تمر المنطقة بظروف استثنائية، حيث باتت السعودية المحور الرئيسي في قيادة تحالف عربي إسلامي، تستدعي تسريع التكامل الاقتصادي الخليجي، وإقامة تكتل اقتصادي قوي على مستوى العالم، ليظهر كقوة اقتصادية، خصوصاً وأن جميع إمكانات التكامل الاقتصادي الخليجي متوافرة، لكنها تحتاج إلى مواكبة التطور والتقدم الاقتصاد العالمي، حيث تعد السعودية من أكبر الدول الاقتصادية ليس فقط خليجياً بل عربياً وإسلامياً وهي ضمن دول العشرين. لم تعد تنفع الحلول التقليدية في الاعتماد على موارد مالية أغلبها من سلعة واحدة هي البترول لتوفير الرفاهية والرخاء لأبناء السعودية التي شوهت الهياكل الاقتصادية وأعاقت تطورها ونموها وكل الحلول التي بذلت من أجل تنويع مصادر الدخل وحل مشكلة الإسكان والبطالة جميعها فشلت، واتسعت الفجوة بين القطاعين الخاص والعام، وهو ما جعل السعودية تغيب عن قائمة الدول الأكثر تنافسية الـ40 على مستوى العالم لعام 2016 التي تراجعت فيها الولايات المتحدة من المركز الأول إلى المركز الثالث، بينما احتلت هونغ كونغ المركز الأول، وسويسرا المركز الثاني، وحلت قطر في المركز الـ13 متراجعة عن المركز الـ10، واحتلت الإمارات المركز الـ15 متراجعة عن المركز الـ 12، واحتلت ماليزيا المركز الـ 19 متراجعة عن المركز الـ14، واحتلت تركيا المركز الـ 38 متقدمة من المركز الـ40. خريطة الطريق التي أعدتها الدولة وفق أعلى معدلات الشفافية والدقة تؤكد على أنها ترسم ملامح الحكومة الفاعلة المعتمدة على الكفاءة والشفافية التي تعتمد حوكمة الرؤية التي وضعتها كنموذج مميز لتطبيق أفضل الممارسات العالمية التي تسعى لتذليل العقبات التي قد تعيق تحقيق البرامج التنفيذية لأهداف الرؤية. وحتى لا تكون الإستراتيجية رهينة للارتجال والمبادرات غير المنسجمة مع أهدافها بل محكومة بالمتابعة الدقيقة وتحديد المسؤوليات، حتى تضمن عدم وجود تنازع بين المختصين ومنع احتمالات تعارض المصالح التي تبقي تفاعل الجهات الأخرى محدوداً مما يقلل من إمكانية تحقيق البرنامج بالصورة المثلى، ولذلك وجود الحوكمة يعطي إطاراً، ويحدد مسؤوليات كل جهة وتتولى تحقيقه وتنفيذ البرامج، بعدما كانت القرارات في السابق تأخذ وقتاً طويلاً للتحقيق، نتيجة غياب الرقابة والمتابعة وتطبيق نظم الحوكمة والنزاهة طيلة نصف قرن في تنفيذ مشاريع خطط التنمية الخمسية، تمثل تحولاً ونقلة نوعية والتي بحاجة إلى برامج لتوعية المجتمع والقطاع الخاص لدعم هذا التحول. تعتمد السعودية بشكل رئيسي على إيراداتها من النفط، وهو ما يمثل تحديا أمام الدولة لتنويع مصادر الدخل من مصادر أخرى، سواء كانت صناعية أو تجارية أو سياحية، لأن الاعتماد على النفط بشكل كبير يؤدي إلى تذبذب إيرادات الدولة، وفقا لحركة أسعاره ارتفاعا وهبوطا. تشكلت لجنة استراتيجية برئاسة رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد لمتابعة تحقيق رؤية السعودية 2030 وترجمتها إلى استراتيجيات مفصلة وبرامج تنفيذية مرتبطة بمستهدفات ومدد زمنية محددة، يتبعه مكتب للإدارة الاستراتيجية يتم دعمه بالقدرات البشرية اللازمة لمتابعة تحقيق الرؤية، وتحديد الفجوات، واقتراح إطلاق البرامج التنفيذية، والرفع بالتقارير الدورية عن مدى تحقيق البرامج التنفيذية لأهدافها، من