر رمضان، وتقدر الدراسة ذاتها عدد الذين ينظمون هذه الموائد بما يزيد على 10 آلاف شخص، ينفقون ما قيمته نحو ملياري جنيه على الطعام والشراب المقدم للصائمين طوال الشهر الفضيل.
مشاركة :