ثنائي سويسري يعزف الموسيقى في الظلام

  • 6/11/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ظلام دامس أحاط بالجمهور من كل جانب. لا ظلال، لا بصيص خيالات، لا تسرب لضوء خافت أو حتى شعاع مخــــفي آت من بعيد. كل الفتحات غطــــيت بورق أسود ثقيل، كل المنافذ لوّنت بأسود سميك، حالة مدهشة استطــــاع فيها كل من ساندرو شنيـــبيلي وماكس بيزيو إجبار الجمهور على التخلي طواعية عن حاسة البصر واستدعاء الحاسة المرتبطة بالأذن. انسابت الموسيقى من كل اتجاه في رحلة كونية، اصطحب فيها الموسيقيان السويسريان الجمهور، عبر فضاء الكابينة (أحد الفضاءات الفنية البديلة) في منطقة محطة الرمل في الإسكندرية. بدأت بمقطوعات موسيقى أفريقية ومن ثم أوروبية حديثة إلى شمال أوروبا فأميركا نزولاً إلى أستراليا، ومن ثم صعوداً إلى آسيا وحتى الصين وفي النهاية عودة إلى أوروبا. على مدى ساعتين استطاعت التراكيب الموسيقية الكونية (بحسب تعبير الموسيقيين) المبهرة أن تنقل الجمهور إلى عالم أثيري من الإبداع حيث تغلغلت الموسيقى في نفوس الحاضرين فتحولوا إلى كيان واحد متفاعل بعمق مع كل همسة نفس واهتزازة وتر ودقة إيقاع ارتجلها وأبدعها أي من الموسيقيين. تأتي الحفلة في إطار فكرة خلاقة لنشر الوعي عن المكفوفين استغلها شنيبيلي وبيزيو لتحقيق نظريتهما القائلة إن «الصمت لديه قوة عظيمة» والتي تتيح «الاستمتاع بالموسيقى من منظور جديد، خال من أي إلهاءات بصرية». وأوردت السفارة السويسرية إن الثنائي الموسيقي السويسري انضم إلى متطوعين مصريين مكفوفين لتقديم الموسيقى بطريقة جديدة، في حفلات تقام في ظلام تام، حيث يوجه المتطوعون المكفوفون الجمهور، من مرافقتهم إلى مقاعدهم إلى مساعدتهم في مغادرة المكان. والمشروع هو تعاون بين السفارة السويسرية والمتطوعين المكفوفين، والموسيقيين السويسريين. وعن الفكرة يقول ساندرو شنيبيلى (عازف غيتار) لـ»الحياة»: «ولدت الفكرة قبل ثلاث سنوات حين ذهب أحد أصدقائي لتناول الغداء في أحد المطاعم واكتشف أنه مطعم للمكفوفين، فجميع العاملين مكفوفون والكل يعمل بمهارة وكانت الأجواء مميزة. وفجأة سألني صديقي لماذا لا تقيم حفلة في الظلام الحالك؟ أعجبتني الفكرة كثيراً فنفذتها ولاقت صدى كبيراً بين الجمهور». ويقول ماكس بيزيو (عازف ساكسوفون): «استغلينا الفكرة لتكريس حالة التماهي مع الذات الإبداعية، حيث يصل المتلقي إلى حالة وجدانية تخفت وتشتعل لتنير الموسيقى فضاءات القلوب والعقول والمشاعر وتولّد أجواء رائعة من الإيجابية والاستمتاع، والظلام ساعد الجمهور على أدراك الموسيقى في شكل أفضل والتفاعل معها. فعقب إلغاء حاسة البصر لا يوجد أي شيء يشتت الانتباه للموسيقى كفعل إبداعي، وتتحول كل الحواس إلى الأذن التي تسمع». ولفت إلى أن الهدف الرئيس لهذا النوع من الحفلات هو «أن نتعامل مع شركائنا بالإنسانية من ذوي الحاجات الخاصة كأسوياء، فهم لا يختلفون كثيراً عنا ويمكنهم التفاعل والنجاح كالأسوياء». وأضاف: «أصررنا على أن يشاركنا المكفوفون في الحفلات ليقود عدد منهم الحاضرين إلى أماكنهم كنوع من المشاركة الإيجابية. فعلاقة الأعمى بالحياة تغيرت على مدى العقود القريبة، وبات يمكنه الاعتماد على نفسه، فهو يسير وحده ويعبر الطريق من دون مساعدة ويمكنه شراء الأشياء من المتجر. كما أن التكنولوجيا ساعدت هذه الفئة كثيراً، لافتاً إلى أن الأعمى في الحفلة هو من يساعد المبصر وليس العكس». خلال ثلاث سنوات أقام كل من بيزيو وشنيبيلي 80 حفلة حول العالم، قدما خلالها موسيقى من كل أنحاء العالم في إطار من الجاز، فيأخذان المستمعين في رحلة موسيقية مع القيثارات الإسبانية والطبول الأفريقية والمزامير الصينية، على وقع أصوات الأسواق وخوار الأبقار في المزرعة وحفيف الأشجار وخرير المياه، حتى جلبة القطارات وحوارات المساء المسلية. أحمد نبيل، وهو من الحاضرين، أكد سعادته لأنه لم ير شيئاً، فشعور الموسيقى كان رائعاً، بينما عبدالله، أحد المكفوفين ممن ساعدوا الجمهور، عبر عن فرحته هو الآخر بعدما انقلبت الآية، فالمبصر هو من يستدعي الكفيف لمساعدته وليس العكس.

مشاركة :