خلال إطلاق لوحات إلكترونية لمتابعة مؤشرات قياس الأداء بما يضمن التنفيذ الأمثل للرؤية. حيث أن الرؤية تشمل خططا واسعة من بينها برامج اقتصادية واجتماعية وتنموية تستهدف تجهيز السعودية لمرحلة ما بعد النفط، تتضمن ثلاثة تقسيمات رئيسة هي: اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي، ووطن طموح، ولتحقيق اقتصاد مزدهر تستهدف الرؤية رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 في المائة إلى 50 في المائة على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، حيث تستهدف تقدم ترتيب السعودية في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 إلى 25 عالميا والأولى إقليميا، والانتقال في مؤشر التنافسية إلى أحد المراكز العشرة، وزيادة حجم الاقتصاد السعودي وانتقاله من المرتبة 19 إلى المراتب الـ 15 الأولى على مستوى العالم، بعد تحقيق زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليارا إلى تريليون ريال سنويا. تستهدف الرؤية زيادة الإيرادات غير النفطية بنسبة 224 في المائة أكثر من ضعفين في عام 2020، حيث سجلت 163.5 مليار ريال في عام 2015، وخمسة أضعاف عام 2030 بنحو 518 مليار ريال، وتستهدف إيرادات غير نفطية بنحو تريليون ريال مرتفعة من 135.6 مليار ريال عام 2015، كما تستهدف الدولة رفع الأصول غير النفطية ب67 في المائة من 3 تريليونات ريال إلى 5 تريليونات، لتحقيق التوازن المالي. قطعت الدولة شوطا جيدا في تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد بشكل رئيسي على النفط، التي تبدأ بإعادة هيكلة عدد من القطاعات من أجل أن تعظم من مشاركة ا لقطاع الخاص ومساهمته في توليد الوظائف من أجل أن يوفر 40 في المائة من إنفاق الحكومة على المبادرات التي اعتمدها البرنامج بنحو 543 مبادرة تبلغ تكاليفها الكلية نحو 270 مليار ريال للارتقاء بالقيمة المضافة للمحتوى المحلي، بجانب تعظيم المحتوى المحلي في قطاعات مختلفة، والتقليل من الاعتماد على الواردات، لذلك استهدف البرنامج رفع زيادة السعوديين في التدريب الفني من 104 آلاف إلى 950 ألفا. برنامج التحول الوطني يدرك ضرورة ربط خطة التحول بالعمل على محورين متوازنين من خلال زيادة الاستثمارات والتي تتطلب إحداث ثورة جذرية في البيئة التشريعية والتنظيمية والإجرائية للاستثمار في السعودية، وهي تتضمن خطط تفصيلية وحوكمة لتنفيذ برنامج التحول على 5 مراحل، والتي تتطلب درجة أعلى من الشفافية باعتبار أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لهزيمة البيروقراطية العتيدة في الجهات الحكومية في السعودية التي أضاعت عديدا من الفرص الاستثمارية في المجتمع جراء تعقيداتها ورتابتها الإدارية وضعف الأداء والتي ثبتت نجاعتها في الدول المتقدمة من خلال دعم أكبر للقطاع الخاص الذي يفتح آفاقا جديدة للعمل وفق رؤية التحول الوطني من أجل رفع مساهمته في الناتج المحلي من 40 في المائة إلى 65 في المائة. خصوصا وأن هناك مشاريع تنافسية على مستوى العالم مثل المركز التعديني العالمي الذي يدعم تحقيق الحلم الصناعي السعودي، حيث تهدف معادن للألمنيوم أن يكون منتجها الأقل تكلفة عالميا، ومع خطة التحول الوطني التي تهدف إلى رفع حجم صناعة الدواء من 20 في المائة إلى 