حين ينتقد البعض التعليم في بلادنا يذكر من عيوبه أنه لم يستفد من التكنولوجيا الحديثة، وأن العالم المتقدم يتعامل في التعليم مع الكومبيوتر والآي باد والسبورة الذكية، ونحن ما زلنا في مدارسنا نتعامل مع الكتب والدفاتر والأقلام... إلخ. ذلك القول الذي يصور تطبيق التكنولوجيا الحديثة في التعليم كما لو أنها عصا سحرية تقلب ضعف التعليم إلى قوة وتخلفه إلى تقدم. إن هذه النظرة التي يطرحها البعض تعكس مفهوما ثقافيا ألفه الناس وانغمسوا فيه، وهو مفهوم تقديس المظهر والتركيز عليه بصرف النظر عما ينطوي وراءه، فحسب هذا المفهوم، ما دام الطلاب يحملون آي باد ويتعاملون مع الإنترنت ويتواصلون مع بعضهم البعض عبر سكايب، فإن هذا دليل على جودة تعليمهم وحداثته، حتى وإن لم يكن في واقعه كذلك، فمفهوم تقديس المظهر يجعل استخدام التكنولوجيا الحديثة غاية في حد ذاته، وليس مجرد وسيلة لتقديم المعلومات بصورة أسهل. إن هناك عيوبا جوهرية في التعليم أجدر بالاهتمام من مجرد تزويد الطلاب بأجهزة آي باد يخزنون فيها برامجهم التعليمية. فمن أبرز العيوب التي يعاني منها التعليم وتحتاج إلى معالجة سريعة، ثلاث قضايا كبرى: أولاها، أهداف التعليم، فأهدافنا التعليمية في صورتها الحالية عامة وغير محددة وغير موجهة لمعالجة قضايا المجتمع المعاصرة. إن من أهم أهداف التعليم في العصر الحديث إعداد أجيال مزودة بالمعرفة الحية القابلة للتطبيق في الحياة اليومية، فيتعلم الطالب كيف يتغلب على معيقات التقدم وكيف يواجه مشكلات الواقع الذي يعيش فيه، سواء أكانت مشكلات اقتصادية أو صحية أو أمنية أو ثقافية أو غيرها، وذلك من أجل تحقيق حياة سعيدة، فنشر السعادة في المجتمع ينبغي أن يكون أحد أبرز أهداف التعليم. والقضية الثانية، هي قضية ضعف مضمون الكتب الدراسية، فما تحويه تلك الكتب لا يرقى إلى الطموح الذي نرنو إليه، فهي لا تخرج عن أن تكون إما محدودة في محتواها العلمي، أو تحوي مفاهيم رديئة وقيما ضارة، أو تضم مختارات ضعيفة لا تصلح لأن تكون نماذج تدرس. أما القضية الثالثة، فتتبلور في ضعف المعلمين في الجانبين: العلمي والتربوي، وقد انعكس هذا جليا في مظهرين يتكرران أمامنا: ضعف مخرجات التعليم، وكثرة التصادم ما بين المعلم والطالب، فالمعلم إما معتدٍ على طلابه أو طلابه معتدون عليه، وغني عن القول إن المعلم المتمكن علميا وتربويا غالبا تكون علاقته بطلابه جيدة، حتى وإن كانوا من الذين يصنفون أحيانا على أنهم مشاغبون أو مقصرون. هذه القضايا الثلاث (نوع الأهداف ومضمون الكتب ومهارة المعلم) هي مرتكزات جوهرية في التعليم، ومتى وجدت الاهتمام بها، فإنها كفيلة بأن تقفز بتعليمنا خطوات إلى الأمام، حتى وإن بقي الطلاب يحملون كتبهم في حقائبهم غير مزودين بآي باد.
مشاركة :