الدراما ليست حلا

  • 6/12/2016
  • 00:00
  • 35
  • 0
  • 0
news-picture

لا بد أن نعي أننا لسنا وحدنا في هذا العالم، ومسلسل كسيلفي أو السينما أو الدراما بشكل عام يمكن لها، في رأيي، أن تعيننا على نقد ذواتنا حتى نقيمها في المستقبل القريب من المعهود أن تثير بعض الأعمال الدرامية جدلا واسعا في الأوساط الاجتماعية أو الثقافية أو الدينية أو حتى الرسمية أحيانا، بحيث تصبح حديث المجالس اليومية في رمضان، ولعل العمل المعروف: سيلفي (الذي يمكن اعتباره امتدادا لمسلسل طاش سابقا)، هو أقرب مثال على ذلك، فهو يعتبر أحد الأعمال المثيرة للجدل خلال السنة الماضية وهذه السنة، وما يطرح ليس إلا جزءا من الصراع الذي انخرط فيه هذا المسلسل مع خطابات التشدد، بجرأة أكثر من غيرها من خلال إثارة المسكوت عنه، إضافة إلى أنه يعتبر صورة قريبة عن تحولات المجتمع وأزمة القيم لديه، والحساسية الزائدة لدى بعض أفراد المجتمع السعودي من بعض الأعمال الدرامية هو بسبب أن هذا المجتمع لم يجرب من قبل انكشاف الذات على ذاتها، وتصوراته عن ذاته كانت تصورات مثالية جدا، وهذه التصورات هي أحد جوانب المجتمعات التي ترى في نفسها المحافظة حتى إذا ما انكشفت هذه المجتمعات على بعضها البعض، فإنها تستفز بأقل محرك مثير دراميا كان أو روائيا أو حتى نقد عادي من مجتمعات مخالفة لها. المجتمع السعودي، وربما الخليجي والعربي بشكل عام، يواجه الآن أكبر عملية انكشاف على الذات بعد شلالات الدم التي تسيل فيه والإرهاب الذي يضرب في كل مكان، لتأتي الدراما كوسيلة جماهيرية تحاول أن تدخل في طيات المجتمع وتبحث في قضاياه ليجد هذا المجتمع أنه لاختلف مطلقا عن أي مجتمع آخر. وأزمة القيم التي يمر بها هذا المجتمع، وتكشف عن بعضه الدراما التلفزيونية، كان نتيجة لبعض التحولات الكثيرة التي مرت على السعوديين، حتى أصبح التركيز قبل أي شيء آخر هو في مدى الاختلاف بين الأجيال والصراعات بينهما، دون معرفة هذه التحولات بشكل جيد لمعرفة أسبابها ونتائجها، ولذلك تأتي الدراما كمساعد لفهم بعض طيات هذا المجتمع حيث الاعتماد على الصورة الموجزة والمختزلة من خلال النقد الكوميدي أو الكوميديا السوداء، وهذا بالطبع داخل في ما يسمى بـ"ثقافة الصورة" كما هو متداول منذ سنوات، فالثقافة التصويرية أخذت مجالها بقوة في السياق العام داخل المجتمعات العربية عموما، فالصورة أو (اللقطة) على صغرها تصبح ذات حجم اجتماعي كبير في التأثير، وبقدر ما تفضح الصورة حجم المأساة الاجتماعية المتخفية بقدر ما تخرق حجب المسكوت عنه في المتغير الاجتماعي لتجعل منه حدثا تداوليا لا يمكن الهروب منه أو وضع الحواجز في طريقه أو حتى غض الطرف عنه، وليس غريبا أنه حين تخترق لقطة من مسلسل صغير كوميدي (كسيلفي مثلا) حجب المسكوت عنه في المجتمع المغلق كحلقة ابني السني والشيعي وكشف علاقة السني بالشيعي المتوترة، فإنه يحدث جدلا واسعا في المجتمع كونه مسلسلا اعتمد على الصورة المركزة في قالب كوميدي ذي رسالة نقدية محددة. ولذلك يراهن بعض الممثلين أو النقاد المهتمين بالسينما أو الدراما بشكل عام على أنها الحل الذي يمكن وراءه أن يتطور المجتمع، اعتمادا على أن الفنون يمكن لها أن تطور المجتمعات، وهذا ما يتكئ عليه هؤلاء، وفي رأيي أن الموضوع يصعب فيه ذلك لكون الفنون نتيجة لتطور المجتمع وليس وسيلة. صحيح أننا جميعا أمام تحولات ثقافية واجتماعية كبيرة، وهذه التحولات ربما كانت تنتج داخل البيت الواحد، وتخلق حالات من الفزع النفسي والعقلي أمام كثرتها وتداولها الكبير، والمجتمع بحكم تقليديته فإنه يحاول الانغلاق على نفسه انغلاقا يجعل منه في الأخير قنبلة موقوتة، وحين تصبح كل الوسائل متاحة للعقل الذي لم يتعود غير انغلاقيته فلا بد من تفريغ الشحنات المكبوتة من خلال هذه الوسائل. ثم.. إن التعامل مع الصورة يحتاج إلى نوع من القراءة خاص، أي أننا لا يمكننا أن نقرأها من ثنائية الرفض أو القبول كما نفعل في قراءاتنا المتكررة لأي منتج حضاري جديد، ذلك أننا لا نملك خيار الرفض والقبول في استقبالها في الأساس، لكن لا بد من التعامل معها على أنها نوع من لزوميات الحضارة المعاصرة، فالتعامل معها يتم من خلال هذا الفهم، كما أن لكل صورة قراءتها الخاصة، فالصورة الصامتة ليست قراءتها كالصورة المتحركة، وكذلك الصورة الفنية تختلف قراءتها عن الصورة السينمائية مثلا. وصحيح أيضا أننا في مرحلة من مراحل التحول الاجتماعي لا بد من أن نعي أننا لسنا وحدنا في هذا العالم، أو أننا نستطيع التقوقع داخل مجتمعاتنا، أو أطرنا الفكرية والنفسية والثقافية، ومسلسل كسيلفي أو السينما أو الدراما بشكل عام يمكن لها، في رأيي، أن تعيننا على نقد ذواتنا حتى نقيمها في المستقبل القريب. كل ذلك صحيح لكن القضية ليست بالبساطة التي يراها المهتمون بالدراما أو السينما رغم أهميتها الكبرى في خلق فضاءات فنية وقيمية جديدة، وإنما المسألة تعود إلى قراءة واعية للذات من خلال مفهوم النقد الذاتي، والفنون ليست إلا النتيجة التي يمكن من خلالها قراءة تطور المجتمع، أي بمعنى أنه كلما ارتفع المستوى الفني فإنه يعتبر قياسا على مستوى التطور الاجتماعي وليس العكس، أي أن الفنون الدرامية أو غيرها هي نتيجة التطور الاجتماعي وليست سببا لها كما يحاول المتفائلون بالسينما أو الدراما التأكيد عليها كثيرا بأنه هي الحل.

مشاركة :