40 في المائة من حجم السوق المحلي لصناعة الدواء، أي أن ثورة صناعية كبرى تنتظر المنتجات الدوائية السعودية على خلفية مبادرة برنامج التحول الوطني. كما أن تجهيز البنية التحتية ركيزة لاستقبال 15 مليون معتمر مع نهاية 2020، وهناك 3 جهات لتحويل التحلية إلى قابضة تضم 8 شركات، ما يعني أن هناك فرص استثمارية كبيرة بالشراكة مع القطاع الخاص كي يجعله قادر على توليد الوظائف بدلا من الاستمرار في اقتصار القطاع العام على توليد الوظائف، وسيتم تحجيم الخدمة المدنية لصالح التأمينات الاجتماعية ما عدى رفع نسبة عمل المرأة في الخدمة المدنية من 39 في المائة إلى 42 في المائة خطوة مهمة رغم ضعف النسبة، مما يخلق سوقا حقيقياً لتوطين العمالة، بل سينافس القطاع العام، وسيكون أكثر مرونة وأكثر استقرارا لأنه سيغير سلم الرواتب بشكل تنافسي بين القطاعين العام والخاص والذي سيتجه إلى جذب الكفاءات والخبرات بل والقياديين من القطاع الحكومي. وستلغي وزارة العمل استراتيجيات الإحلال التي اتبعتها في الفترة الماضية بسبب ارتفاع نسبة البطالة واستحواذ العمالة الوافدة على القطاع الخاص بنسبة 90 في المائة بعدد رسمي يقارب 9 ملايين، ما يعد خلل في توظيف العمالة السعودية، فحرصت وزارة العمل على سعودة كثير من القطاعات من خلال البرامج المتعددة، رغم ذلك يوجد مليون عاطل سعودي عن العمل منهم 600 ألف رجل والعدد المتبقي من النساء، بجانب أن أقل من 15 سنة يمثلون أكثر من 45 في المائة من السكان وهي شريحة بحاجة إلى أخذها في الاعتبار عند رسم الخطط، ما يوجب إيجاد حلول منها تنشيط المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومعالجة جميع المعوقات التي تواجه هذه المشاريع أهمها التمويل والحد من التستر التجاري. ما يعني أن برنامج التحول الاقتصادي أعاد هيكلة العديد من القطاعات التي فشلت كافة الجهود في الفترة الماضية في معالجة العديد من المشكلات، لأن برنامج التحول الوطني يتجه نحو إصلاح الخلل الهيكلي في كافة القطاعات الاقتصادية لتقوم بدورها بكفاءة عالية. هناك محللون مستقلون من خارج السعودية يتابعون تلك التطورات يتوقعون طفرة استثمارية في السعودية ومزيدا من الاندماج في الاقتصاد العالمي، ما يعني أن برنامج التحول الوطني، يعد نقطة تحول لتنمية اقتصادية شاملة في السعودية، ومن الطبيعي أن تكون هناك تحديات باعتبار أن برنامج التحول الوطني ثورة انقلابية على كثير من المفاهيم وثورة على الفساد المقصود وغير المقصود الذي استشرى في القطاعات الحكومية والمجتمعية، نتيجة إرادة سياسية ووطنية لن تستطيع مثل تلك الفئات التي اعتادت على الثراء على حساب المجتمع من الوقوف أمام تلك الثورة، قد يضعون عدد من العراقيل ويحاولون التحايل على كثير من القرارات، لكن الإصرار على تطبيق برنامج التحول الوطني لن يعطيهم أي فرصة لأنه سيفرض واقعا جديدا. مقالات أخرى للكاتب هل إعادة هيكلة الوزارات تدعم توطين الوظائف مع توجه الدولة نحو الخصخصة؟ الواقع الجيوسياسي يفرض شراكة استراتيجية بين دول الخليج والهند هل تنجح إستراتيجية أوبك في تحويل الفائض النفطي إلى العجز؟ إعادة الهيكلة تضع حجر الأساس الأول في الانطلاقة الجديدة للتنمية الشاملة رؤية السعودية 2030 مرحلة صناعية فارقة
مشاركة :