رمضان بين الأمس واليوم

  • 6/12/2016
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

رمضان، إنه الشهر الذي تتغير فيه النفوس تغيرًا ملحوظًا، تغيرًا تفسره الأفعال والأقوال الإيمانية، كيف لا؟ وهو الشهر الذي اختاره الله ليكون ميقات مهبط وحيه على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) فلو كانت هذه الفضيلة وحدها فيه لكانت كافية في تفضيله، فكيف إذا اجتمعت فيه فضائل عدّة وعظيمة، فبحلوله تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، وفيه فرض الصوم وهو ركن من (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) فلو كانت هذه الفضيلة وحدها فيه لكانت كافية في تفضيله، فكيف إذا اجتمعت فيه فضائل عدّة وعظيمة، فبحلوله تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، وفيه فرض الصوم .. أركان الإسلام وفضل الصوم لا يحصره مقال ولا كتاب، وفي شهر رمضان ليلة خير من ألف شهر تلك هي ليلة القدر، وفيه يحاصر الشر ويفسح للخير وينادي مناد «يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر» فترى النفوس تسمو في ملكوت العمل الصالح وتسارع في مضمار كسب الحسنات، وقد جاء في آثار كثيرة مضاعفة الأجر في هذا الشهر المبارك، وليس ما أسلفته إلا بعض تلميح لفضائله، إذ ليس حصر فضائله مرادي في مقالي، ولكنني سأفضي بما في نفسي مما أظنه في نفوس كثير من الناس، وقد يكون ذلك بعضًا من تمني عودة الماضي إذا ما مررنا بسيرة أولئك القوم الذين كان لهم فضل السبق والإحسان في صيامه واحتسابه والإيمان به، لاسيما أولئك الذي نالوا فضل مشاركة خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم في صيامه وقيامه، فقد صام صلى الله عليه وآله وسلم تسع رمضانات، تقلب الصحابة رضي الله عنهم معه صلى الله عليه وآله وسلم في جميع روضات العمل الصالح الذي لم يقتصر على نمط معين أو عمل مخصص، ويكفي أن أشهر غزوة في التأريخ وقعت في هذا الشهر المبارك، تلك هي غزوة بدر الكبرى، حين كان المسلمون في طور بناء دولتهم وترسيخ دينهم وتثبيت حكمهم، ففتح الله عليهم فتوحات ربانية ونفحاتٍ رمضانية، سطرت في صفحات التاريخ بمداد لن يمحى، ثم تتقلب الأيام وتستقر أحوال المسلمين في المدينة وتختلف معها الأجواء الرمضانية، فيظهر المسلمون مظهرًا إيمانيًا تسوده المحبة والوئام وحب الخير، فيقبلون فيه على قراءة القرآن وترتيله، وعلى قيام الليل وإحيائه، حتى كان جبريل عليه السلام يشاركهم ذلك فكان عليه السلام يدارس القرآن مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في كل رمضان مرة، وفي آخر حياته صلى الله عليه وآله وسلم دارسه جبريل القرآن مرتين، تلك المعارضة القرآنية التي كان صلى الله عليه وآله وسلم يفسرها بفعله وقوله، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم سار المسلمون على هديه فكانوا يستقبلون رمضان مبتهجين بنفوس طيبة وصدور منشرحة، وقلوب عازمة على فعل الخيرات وترك المنكرات، يجتمعون على إطعام الطعام وإفشاء السلام، وتلاوة القرآن وتدبره، ثم إذا جنح ليله رأيتهم نجومًا يستنار بها، فيصطفون في صلاة التروايح بقلوب قد برئت من الحقد والحسد والضغينة والكبر والغش، وامتلأت بالإيمان والخشوع وحب الخير، وجعلوا من رمضان مدرسة لمضاعفة الخيرات وتوحيد الجهود، والزيادة في الإحسان، ومحطة يتزودون منها إيمانًا إلى إيمانهم، ليس ذلك فحسب، بل كان للتكافل الاجتماعي النصيب الأكبر في حياتهم؛ تفقد لليتيم وإطعام للمسكين وإغناء للفقير، حتى جُعل هذا التكافل واجبًا متممًا لصيامهم، فقد فرضت زكاة الفطر لهذا الغرض، ومع أن كلّ ذلك لم نحضره ولم نشاهده، إنما امتلأت به قلوبنا وأفكارنا من خلال مطالعتنا لسيرهم، فإن الحنين إلى تلك الأجواء لاشك أنه يملأ قلب كل محب، وتطوف بنا تلك الأمنية كلما أقبل رمضان، وقد أدرك الكثير من الناس بعض تلك الإيمانيات والروحانيات قبل أن تداهمنا بهارج الحياة، وتغلب علينا نزعة أخاذة إلى مجافاة الروحانية شيئًا فشيئًا، حتى يصير استقبالنا لرمضان مجردًا عن كل ما يربطنا بفضله، وفي كل رمضان يأتي يأتينا أيضاً ذلك الحنين إلى تلك الأجواء المفعمة بروح التأقلم الوجداني مع هذا الشهر المبارك، ولا يعني ذلك أننا لا نلحظ تلك الروحانيات في شبابنا وآبائنا وأبنائنا وبناتنا بل لا زالت تلك الروح تنثر عبيرها في مساجدنا وبيوتنا وشوارعنا وإعلامنا في بعض القنوات وعلى كثير من مواقع التواصل وفي كثير من الأمسيات والمجالس، غير أننا نلحظ سلبيات الاستقبال لهذا الشهر عند كثير من الناس، الأمر الذي يدعونا إلى المناصحة والملاطفة والتذكير بأجواء الماضي، لعلنا نطوّع ما في أيدينا من أدوات العصر ومخترعاته لينسجم العلم الدنيوي مع العلم الأخروي ونسير في ركب الحضارة محافظين على روح ما ورثناه من خير، ومترجمين لآي التنزيل بأقوالنا وأفعالنا بما فيه صلاح أحوالنا الخاصة والعامة.

مشاركة :